رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العشوائيات .. حلول جذرية لا مسكنات

قبل ان تتوج ثورة 25 يناير نتائجها المبهرة بإسقاط النظام ورموز الفساد، ومع بدء خروج شباب مصر الى ميدان التحرير، ورفع الشباب المثقف لشعار" سلمية سلمية " كتبت محذرة من ثورة الجياع، وقلت إنها ستكون الاشرس فى تاريخ مصر، وستحصد امامها الاخضر واليابس، ولن تكون ثورة متحضرة على غرار ما حدث فى ميدان التحرير .

والآن اعود لأحذر مجددا، بأن ثورة يناير، ان لم يشعر بنتائجها الجياع والفقراء من سكان المقابر وعشش الايواء والعشوائيات، فلن يكون ولاء او ايمان هؤلاء بالثورة حقيقا او ايجابيا، وما يحدث الآن من فوضى وبلطجة مؤشرا كبيرا على ما احذر منه .

وعلينا ألا نلقى بكل التبعات على غياب الامن ومؤامرات الحزب الوطنى فقط، بل علينا ان نكون اكثر واقعية بأن هؤلاء البلطجية والمتشردين، لو وجدوا مسكنا آدميا معقولا، بجانب اى فرصة عمل حلال، لما لجأوا الى البلطجة او الجريمة او على الاقل لتراجعت جرائمهم، وانا لا التمس لهؤلاء العذر فى البلطجة والجريمة، ولكنى احاول الاخذ بالاسباب لمعالجة المشكلة من جذورها، لذا علينا جميعا ان نأخذ بيدهم، كل فى موقعه، وإلا الثورة القادمة ستخرج من قلب المقابر والعشوائيات .

ولن يكون لثورة هؤلاء مطالب سياسية من ديمقراطية وحريات ، بل ستكون ثورة من اجل الخبز والمسكن، وسيشارك فيها من ليس لهم امل فى المستقبل، وستكون ثورة شرسة، لا تخشى امنا او سلطة او قانونا، ستكون البلطجة فيها هى السيد، ولن يبالى هؤلاء الموت لانهم اصلا موتى بالحياة، ولن يخشوا مواجهة الدولة، لأنهم عاشوا دوما خارج حسابات الدولة .

ويبدو ان الحكومة الحالية بدأت تدرك اخيرا ان هناك مصريين يعيشون ظروفا لا آدمية فى العشوئيات بلا خدمات او مرافق، فجاء اول قرار لصالح هؤلاء قبل ايام على لسان الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء، والذى اعلن انه يجرى التنسيق حاليا لتوصيل الكهرباء الى المناطق العشوائية، والمبانى المخالفة، وان توصيل الكهرباء يخدم حتى الآن 495 الف اسرة بالعشوائيات من اجمالى 858 الف اسرة  .

وقد يرى البعض ان هذا القرار رائع، ونقلة هائلة لإنارة مناطق العشوائيات، غير ان الواقع يفرض قبل ادخال الكهرباء او المياه، يفرض ان يتم اولا وبسرعة تصحيح اوضاع او توطين هؤلاء  بالمساكن العشوائية التى يقيمون بها، اذا ما كانت هذه المساكن جيدة وصالحة للسكنى الآدمية، اما اذا كانت مجرد عشش ومساكن بدائية، فلا ينصح ابدا بإدخال المرافق والخدمات بها،  بل يجب اولا اعادة بنائها، ونقل السكان بصورة مؤقتة الى مناطق اخرى حتى يتم بناء هذه العشوائيات على صورة الاسكان الشعبى لمحدودى الدخل، والا فما جدوى توصيل كهرباء فى بيوت بينت بالطمى او الصفيح، او الاخشاب وبقايا القماش .

