عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أرجوكم.. لا تقتلوا أم حسن

أثناء الحروب الصليبية دخلت إحدى فرق الغزاة قرية من القرى، بينما كان الرجال في الحقول، فنهب الغزاة الأموال واغتصبوا النساء، وبعد رحيل الغزاة السفلة جلست النسوة يشكين لبعضهن، ما أحدثه الغزاة بهن من المهانة والعار، ثم سألت إحداهن: أين أم حسن؟.. وكانت غير حاضرة، فقالوا: لعل أحد الجنود أصابها أو قتلها.. فذهبن إليها فوجدنها تجرّ جثة الجندي الذي حاول الاعتداء عليها، فلما سألوها كيف قتلتيه؟.. قالت: وهل كنتنّ تنتظرن أن أُفرّط في عرضي قبل أن أموت!

خرجت النسوة من دارها وهنّ خزايا وقد طأطأن رؤوسهنّ، ثم اتّفقن على حيلة خبيثة شيطانية، رجعن إلى دار أم حسن، وهجمن عليها على غفلة، وقتلنها، ماتت الحرة الشريفة بأيدي الجبن والخسة، قتلنها حتى لا تفضحهنّ أمام أزواجهن، قتلن الشرف.. من أجل أن يحيا العار ولم تجد أم حسن ضميراً أو صوتاً واحداً يصرخ «لا تقتلوا أم حسن الشريفة».
حين قرأت هذه القصة القصيرة وقد كتبها شاب لا أعرفه على أحد مواقع التواصل الاجتماعى، رأيت فيها حال بلدنا بمؤسساته التى لا تزال تئن تحت وطأة الفساد رغم مرور 3 أعوام على ثورة 25 يناير التى قامت ضمن ما قامت ضد الفساد المستشرى فى أوصال الدولة حتى النخاع، لدرجة جعلت كل حكومات ما بعد الثورة تشعر بالعجز شبه الكلى فى القدرة على الإصلاح، إذ تتوزع كل مؤسسات مصر كما هو الحال فى قصتنا بين فسدة، ومتواطئين قبلوا الخضوع للفسدة خوفاً أو ضعفاً بزعم قلة الحيلة، وبين شرفاء رافضين، وهؤلاء قلة ويتم قتلهم بأى أسلوب من أساليب الخسة التى اعتاد عليها الفسدة سواء معنوياً أو وظيفياً أو مادياً، ولا يجد الشرفاء من يدافع عنهم كما لم تجد أم حسن من يحميها من جريمة قتلها على أيدى من استسلمن للفسدة، فممثلو الدولة العميقة ما زالوا فى كل مكان، لم تتطهر منهم بعد كل المؤسسات ولا المصالح الحكومية ولا غير الحكومية، بيد معظمهم مراكز القوة والقرار، وسلطة الأمر والنهى والثواب والعقاب والرفع أو الإقصاء، بل إن بعض الجهات الحكومية أصبحت عائلات بسبب الواسطة في التعيينات.
وبقاء هؤلاء الفسدة فى مراكزهم، وتحولهم مع الوقت إلى قطط سمان لا يمكن زحزحتهم ولا خلعهم من كراسيهم، يشعر الشرفاء الذين حلموا بالثورة وعاشوا تفاصيل الأولى والثانية، وحلموا بأجمل النتائج التى لم تتحقق بعد وهى العدالة الاجتماعية والمساواة فى الحقوق يشعرهم بأن شيئاً لم يتغير، وأن ما قبل 25 يناير متعادل ما بعد 30 يونية، وأننا لم نراوح مكاننا بل ندور داخل دائرة مفرغة.
وقد لا يعرف البعض أن مصر بها أكثر من 36 جهة رقابية فى الدولة تكافح الفساد ومختصة بفتح ملفاته لعل أبرزها الرقابة الإدارية والنيابة الإدارية، والجهاز المركزى للمحاسبات، والجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، والإدارة العامة لمكافحة جرائم الأموال العامة، وإدارتا الكسب غير المشروع وغسل الأموال بوزارة العدل، والنيابة العامة ونيابة الأموال العامة، كما أن دستورنا الجديد يتضمن بنداً بإنشاء لجنة لمكافحة الفساد، ولكننا حتى الآن لا نعرف مهمة هذه اللجنة ولا كيف ستتشكل، وكيف سيتم اتصال المواطنين بها أو كيف ستتعامل معهم مع بلاغاتهم.
ومن المؤسف له أن تعدد الأجهزة الرقابية وتداخل اختصاصاتها باتا يؤثران سلباً  علي مواجهة الفساد الإداري ويمثلان إهداراً للوقت والمال العام،

ويسببان تناقضات لا حصر لها، إضافة إلى افتقار بعض أعضاء الأجهزة الرقابية إلي الحصانات الكافية للقيام بدورهم الرقابي، ومن المؤسف له أيضاً أن عمليات الكشف عن الفساد توقفت ما بعد 30 يونية، حتى الإعلام نفسه الذى نشط بسيولة يحسد عليها بعد سقوط نظام مبارك ومن ثم سقوط نظام الإخوان فى الكشف عن فساد النظامين وكل ما تعلق بهما من أعوان وأذناب، للأسف توقف هذا الإعلام الآن تماماً عن حتى التفوه بكلمة فساد، وكأن مصر صارت فى أجمل وأشف صورة من النزاهة والعدالة.
ومن المؤسف له أيضاً أن كل الأجهزة المختصة بمكافحة الفساد لم نسمع عنها خبرا يذكر منذ 30 يونية، ويبدو أنها اكتفت بالمراقبة والصمت أو بكتابة التقارير السرية ودفنها فى الأدراج دون تحويل المخالفات إلي المحاكمات، أو لعلها رغبة سياسية غير معلنة فى عدم فتح هذه الملفات الآن، حتى لا يتم تحريك غضب المواطنين، وكأن هؤلاء المواطنين يتعاملون أو يعملون فى وطن آخر، ولا يكتوون بنيران الفساد ليل نهار على كافة مستويات الحياة والتعاملات اليومية بدءاً من مكان عملهم مروراً بالمصالح الخدمية التى تمس قضاء حوائجهم من أوراق ووثائق وبطاقات ورخص للقيادة ومعاشات وغيرها، وصولاً للقمة عيشهم ورغيف الخبز الذى لا يرضى سعره ولا حجمه بشراً بسبب فساد ذمم بعض أصحاب المخابز وغياب الرقابة.
إن استمرار الفساد على هذا النحو، وعدم وجود تحركات واضحة من الدولة والجهات المعنية بمكافحته وعدم محاولة خلع المتأصل منه من جذوره، وتجاهل الإعلام لدوره فى توعية المواطنين بحقوقهم ودورهم فى مكافحة وكشف الفساد، بجانب غياب دور مؤسسات المجتمع المدنى فى هذا الإطار، كل هذا سيؤدى إلى  ضعف الثقة في الحكومة، وإلى انتشار الإحباط لدى الشرفاء وتفشى الحقد أو الإنماليزم «اللامبالاة»، وتنامى رغبة الانتقام من الدولة مما يهدم ما تبقى منها، وإلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، والأخطر سيؤدى إلى انتشار الفوضي.
لذا أطالب بقانون خاص لمكافحة الفساد، وتشديد العقوبات في جرائم الرشوة واختلاس المال العام، وتقديم ضمانات وحوافز للمبلغين والشهود في القضايا المتعلقة بالفساد، وتفعيل دور الإعلام والمؤسسات المعنية بمكافحة الفساد حتى نشعر ببعض من ثمار الثورتين.. أرجوكم لا تقتلوا أم حسن.