رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأسرة المصرية .. قبل فوات الأوان

لأني أحبها و تشغلنى ، لأن مكانتها فى نفسى تتعادل مع مكانة مصر السارية بعروقى مجرى الدم ، لأنى أعشق كيانها وهى ملتفة حول مائدة الطعام ، أعشق صورتها وهى مجتمعة فى الشرفة او ساحة الدار بقلب الصعيد ، تتبادل الحكايا مع رشفات الشاى المحلى بالنعناع الاخضر ، الذى يحمل رائحة الارض وطيبتها وعبقها الغامض الفريد ، لأن ضياعها يعنى ضياع النفس والذات ، يعنى  ضياع مصر وعنصرها الذاتى الذى يميزها بين اكوان الارض ، انها الاسرة المصرية التى افرد لها مقالتى الرابعة فى هذا المكان الدافئ من بوابة الوفد  .

الاسرة التى باتت مهددة بالضياع والتفكك ، وكما قلت سلفا إن غياب الوازع الدينى ، وإهمال رب الأسرة غرس خلق الدين فى نفس أولاده ، أو معاملتهم وفقا لأصول الدين ، يعد من أهم اسباب انهيار الاسرة خلقا ودينا وتشتتها بين الأهواء  ،  كما قلت إن الانترنت اللعين والهواتف وكافة وسائل الاتصال ،  التى باتت متربعة تتخم  كل بيت ، سببا آخر رئيسيا  فى تفكك الاسرة وتشتت الابناء كل فى ذاته خلف شاشاته ، بعيد عن التواصل الاسرى ، او الاحتكاك الاجتماعى المباشر .

يضاف الى هذا وذاك غياب القدوة ، وانشغال الاب ساعات طويلة فى عمله وفى البحث عن سعادته خارج المنزل مع الاصدقاء او فى إقامة علاقات سرية بعيدا عن بيته ، تحت زعم تعويض تعب العمل ، بجانب انشغال الام وتفانيها الزائد فى قضاء شئون البيت ،  وتركيزها على نظافة البيت اكثر من نظافة خلق اولادها ، او اهتمامها بتغذيتهم بدنيا بالأطعمة المتنوعة ، عوضا عن اهتمامها بتغذيتهم النفسية ، اوضمهم الى حضنها ، ففقد تقريبا حضن الام دفئه ، وبات الاب مجرد بنك تمويل لاحتياجات الاسرة ولتلبية مطالب الاولاد التى لا تنتهى ، وتحولت الام الى آلة او ماكينة تعمل بلا روح او حياة لقضاء مطالب الاسرة ، وتحول الابناء الى فراعنة ، عاقين رافضين لكل نصح ، يرون انهم الأصح وان الاباء "  دقة قديمة " لا يفهمونهم ، وباتت هناك عداوة مستترة ، وحرب نفسية دائمة بين كل طرف من اطراف الاسرة ضد الآخر .

فأين المنتهى ، واين الحل ، الحل يا سادتى هو العودة الى الله ، ان نتجه جميعا بقلوبنا وعبادتنا الى الله ، ان يستغفر كل منا فى تلك اللحظة ذنوبه ، ان يقف وقفة متأنية مع النفس ، ان ينظر في ما قدمت يداه لأسرته ، كل فى مجاله ، أن يحاسب الاب الآن نفسه ، هل كان أبا حقيقيا وقدوة لابنائه فى الدين والخلق ، ان تحاسب الام نفسها ، هل كانت اما حقيقية تنصح وتربى وتوجه ، وتضم اولادها الى حضنها حتى فى وقت الغضب والضيق ، لتقومهم ، وتستوعب اخطاءهم لتصويبها بالحب والحنان ، ان يقف الاولاد ايضا مع انفسهم ، ويحاسبونها ، هل هم اولاد بارون بوالديهم ، هل يتعاونون مع الاب المجهد والأم المنهكة فى قضاء بعض امور المنزل ، ولو حتى فى تنظيف غرفهم  وتعليق ملابسهم ، وحمل ولو حتى الاطباق مع الام وقت الطعام ، والذهاب بدلا منها الى السوق او السوبرماركت ، ليحمل عنها جانبا من المسؤلية المضنيه .

