رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مرارة الحقيقة.. ورأس النعامة

كان هو المسئول عنهما وكل دنياهما، الولد والبنت.. فى عمر الزهور، وهما أيضا كل عائلته بعد أن ماتت زوجته.. أمهما، وكأى طفلين لم يتجاوز عمرهما عشر سنوات، كانا منطلقين متطلعين لاكتشاف ما تضج به الحياة خلف أسوار البيت فهما فى مرحلة بناء العقل واكتساب الخبرة

، لكنه لم يحتمل هذا كراع، وقرر أن يريح نفسه، فحبسهما فى كهف مهجور يبعد بضعة أمتار عن البيت، وحفر سردابا من بيته للكهف، ليحمل عبره الطعام والشراب وكأنهما «غنمتين»، كل ما يربطهما بالعالم «الكلأ»، وكبر الطفلان داخل الكهف ومر ثلاثون عاما، وكبر الجسم، ولكن بقى العقل صغيرا ضامرا بفعل السجن والعزلة عن العالم الخارجى، حتى عثرت عليهما الشرطة بالمصادفة أثناء تفتيشها عن عصابات التهريب، تم نقلهما للمستشفى لانقاذهما وإعادتهما للحياة الطبيعية، لكن الوقت كان قد فات، أصبح الشابان متخلفين عقليا تماما.. وبرر الأب بشاعة جريمته، بأنه كان يحميهما من الحياة الصعبة ومن غضب الجيران، إنها قصة حقيقية ارتكبها فلسطينى فى الخليل، تكشفت وقائعها فى سبتمبر قبل أربعة أعوام.
كلما نظرت إلى حالنا المصرى.. العربى، تذكرت تلك القصة المأساوية، فحكام انظمتنا يتعاملون مع شعوبهم تماما كما تعامل هذا الأب مع ولديه، بالحبس والمحاصرة، بمصادرة الفكر.. تجريف العقل، اعتقادا ان هذا الاسلوب هو الأسهل والأسرع لقيادة الشعوب كالقطيع، وإن أمكن توفير «الكلأ» أو إلهاؤهم فى اللهاث للبحث عنه، لانهاكهم وإهدار طاقاتهم ليسهل قيادتهم، يرفض حكامنا حقيقة شعوبهم.. بأنهم بشر يفكرون.. يحلمون.. يرفضون.. لهم تطلعات ومطالب، يضع حكامنا رؤوسهم فى الرمال كالنعام للاحتماء وجسدهم مكشوف، فصرنا لا ننظر لأبعد من أسوار حدودنا ولا نرى ما يدور حولنا وكأننا فى قرى معزولة، وينسى حكامنا أن العالم بفعل التقدم والتكنولوجيا والعلوم المتطورة أصبح عمليا بلا حدود وشبه قرية واحدة. كانت النتيجة أننا فى العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين، ومازلنا فى مصر وبلداننا العربية «نتفذلك ونتمحك» متخبطين فى أروقة السياسة بحثا عن مفهوم الديمقراطية والحرية، نتطاحن ونتصارع سنة وشيعة، دينيين وعلمانيين، كل فرقة تحاول أن تثبت انها «الأصح» وأنها القائد الفذ الفريد، وأنها صاحبة الفكرة والعمل، والنتيجة.. صفر، حتى أن مصرنا بعد الثورة صارت مجرد أرض بلا كيان دولة، لا مؤسسات ولا هيئات، نتردى آلاف الخطوات إلى الوراء، لا نفكر فى مستقبل اقتصادى ولاعلمى ولا فكرى، لا قانون يحمينا فلا احترام للقانون، حتى أصبح جنودنا يخطفون ويبتز الخاطفون الدولة للافراج عن ارهابيين، فصارت مصر نسخة من بلدان عربية أخرى غاب عنها الأمن والاستقرار.
يحدث هذا، وشعوب الغرب التى لا يفصلنا عنها سوى بضعة ساعات سفر، تتقدم كالبرق اقتصاديا، سياسيا، علميا، ويقف مواطنوها طابوراً لحجز تذكرة سفر الى القمر، يتوصلون فى وكالة «ناسا» إلى كواكب جديدة تشبه الأرض، تقوم مصانعهم العسكرية بالتنافس لصناعة الاسلحة النووية،صواريخ عابرة القارات، طائرات بلا طيار للتجسس تجتاز رقابة الرادار، كاميرات اشعة تخترق الجدران على بعد كيلومترات، بجانب الصناعات المدنية المذهلة التى حولت حياتهم إلى رفاهية تجعلهم يديرون بيوتهم بالضغظ على «زرار» فى جهاز تحكم واحد، وسأذكر بعض ما تم ابتكاره فى عدد من دول الغرب منذ بداية هذا العام فقط، نظارة جوجل تمكن صاحبها من أن يسجل بالصوت والصورة كل ما يدور حوله فى أى مكان ونقله ببث مباشر لأى بقعة فى العالم، أصغر سيارة في العالم، ربط الهاتف بالسيارة لتنزيل تطبيقات خاصة بالقيادة، جهاز بالسيارة لتحديد مكانها وسرعتها لمراقبة الآخرين حين يقودون سيارتك، مفتاح للكهرباء للإضاءة

