رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حتي تعتدل الابتسامة المعوجة.. بصيص في سراديب الظلام

كانت ولا تزال الصورة أمامي قاتمة، أراني وسط جموع الشعب المكلوم.. المصدوم، نسير وسط صحراء جرداء، لا زرع فيها ولا ماء، غاب عنها القمر وتركنا في جوف ظلمتها نتحسس الخطي بحثاً عن الحياة،

أعيش مشاعر بورسعيد وباقي مدن مصر وجرحها النازف، أعيش مهزلة المواطن المصري صابر الذي انتهكت آدميته، وداست أحذية السلطة كرامته أمام قصر الاتحادية، ذات القصر الذي أريقت علي جوانبه من قبل الدم، الذي باتت جدرانه وأثاث حجراته الفاخرة لدي النظام أهم من دماء وأرواح شبابنا.. زهرات عمرنا.
كنت داخل المشهد، حين جاءني الهاتف من سكرتارية مكتبه تطلب تحديد موعد للقاء، ترددت أمام نفسي، لا رفضاً مني لشخص رجل أحترمه ومازلنا نراقب أداءه في مطلعه، ولكن لأنه ينتمي إلي حكومة بت أكرهها، ونظام صرت أنا وملايين غيري أطالب بإسقاطه منذ سقوط أول شهيد علي إيدي رجال أمنه لا أمننا، وأيضاً لأنني أقلعت عن رغبتي الصحفية في حوارات المسئولين بمصر منذ عايشت عن قرب سلوك وتصريحات نظرائهم في أوروبا، ورأيت هناك الوزراء ورئيسهم، يقود أي منهم دراجته للتنزه وشراء احتياجاته بلا كلفة، مكاتبهم مفتوحة للمواطنين، ومعلوماتهم متاحة للإعلاميين، لا كذب في الوعود ولا تجميل لذا حين عدت هنا، زهدت مسئولينا ومكاتبهم الفاخرة، وعشقت حوارات المواطن المصري البسيط، هذا الذي يجر ساقية من التعب ليوفر أجرة «الميكروباص»، وتلك التي تقف ساعات في طابور العيش لتفوز ببضعة أرغفة مدعومة لا تخلو من الرمل وأجنحة الحشرات.
وجادلت هل أذهب للموعد أم أعتذر بنوبة البرد التي أصابتني، أن ذهبت لمت نفسي بلقاء وزير ينتمي لحكومة أرفضها وأدينها، وإن اعتذرت، بخست حق أبناء بلدي من ذوي الاحتياجات الخاصة من أن يستفيدوا بمحصلة تجربة أوروبية فريدة في هذا المجال، وانتصر اللقاء، لأن الدعوة جاءتني من مدعومة بمنطلق وطني، وهو التعرف علي التجربة الهولندية في التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة، وكان دكتور إبراهيم غنيم وزير التربية والتعليم قد قرأ مقالاً نشرته في «الوفد» بتاريخ 9 يناير المنصرم، تحت عنوان «ابتسامة علي شفاة معوجة» التي طرحت فيها لمسة من تعامل المدارس الهولندية مع ذوي الاحتياجات، وأعددت دراسة حول التجربة الهولندية، وحملتها معي في اللقاء، لأفاجأ بأن دكتور غنيم لم يكن وحده في الموعد بل معه مجموعة معنية بهذا المجال عرفت منهم الدكتور عبدالستار شعبان، مستشار التربية الخاصة، والدكتور مختار إبراهيم، مدير عام التربية الخاصة، والسيدة نهلة طاهر، وغيرهم، ولمست منهم اهتماماً للاستفادة من التجربة، وشعرت بارتياح حين قال دكتور غنيم: «ما نفعله الآن من أجل ذوي الاحتياجات ليس خاصاً بمرحلة وزارية أو حكومية، بل خطة عشرية حتي عام 2023، وبدا لي هذا كبصيص ضوء في سراديب الظلام، بصيص ضوء من أجل إعادة الابتسام ولو علي شفا واحدة معوجة من الإعاقة، وكان يهمني بعد تقديم التجربة الهولندية، التعرف علي ما وصلت إليه الوزارة في مجال التربية والتعليم لابناءنا

من ذوي الاحتياجات، بعد كل ما سبق وسمعته من معاناة أهالينا في العثور علي مدرسة خاصة للابن المعاق، والتكلفة الباهظة التي تطلبها المدارس الخاصة، فمصر بها 10 ملايين من تلك الفئة، ومن بين طلاب المدارس بصفة عامة يوجد نسبة 1.5٪ معاقين.
ووفقاً لما قاله دكتور غنيم، يوجد 38 ألف معاق في مدارس التربية الخاصة، ومن المؤسف له أن عملية دمج المعاقين إعاقات غير معقدة أو مركبة في المدارس العامة لم يتم إلا مؤخراً، بموجب القرار رقم 264 عام 2011، ومنذ هذا الوقت وتحاول وزارة التعليم في ظل ظروف عامة مرتبكة، وموازنة محددة إعادة تأهيل المدارس والمعلمين، وقبل هذا التلاميذ في المدارس العامة لتقبل واستيعاب المعاقين بينهم، وكلنا نعرف حالة مدارسنا العامة التي يرثي لها، فكيف سيتم تحويلها لتستوعب طفل ذو إعاقة، بكل ما يتطلبه هذا من تجهيزات خاصة في الفصل، فناء المدرسة، دورة المياه.. إلخ، لهذا تبقي التجربة محدودة حتي تتم إعادة هيكلة مدارسنا وتحسين مستوياتها وتطوير خدماتها، يضاف إلي هذا صعوبة تأهيل المعلمين أنفسهم، وتدريبهم علي أساليب التعامل مع المعاقين، ولهذا قدمت الوزارة حافزا بزيادة 25% من الراتب حال استكمال المعلم دورات التدريب للتعامل بنجاح مع المعاقين، إلا أن نطاق التجربة لا يزال محدوداً وأمامه طريق طويل.
ولأن كل شيء لا يجب أن يلقي علي عاتق الحكومة في مجال رعاية وتعليم المعاقين، فكما هو الحال في أوروبا، تقيم وزارة التعليم علاقات التعاون مع المؤسسات والمنظمات الأهلية، وقال د. غنيم: إن هناك 100 مؤسسة تتعاون مع الوزارة، ولكن هذا في نظري شخصياً غير كاف علي الإطلاق، وإذا كان في مصر الآن 788 مدرسة تربية خاصة لذوي الاحتياجات علي مستوي الجمهورية، فهو عدد أيضاً غير كاف علي الإطلاق، وهذا الرقم يعني أننا مازلنا نتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة كجزء غير مهم من المجتمع لا يمكن تفعيله للاستفادة من طاقته وقدراته.. وللحديث بقية.