رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

زحام الخبراء والمراسل الجاسوس

أعلم مسبقا أن كلماتى ستثير غضبهم ، لأنهم سيتحسسون رؤوسهم فيجدون عليها " البطحة " بل قل الوصمة ، وصمة العار بجبينهم ، تلك المجموعات الهائلة من مدعى الصحافة أو  الكتابة وأيضا النشطين السياسيين ، الذين ظهروا فجأة بعد ثورة يناير فى الفضائيات ووسائل الاعلام الغربية ، كخبراء فى الاعلام وفى  السياسة المصرية وفى اقتصادها واجتماعها ، ولا أعرف متى صاروا خبراء ، وأعمار معظمهم لم تصل حتى للعقد الثالث من العمر ، وهل هناك جهة ما مثلا منحت هؤلاء شهادة الخبرة فى أيام ما بعد الثورة ، دون أن تبصرهم بأهمية الكلمة ، وبخطورة ما يقولونه من وجهات نظر،  تفتقد للوعى السياسى والبعد الاجتماعى والثقافى ، دون أن يعرفوا أن الكلمة أمانة وشرف ، وأنه بكلمة واحدة تقوم حروب أو تهدأ صراعات  ليعم السلام ، بكلمة واحدة تنهض دول أو تهدم ، تحيا شعوب أو تموت أمم .

الكلمة تلك التى حمل الله امانتها للبشر دون سائر المخلوقات ، فانطقنا بكلمة منه ، وجعل لحكمة ما ، قوة الكلمة أكبر من قوة الحياة ،  فعندما نموت نصمت عن الكلام ، رغم ذلك يبقى صدى ما قلناه من قبل ،  كلمات يرددها آخرون بعدنا ، أى أن الكلمة لها قوة أكبر من الحياة والموت ، لهذا فهى أمانة وشرف  .

لزم قول ذلك لهؤلاء الذين ازدحمت بهم فجأة صفحات الصحف والمجلات المصرية والعربية من كتاب وخبراء بعد الثورة ، بل ووسائل الاعلام الغربية من المراسلين المصريين ، ومن يتم استضافتهم والتحاور معهم على انهم خبراء ، ما حدث من تضخم ..ترهل ..تمدد ..تفسخ  ..تنطع فى  حجم الأعمدة بالصحف على كافة توجهاتها ، تمدد بات يفوق حجم التظاهرات الفئوية التى أصبحت  صرعة فى مصر  ، بل ان زخم  الخبراء الجدد ، بات يقارب عدد من ينسبون لأنفسهم قيادة الثورة ، مع توزع الألقاب بين خبير ،  نشط باحث ، دارس ، وغيرها من الألقاب ، التى توزعت فى عهد الثورة بين بطولات وهمية وخيالية ، تفوق حواديت ألف ليلة وليلة ، رغم إننا لم نكن نسمع عنهم شيئا من قبل .

وكأن هدية الثورة كانت تسليم قلم وشهادة خبرة لكل مواطن ليكتب كيفما شاء ، وينصب نفسه خبيرا كيفما شاء ، ويوزع افكاره الغريبة هنا وهناك كيفما شاء ، ويقود الرأى العام كيفما يشاء ، وينسب لنفسه صولات وجولات فى عالم البطولات الوهمية ضد النظام السابق كيفما يشاء ، ويختلق من مخيلته قصصا وحواديت مع من كانوا أصحاب النفوذ والسلطة فى النظام السابق المخلوع ، ولم لا ، وقد بات عهد مبارك بفساده وليمة ، يولم منها كل منتقم أو جائع ، او راغب فى الظهور ، وحامل راية الشهادة أو العنترة ، فيما يتوارى الشرفاء الحقيقيون غالبا خجلا ، من دخول حلبة الصراع أو قل النفاق .

أعلم أن النظام السابق كمم الأفواه ، وقيد الحريات ، وكسر أقلام ، لكن المثير ، أن من تضرروا حقيقة لم يظهروا غالبا على الساحة الاعلامية ، بل سبقهم إليها كثيرون ممن ليس لهم علاقة بهذا العصر من الجهاد بين الحق والباطل ، و كان الظهور غالبا ولا اقول إجمالا للمتطفلين أصحاب المزاعم والمغارم  .

وأنا لست ضد أن يكتب كل انسان ما يراه ويعبر عن رأيه بحرية ، حرية الرأى مكفولة للجميع بموجب أى دستور فى العالم ، ولكنى ضد أن يتحول هؤلاء فجأة الى كتاب رأى وخبراء فى الشئون المصرية على كافة جبهاتها  ، دون دراية أو وعى حقيقى أو علم بما يكتبونه ويقولونه  ، حتى وإن تحولت كلماتهم الى سهام سامة فى قلب الوطن ، وتقاريرهم وآراؤهم ،إلي أفكار هدامة لوأد احلام وطموحات المصريين ما بعد الثورة .

نعم اعترف انى غيورة على مهنتى ، وغيورة على الكلمة ، وغيورة على استخدام كل كلمة فى موضعها ، وتعلمت فيما تعلمت ، ان للكاتب أو الخبير الاعلامى المتخصص سياسيا واقتصاديا واجتماعيا مواصفات ، اهمها الثقافة المصقولة و النضج ، ليس بالضرورة نضج سنوات العمر ، بل نضج الفكر ، أن يكون واعيا ومدركا لأبعاد وخطورة ما يقوله ، وأن هناك من سيقرأون ، ويتأثرون بكلماته ، لأنه صار من موقعه أحد قادة الرأى والفكر فى وطنه ، وعليه أن يحكم ضميره ، وأن يعرف تماما ما يقوله ، ولمن يوجهه ، وأهمية ما يقوله ، وردود الفعل حوله ، وأن يتحمل قبل وبعد ذلك مسئولية كل كلمة يقولها امام الله و ضميره والوطن .