بدون أسلاك، ويمكن ربطه بالهاتف الجوال لإضاءة المنزل عن بعد، سماعة تلغي الضوضاء إلكترونيا، بوصلة رقمية لقياس حرارة الجو والضغط والرطوبة، جهاز يغلق الثلاجة ليمنعك من الشراهة والسمنة، منبه لايقاظ فاقدى السمع، ترمومتر اشعة تحت الحمراء لتفقد كل الاجهزة الكهربائية، مقياس ضغط الدم المعصمي لتقيس ضغط دمك بنفسك بدقة وغيرها العشرات من الابتكارات.. اكمل؟، ولا كفاية حفاظا على ضغط دمنا!.
ولعل أعجب ما سمعته من زميل أحترمه، هو رفضه لفكرة تداول وسائل الاعلام المصرية أحدث ما توصلت اليه القوة العسكرية فى اسرائيل، اعتقادا منه أن التعرض لحقيقة هذه القوة، سيصيب المصريين بالاحباط، وتجادلت معه، فأيا كانت مرارة الحقيقة، فهى أفضل أن نعرفها ونستعد لها بدلا من اخفاء رؤوسنا فى الرمال، فاسرئيل الطفل المدلل عسكريا لدى أمريكا، وتتمتع بمظلة التقنية العسكرية الاوروبية، وتعد عضوا غير عامل فى حلف شمال الأطلنطى، وتستفيد بكل المعلومات العسكرية والاقتصادية والعلمية التى تسجلها الاقمار الصناعية الأمريكية والأوروبية، فهل علينا الا نعلم حتى لا نحبط أو تهتز معنوياتنا، هل بالفعل اصبح ينطبق علينا قول موشية ديان وزير دفاع اسرائيل السابق، «بأن العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون، وإذا فهموا لا يستوعبون، وإذا استوعبوا لا يطبقون، وإذا طبقوا لا يأخذون حذرهم» وذلك تعليقا على قيام أحد الكتاب بنشر خطة حرب 67 قبل تنفيذها بعدة سنوات، لكن مصر ولا العرب لم يقرأوا، بل عاش العرب على وهم عبد الناصر بأننا قادرون على إلقاء اسرائيل فى البحر، وأننا قادرون على هزيمة اسرائيل اذا ذهبنا اليهم زحفا، لكننا لم ننتصر إلا بعد أن درسنا قوتهم واستعددنا تقنيا لهدم خط بارليف فى 73.
إن الشعوب الغربية تتكاتف، تتكتل، تتعاون، تتبادل المصالح والعلوم ، ونظرة الى الاتحاد الأوربى، الذى ما إن مرت دولة بأزمة، حتى تكاتف باقى الدول لانقاذها، ونحن فى مصر حالنا مثل علاقات الدول العربية بعضها ببعض، نتآمر ليدمر بعضنا البعض، نتشرذم ، نتشكك، نطرد ابناء جيراننا، وتقصر كل دولة خيرها على نفسها.. علينا ان نفيق.. فالوقت داهمنا بالفعل، أما أن نكون ونقفز الآن فوق خلافاتنا، وأما لن نكون على الإطلاق، العالم يتقدم ونحن نتخلف، من العالم من يقضى عطلته السنوية على سطح القمر، ونحن نسقط فى بالوعات المجارى المفتوحة بفعل الفشل الادارى والاهمال، أفيقوا.. أفيقوا.