علينا ان نقف جميعا الان ونسأل انفسنا ، كم مرة وقف المسلمون أبا وأما وابناء فى صلاة جماعة معا بالمنزل ، كم مرة أصر الاب ان يصطحب ابنه للمسجد للصلاة ، كم مرة حرص مسيحى ان ياخذ ابناءه الى الكنيسة ، وان يلقنهم المحبة الحقيقة الواردة بالانجيل للاخرين ولمجتمعهم كله دون فوارق .

علينا ان نقف مع انفسنا جميعا ، لنقيم المكاسب التى حصدناها من قضاء الساعات الطويلة امام الانترنت او فى الاتصالات مع الغرباء فى امور تافهة ليس لها اى جدوى ، امور تضيع الوقت وتهدر الجهد ، وتشتت الذهن لما لا يحمد عقباه .

علينا ان نجلس جميعا اليوم فى هذا المساء او الامسية القادمة فى غرفة المعيشة ، فى " حوش " الدار ، او حتى فى ساحة عشة الايواء انا كنا

نسكن بها ، ان نجتمع معا ، اب وام وابناء ، لنتحاور ، لنفكر فىما يجمع الاسرة ، فى مصلحتها ،ان نتشاور فى مشاكلنا ولا نغلق عليها ابوابنا وذواتنا ، ان نتصارح ، ان نتخلى قليلا عن انانيتنا ، عن اجهزتنا الالكترونية المدمرة لكل العلاقات الانسانية السليمة والقويمة .

علينا هذا المساء او غد ان نقرر معا ، اغلاق كل وسائط الاتصالات الالكترونية الساعة الثانية عشرة ليلا ، الساعة الواحدة ليلا كأقصى تقدير ، على الاباء ان يكونوا حاسمين واكثر حسما فى تحديد ساعات قبوع الاولاد خلف الشاشات  ، لافارق فى ذلك بين ايام دراسة او إجازة صيفية ،  لماذا السهر ، لماذا لا نستمتع بحياتنا فى النهار ، لماذا نتحول الى خفافيش تقضى حياتها ليلا ، وتنام نهارا .

لقد حبانا الله وميزنا عن سائر المخلوقات بنعمة العقل ، وعلينا أن نعمل عقلنا فى إنقاذ اسرنا ، ان نبحث عن مشروع عائلى يجمعنا معا ، ان نعيش طموحات افراد الاسرة واحلامهم لا طموحاتنا فقط واحلامنا ، ان يساعد الاخ الكبير اخاه الاصغر ، وان يحترم الصغير الكبير ، ان نخرج معا فى رحلة او زيارة لمكان عام ، نتبادل الكلام والضحك والمشاعر ، ان نحدد يوما اسبوعيا لزيارة افراد العائلة او السماح لهم بزيارتنا ، فلا عجب أن أقول إن من ابناء هذا الجيل من لا يعرف خاله او ابن عمه ، ولا عجب أن أقول إن تقطع الاوصال دفع بالابناء للتخلص من ابائهم فى بيوت المسنين ، وهو امر لم تكن تعرفه مصر حتى وقت قريب ، ولا عجب أن أقول إن معدلات الطلاق فى مصر بلغت فى السنوات الاخيرة اعلى رقم  لها ، ولا عجب ان اقول إن معدلات الانحراف وعقوق الابناء واعتداءاتهم على الاباء باتت فى اوجها الان ، ولا عجب ان اقول ان معدلات خيانة الازواج وزواجهم السرى بأخريات بلغ من الخطورة مبلغا رهيبا  .

علينا ان نفيق قبل  فوات الاوان ، قبل أن نصبح مجتمعا بلا أسرة ، لاننا وقتها سنكون مجتمعا بلا مجتمع ، افيقوا يرحمكم الله وليبدأ كل منا بنفسه هذا المساء او غدا ، ولكن لا ترجئ  عودتك الى حضن اسرتك الى ما بعد ذلك ، لأن الاوان سيكون قد فات ، وستجد نفسك وحيدا فى العراء بلا اسرة ، حتى وان كنت تعيش بجسدك فى بيت واحد مع هذه الاسرة ، ساعتها ستكون غريبا فى بيتك ، ضائعا فى مجتمعك منبوذا داخل ذاتك ، فلا طعم للنجاح الا مع التفاف الاخرين حولك ، كما أن للعطاء والتضحية طعم لذة لا يعادله لذة  ، ساعتها ستندم كثيرا فى وقت لن ينفع فيه ندم  ..