إن وجود كهرباء بمثل هذه البنايات يشكل خطرا هائلا وليس نعمة او نقلة للامام، فيجب اولا ان تتحول هذه البيوت الى بيوت آدمية، وان يتم تمليك هذه الوحدات للاهالى بموجب عقود رسمية، اما ما يجرى الآن من ادخال الكهرباء بهذه العشش او البيوت البدائية، فهو بمثابة من يلقى السمك فى الماء او من يحرث فى ارض مالحة لن تثمر، ونوع من اهدار المال العام، وليس الا مسكنات وقتية، لا تلبث ان تضيع حلاوتها بسرعة، ليعود المذاق المر الى حلوق سكان العشوائيات، فتلاصق البيوت الصغيرة المتآكلة او العشش على النحو الحالى، وضع يؤذن بالانفجار فى اى لحظة، ولن تعد تجدى معه مستقبلا مسكنات المياة والكهرباء، لان المشكلة ستظل قائمة، فى عدم تنمية او تطوير هذه المناطق بصورة صحيحة وبحلول جذرية .

حلول جذرية تنهى معاناة مصر من هذا التغلغل السرطانى الذى يشوه كيان مدنها، ويصدر اليها الجرائمة والانحراف، والكوارث البشرية الصارخة  على غرار ما حدث فى قلعة الكبش،  الزاوية الحمراء، الوايلي والمرج ناهيك حادث الدويقة، وحريق سوق الجمعة، وغيرها من الكوارث التى منى بها سكان العشوائيات وانعكست على القاهرة كأكبر مدينة فى مصر تضج بالعشوائيات .

ولعل اول خطوة للحلول الجذرية هو حصرعدد العشوائيات كلها وبدقة، فمما يؤسف له انه لا يوجد اتفاق واحد بين الجهات الرسمية المعنية بالعشوائية، وهو امر غريب، ففى الوقت الذى كانت وزارة التنمية المحلية تقول ان عدد هذه المناطق اكثر من 1150 منطقة، يقول الجهاز المركزى للتعبئة والاحصاء ان عددها 909، ومركز المعلومات التابع لمجلس الوزراء فى حبنة يقول انه 497 منطقة فقط، فيما يشير تقرير لمجلس الشعب المنحل ان سكان العشوائيات 12 مليون شخص، وهم رقم مهول ان صدق التقرير، رغم اعتقادى ان اعداد السكان اكبر من هذا بكثير .

وما يهمنا هنا ان تتفق كل الجهات الرسمية على رقم واحد من خلال الحصر الميدانى الواقعى، حتى لا تسقط بعض المناطق من الذاكرة ويتم اهمالها، ولعل سبب اختلاف الارقام منبثق من الاختلاف على تعريف ماهية المنطقة العشوائية .

واذكر ان هناك خطة كانت قد اعلنتها الهيئة العامة للتخطيط العمراني ووزارة الاسكان السابقة، كبرنامج قومى  للقضاء علي العشوائيات بحلول عام 2025 بتكلفة 25 مليار جنيه او ما يعادل 5 مليار دولار، وقال المسئولون فى حينه ان هذا البرنامج، سيكون فرصة للاستثمار فى القطاع العقارى  سواء  للمصريين او العرب او الاجانب، غير ان التصريحات شىء والواقع شىء

آخر، فهذه الخطة منذ اطلاقها تسير بخطى السلحفاة، وبصورة تنبئ انها لن تنتهى حتى بعد مائة عام .

و مع ثورة يناير، يجب ان تحدث ثورة ايضا بهذه الخطة، وان يتم التعجيل بها، ومناطق العشوائيات تعد فرص استثمار هائلة لشركات الاستثمار المصرية وايضا العربية، بما في ذلك اخوتنا من الطيور المصرية المهاجرة، والذين حان الوقت لأن يعودوا باموالهم الى وطنهم مصر، الذى هو احوج ما يكون الآن الى اموالهم ومدخراتهم واسثمارتهم التى فضلوا اقامتها بعيدا عن مصر، بسبب الفساد والرشوة والمحسوبية وبيروقراطية الاداء فى الحكومات السابقة، وهى عوامل كانت جديرة " بتطفيش " غالبية المستثمرين المصريين  .

