عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أنت مش عارف أنا مين..؟

«انت مش عارف أنا مين..؟»، قالها بصوت جهورى، ورقبته متشنجة لأعلى حتى تكاد تناطح السماء كبرا «والعياذ بالله»، وقبل أن يكمل الآخر دهشته أو يغلق فمه المفتوح وعينيه المتسعتين فى قلق وترقب، يكون الشخص المهم قد أخرج بطاقته المدون عليها وظيفته المرموقة، وفى حركة مسرحية يشهرها كالسلاح فى وجه الآخر، ليتقهقر الأخير فزعا وارتجافا، ولسانه يبسمل ويحوقل، ويرجو الله الا يصيبه انتقام الشخص المهم.

إنه سيناريو لمشهد متكرر، يواجهه رجل المرور فى الشارع اذا ما تصدى لخطأ قيادة ارتكبه شخص مهم أو فى وظيفة ذات نفوذ، ويواجهه رجال الشرطة فى الأقسام، والموظفون العموميون وراء مكاتبهم، فاستغلال النفوذ مستشر فى مجتمعنا المصرى كالسرطان الذى لا علاج له، وكنا نعتقد بعد الثورة أن هذا المرض والفساد الاجتماعى سينتهى أو على الأقل سيتراجع، لكن للأسف تزايد بصورة فجة وبشعة فاقت مفهوم الظاهرة، لظهور فئات وجماعات جديدة دخلت فى زمرة استغلال النفوذ، واستغلال النفوذ يا سادة سلوك مرتبط بشعور الشخص بعقدة التفوق أو «التعنصر» والتى أشتقها على مسئوليتى من العنصرية، وانه يجب أن يكون فوق الآخرين ولو دون وجه حق، ويجب أن «يمشى» أموره كلها وفقا لإرادته، لا وفقا لحقه الاجتماعى الذى يحترم حقوق الآخرين، وشعور هذا الشخص بالتميز ليس بالضرورة أن يكون مبعثه تفوق حقيقى فى قدراته أو وموهبته، بل يكون فى الواقع تميزا استمده من وظيفته، أو نفوذه الذى ليس بالضرورة أيضا أن يكون قد وصل إليه عن جدارة واستحقاق، فكلنا يعرف ما يدور فى بلدنا منذ عقود، ويعرف حقيقة غالبية من كانو أو صاروا فى المراكز وتملكوا النفوذ.. ما علينا.
وأصل من هذه الديباجة إلى عامل أسهم بصورة أو بأخرى وبشكل رسمي اجتماعي فى تكريس ظاهرة «العنصرية.. الشيفونية.. الأنوية»، وتكرار جملة «انت مش عارف انا مين»، فحكوماتنا المتتالية تصر بصورة غريبة على أدراج الوظيفة والديانة فى البطاقة الشخصية، وفى جواز السفر، لتكون هوياتنا المصرية هى وثيقة رسمية لاستغلال أى منا لنفوذه، وهو أمر عنصرى فريد، تنفرد به مصر وقلة من الدول العربية، فيما لا يمكن ابدا حدوثه فى دول الغرب.. أمريكا أو أوروبا، أو أى دولة ديمقراطية، إذ يعد ذكر الديانة أو الوظيفة هناك فى وثيقة إثبات الشخصية عنصرية مباشرة، فتخلو بطاقاتهم الشخصية وجوازات سفرهم منها، لذا يقف الوزير أو حتى الملك على حد سواء كأى مواطن بسيط أمام مخالفة المرور، ويتساوى الجميع حال ارتكاب جريمة ما، أو إبان التعامل مع أى جهة رسمية، ولا تعرف بهذه الدول جملة «انت مش عارف أنا مين»، لذا بعد الثورة، أصبح مطلب إلغاء الديانة والوظيفة من بطاقة الرقم القوى أمرا ملحا وجزءا هاما كخطوة فى منظومة العدالة الاجتماعية التى نطالب ونحلم بها، ليصبح كل مصرى حال مساءلته مجرد «مواطن مصرى» أما مسألة إثبات الوظيفة، فتتم عن طريق المؤسسات وجهات العمل التى يعمل بها الشخص،

بإصدار بطاقة خاصة لإثبات أن هذا الشخص يعمل بهذه المؤسسة أو جهة العمل، لمجرد إثبات وظيفته أو مهنته حال تطلب منه أى موقف ذلك.
وبمناسبة تسمية الديانة فى البطاقة الشخصية، أحمد الله كثيرا «لانكشاح» غمة «الكشح»، والقبض على القاتل، فرغم بشاعتها إلا ان ملايين المصريين تنفسوا الصعداء لأن القاتل ليس مسلما، وإلا لأمسكت ألسنة نيران الفتنة من جديد فى تلابيب الجريمة لتشعل لهيبها وتنشره فى وجه مصر ووجوهنا، التى لم تعد تحتمل المزيد من النيران ولا التشويه، فالقاتل مسيحى والضحية مسيحى، جريمة يمكن أن تقع من شاب مسلم ضد أسرة مسلمة، تحدث فى أى مجتمع، لكن ويلنا لو كان القاتل مسلما، أو العكس، فكان القاتل مسيحيا والضحايا مسلمين، لتم تصنيف القضية تصنيفا دينا، ولتبارت وسائل إعلام بعينها للعب على أوتار العقيدة، وولولت النسوة، وحمل الرجال اسلحتهم، كل فريق فى وجه الآخر، أما والقاتل والقتيل من نفس الديانة، فلا حزازيات ولا تأويلات ولا تفسيرات، هكذا، انتهت أزمة الكشح، لكن لا تزال تهديدات الفتنة الطائفية تلوح بوجهها من جديد، تترصدنا فى كل حارة وشارع، فى كل ركن من اركان المحروسة، مع اختفاء فتاة من هنا أو هناك أيا كانت دوافع فرارها من أسرتها، أو مع أى قصة عشق محرم تربط ولدا وبنتا من ديانة مختلفة.
ولا اعرف وغيرى، لماذا نصنف مرتكبى المشاجرات والخلافات والجرائم تصنيفا دينيا فى محاضرنا الشرطية، وفى اخبارنا الإعلامية، لم يكتب زملاؤنا فى صفحة الحوادث «قتل مسيحى مسلما «أو العكس، لم لا نكتب قتل مواطن مصرى آخر، لما يسهم الأمن والإعلام فى إزكاء الحساسيات الدينية، والنعرة العقائدية، بل لماذا أصلا تصر الحكومة على إدراج خانة الديانة فى البطاقة الشخصية وإصرارها على إدراج الوظيفة، تصنيفات الديانة والوظيفة نوعا من العنصرية الواضحة التى تسهم فى التفرقة بين المواطنين المصريين.. أطالب بأن تختفى جملة «انت مش عارف انا مين» فالمصريون سواء والعظمة لله وحده.