و أكثر ما أرفضه هؤلاء الذين  ظهروا مؤخرا فجأة ، من اصحاب الاعمدة وكتاب الرأى والتقارير من الصحفيين المصريين فى المطبوعات الاجنبية ، الذين سخروا اقلامهم للتجسس العلنى على مصر ، بإرسال كل ما يدور فى شوارع وحوارى مصر  ونبضها فى الوقت الحالى للخارج ، لينشر فى صدر الصحف غير المصرية  ، وفى واجهات مواقعهم الالكترونية .

ومعلوم أن معرفة الاخبار عن أوضاع أى بلد فى مرحلة التحول السياسى أو

التوتر وعدم الاستقرار ، خاصة الاوضاع الاقتصادية التى تمثل وتشكل ثقل الثقة الشعبية والاداء الحكومى لدى المواطنين ، هو الأهم لمن يتربصون بمصر وثورتها الآن ، وهو ما يقوم به بعض الاعلاميين " الجوعى " فاقدى الانتماء ، ويقدمونه لمراكز الاعلام والاذاعات والصحف الاجنبية عبر المراسلة ، لقبض حفنة دولارات ، وقرأت فى موقع اذاعى أجنبى ، تقريرا لأحدهم ، أجرى خلاله حوارات دقيقة مع فقراء الحوارى والازقة ، وأرسل تقريره ليقول ما معناه ، إن المصريين بعد الثورة صاروا أكثر فقرا وفقدانا للثقة فى المستقبل ، مقارنة بما كان عليه الحال فى عهد الرئيس المخلوع .

وبالطبع يمكن لإسرائيل أو أى عدو لمصر ، أن يرسل مراقبيه وعملاءه لعمل هذه التقارير ، إلا أن عمل التقارير بأياد مصرية  ، هى بالطبع الأدق والأصدق لديهم ، لأنها بأيد مصرية من الحضيض المصرى  ، وتعري المثالب والسلبيات بلا حياد ، وبصورة منحازة ، بعيدا عن أى إيجابيات  .

وهو ما يحدث فعلا الآن ، فترى صحفيا شابا من هنا أو هناك ، التقطته مطبوعة اجنبية أو محطة إذاعية ليكون مراسلها ، ليوافيها بتقارير دقيقة عن الحالة الاقتصادية والاجتماعية واستطلاع آراء الغلابة فى  المزابل ومقالب القمامة ، وبين سكان القبور ، ليقدمهم للخارج على انهم الفئات الغالبة فى مصر  ، تحت اسم المراسلة أو كتابة الرأى  الحر، وهو يعلم جيدا أنه صار عينا للخارج على مصر ، ومرصدا لمواطن ضعفها ، وثغراتها الاجتماعية  ولا يقدم فى المقابل أى واجهة او صورة مشرقة لمصر ، ولو من باب الدعاية أو حتى الترويج السياحى .

وغالبا ما يعرف الشاب الصحفى ، الذى وجد نفسه فجأة "عليه الطلب "، وبات مرموقا يكتب اسمه مرفقا بصورته ،  أو يذاع صوته فى تلك الوسائل الاعلامية ، غالبا ما يعرف الهدف الحقيقى من تلك التقارير المطلوبة منه ، لكنه يتجاهل ، ويتعامى من أجل المكسب عل حساب كرامة شعب مصر وحساب خصوصيتها ، ولتصبح تلك الفئات المعدمة هدفا من أعداء مصر ، لاستقطابهم وتجنيدهم للعمالة والتجسس ، وهدفا لإرساليات التبشير ، او حتى التهويد مقابل المال ، وبؤرا لنشر الاخلاقيات والافكار الفاسدة المستوردة مع المساعدات السرية .

لذا أطالب ضمن ما تطالب به فئات الشعب ، ان تعيد المؤسسات الصحفية النظر فى هذا الزخم من الكتاب والخبراء  لتتم الغربلة ، وأن يتم تشديد الرقابة على من يقومون بدور المراسلة للمطبوعات الاجنبية ، وأن يدرك هؤلاء أن كل كلمة يبيعونها للخارج على حساب مصر ، هى وصمة عار فى تاريخهم وتاريخ الاعلام المصرى ككل.

الحرية أن تقول ما تريد ،  ولكن لا تؤذى الوطن بما تقول وتتعمد فى نشر الغسيل " الوسخ " على انه  كل شئ فى مصر  ، على الاقل أن تكون حياديا ، ألا تبيع نبض الشارع المصرى وآلامه ، وتتاجر فى طموحاته وأحلامه .

اننا فى مرحلة تتطلب أن نكون جميعا كتابا وطنيين ، لبث الأمل ،  ولإحياء روح العمل والكفاح لدى الشعب ، و لنشر الوعى والانتماء وإيقاظ حب الوطن ، أن نتحول الى دروع واقية تحمى الوطن من طعنات اعدائه ، ألا نحول أسنان أقلامنا الى رماح نطعن بها قلب الأم الحنون تحت مزاعم حرية الرأى والقلم ، ألا نبيع دماءها للخارج فى كلمات من أجل اليورو أو الدولارات .