كما يجب ان تنفذ خطة للوقاية من مزيد من العشوائيات، لان تصحيح اوضاع سكان العشوائيات الحاليين، واعادة توطينهم فى مساكن صحية، سيشجع الآلاف من المصريين بالقرى والنجوع للنزوح الى المدن لاستيطان عشوائيات جديدة، وصنع حلقات جديدة فى سلسلة لن تنتهى، ولا يمكن معها لأى حكومة قادمة مواجهتها، لذا يجب ايضا ستكمالا للحلول الجذرية، ان يتم التوسع العمرانى الافقى وليس الرأسى، باللجوء الى المناطق والمدن الجديدة، وبناء وحدات للاسكان الشعبى بتيسيرات مالية كبيرة فى الدفع والسداد، يمكن لاى مواطن  نازح الى المدن الكبرى ان يقيم بلها بدلا من اللجوء الى خلق عشوائية جديدة .

وهكذا يسير الحل فى خطين متوازيين، العلاج السريع والمكثف للوضع الحالى، والوقاية من مزيد من المستوطنات العشوائية السرطانية بمصر .

لقد آن لسكان العشوائيات ان يحصلوا على حقهم ونصيبهم من خير مصر، بعيدا عن الوعود الزائفة، والقرارات البراقة التى لا تتحقق، وسياسة " القطرة ... قطرة"، والتقارير الملفقة، والتى منها تقريرمركز معلومات المجلس الوزارى لآخر حكومة فى نظام مبارك نهاية العام الماضى، والذى ذكر ان مصر من أفضل 20 دولة فى العالم تحسينا لأوضاع العشوائيات، إذ تأتى فى المرتبة الخامسة فى مؤشر انخفاض نسبة سكان الحضر الذين يعيشون فى العشوائيات بعد إندونيسيا والمغرب والأرجنتين وكولومبيا، وان القاهرة هى رقم 35 كأقوى مدينة فى العالم من حيث الأداء الاقتصادى ومستوى معيشة الأفراد والاهتمام بالبحث العلمى والاهتمام بالبيئة .

ولا اعلم للآن من اين كان هذ المركز يستمد معلوماته ، عله استمدها من اجهزة كمبيوتر الحكومة ، ذات الاجهزة التى كانت تفرز لنا نتائج تصويت انتخابات مجلس الشعب وانتخابات الرئاسة الى كانت تسجل فوزا للحزب الوطنى بنسبة 9و99، وكل ما اتمناه الا تعتمد الحكومة الحالية او اى حكومة قادمة على تقارير اخرى من هذا المركز، وان يتم ابادة المركز واعادة اصلاحه وهيكلته،  ليكون ذو مصداقية فيما يعلنه من ارقام ومعلومات على شعب مصر،  الذى بات اكثر انفتاحا على وسائل الاعلام والمعلومات العالمية بعد الثورة .

لقد آن لسكان العشوائيات ان يحصلوا على المواطنة المصرية، وان يتم دمجهم فى مجتمعات صحية اجتماعيا ونفسيا، لعلاج اكبر بؤر خطر تصدر الجريمة والانحراف وحماية مصر من اخطارها، آن لهؤلاء ان يشعروا بالانتماء والولاء لمصر وطنهم، بعيدا عن مشاعر كونهم منبوذين او منسيين، او ان الحكومة تجود عليهم بالفتات، فيما يرتع آخرون على مقربة امتار منهم فى فيلات وقصور او مساكن لا تخلو من الرفاهية، آن ان يتم معالجة مشاعر الحرمان والفقدان والحقد الطبقى المتراكم على مدى الاعوام، آن الاوان ان يتم تقريب الفجوات بين طبقات المجتمع، ليشعر كل انسان بالرضى لانه توافر له الحد المقبول من شعوره بالآدمية، وانه مواطن مصرى معترف به،  له حقوق كما عليه واجبات  .