عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شرم الشيخ وفرصة مبارك الأخيرة ..!

نجح نظام مبارك فى قتل كل شىء جميل فى نفوس ملايين المصريين طبعا باستثناء عصبته وشلل المنتفعين حولهم، والذين أثبتت ملفات الفساد التى تتكشف يوما بعد يوم بأنهم " كثر "، وانهم وحدهم دون الشعب عاشوا الترف والبذخ الذى كنا نقرأ عنه فى روايات ملوك وأمراء الف ليلة وليلة، وللأسف إن هذا الترف والبذخ استمدوا امواله من دماء الشعب، ومن الحقوق البسيطة والطبيعية الآدمية لهذا الشعب الصابر .

نعم قتل نظام مبارك كل شعور جميل لدى ابناء الوطن، الطموح والتفوق العلمى عن جدارة، تقلد المناصب العليا عن كفاءة، الحلم بالمستقبل الآمن دون ذل الحاجة، حتى شعورنا كمصريين بمناظر الطبيعة الخلابة واستمتاعنا بمناظرها نجح فى قتلها، فقد استحوذ عليها لنفسه هو وعصبته، من فيلات وقصور على النيل، فى البحر الاحمر والغردقة وغيرها من سواحل مصر، وفى منتجعات شرم الشيخ، فتجذرت السواحل دون مد لأجلهم، وتقلصت مساحات الخضرة لحساب ابراجهم وقصورهم، وقتلت الاشجار لتمهيد الطرق الى فيلاتهم، واختنق عرض النيل لإقامة عواماتهم، واختفت تقريبا الحدائق العامة لبناء مشروعاتهم الاستثمارية، وأصبح لا يحق لأى مصرى ان يجرؤ على الحلم بالاقتراب من تلك الاماكن الرائعة الحسن الساحرة المنظر، لأنها باتت حكرا على آل مبارك والمقربين منه ومن انجاله و السيدة حرمه .

فكم مصريا حلم او راوده الحلم بزيارة لشرم الشيخ مثلا، والتمتع بجوها ومياهها الزرقاء، او قل كم مصريا زارها بالفعل، رغم كونها جزءا من مصر، من حق اى مصرى ان يسافر اليها عبر السياحة الداخلية للاستمتاع ببلاده  بتكاليف ميسرة، غير ان آل مبارك وجماعته، جعلوا من القرى السياحية والمنتجعات حكرا عليهم، ليس لما يمتلكونه من شاليهات وفيلات بتلك المنطقة فقط، بل ايضا بمشروعاتهم الاستثمارية ذات عوائد الربح الرهيب، والتى تحرم المصريين البسطاء او حتى متوسطى الدخل من التفكير فى زيارة شرم الشيخ او دخول فندق ما، من مجموع 150 فندقا تحفل بها المدينة الرائعة، فاكتفى المصريون بالفرجة والـتأمل عن بعد عبر التلفاز، ومصمصة الشفاة فى تحسر وألم، شأنهم مع آلاف الاشياء الطبيعية التى حرموا منها من مأكل نظيف، ومياة نقية، وملبس يستر، وتعليم ميسر التكلفة، ومسكن آدمى، وعلاج متاح لأمراضه المتوطنة، و" أهى بجملة " على رأى رجل الشارع، اشمعنا يعنى شرم الشيخ لا يستولى عليها هؤلاء السادة دون الشعب .

وشرم الشيخ يا اخوانى ارتبطت فى أذهان جلينا وجيل بعدنا بانها ارض السلام والمحبة، وهى التى فازت بجائزة اليونسكو مع 4 مدن عالمية اخرى كأفضل مدن للسلام فى العالم، فقد شهدت عشرات المؤتمرات وقمم السلام العالمى والعربى، ابرزها قمة السلام عام 1996، وعقد بها لأول مرة قمة مجموعة الـ15 عام 98، وشهدت اتفاقيات ريفير بين فلسطين واسرائيل عام 99، وغيرها من عشرات القمم العربية والعربية الغربية، ناهيك عن المؤتمرات الاخرى ذات الطابع العلمى والسياسى، بجانب اقامة معسكرات شبابية عربية ودولية بها بصورة مستمرة، معسكرات يتحاور فيها الشباب من كل انحاء العالم على مختلف اطيافهم واجناسهم والوانهم ولغاتهم معسكرات لرفع شعارات السلام والانسانية، والعدل،  فهى وحتى لا اطيل عليكم مدينة ارتبطت  فى اذهان المصريين والعالم العربى والغربى بأنها ارض للسلام والمحبة ولم شتات الجمع العربى .

لعله من كل تلك المنطلقات، اختار الرئيس المخلوع مبارك ان تكون استراحته، بل قل قصره او منتجعه فى شرم الشيخ، ليس فقط للاستمتاع او الاستحواذ على جمال الطبيعة  الذى تتمتع به المدينة، بل ظنا منه ان تواجده هناك سيربط اسمه فى اذهان المصريين بالمحبة والسلام والعدالة والتى تشتهر به المدينة، فكان كلما ألمت به وعكة صحية طار الى شرم الشيخ، وكلما اراد الاستجمام او لقاء سياسى على انفراد طار الى شرم الشيخ، وصلوات الأعياد أداها كلها تقريبا فى شرم الشيخ، وكنا كمواطنين نقبل لجوءه لشرم الشيخ كأمر مسلّم به، ولا نسأل حتى بين انفسنا، لماذا شرم الشيخ، هل لأنها أجمل بقاع مصر، ام لأنها ارض السلام والمحبة، وانه يستلهم بقاءه على ارضها من هذه المنطلقات، ولكن شتان بين المقصد والفعل، فلا مبارك كان رجل سلام لمصر ولا رجل عدالة ولا مساواة، وملفاته الآن تحكم بيننا، حتى ان خرج علينا بخطب عصماء مؤثرة يبرئ فيها ذمته وذمة انجاله من التضخم السرطانى غير المبرر لثرواته .

وعندما اسقط الشعب مبارك واجبره على ترك الحكم، لم يجد مبارك امامه ايضا إلا شرم الشيخ ليلجأ اليها ولتتوجه انظار الشعب المصرى على كافة اطيافه وفئاته عن قصد وعمد تلك المرة الى شرم الشيخ، ايضا بذات النظرة المتحسرة، والشفاة المتمصمصة، حيث كان يتواجد او يختبئ مبارك واسرته حتى ساعات قليلة مضت، وخلفه فى الخزائن السرية مليارات الجنيهات من دم مصر، يعيشون ذات الرفاهية والترف وكأنهم ملوك مصر .

كانوا حتى ساعات مضت يعيشون فى امن، على اعتقاد ان يد العدالة لن تطولهم لانهم عاشوا دوما باعتقادهم هذا، وان ايادى الشعب لن تصل اليهم لأنهم عمدوا دوما الى تقصير ايادى الشعب عن حقوقهم، وكنا نخشى قبل قرار النائب العام بالتحقيق مع مبارك واسرته وتنفيذ اوامر القبض عليهم، كنا نخشى ان ينفذ الشعب الثائر تهديده بالزحف الى شرم الشيخ، لإنزال الجبابرة من فوق عرشهم الأخير، واقتيادهم ملفعين بجرائمهم الى العدالة، كنا نخشى من مؤامرة قد تنتظر الشعب الثائر عند نفق الشهيد احمد حمدى ليصطادهم القناصة المأجورين كما اصطادوا ثوار التحرير، وحمدا لله ان هذا السيناريو لم يحدث .

وكانت يا سادة امام مبارك فرصة ذهبية فى منتجعه بشرم الشيخ منذ 12 فبراير وحتى لحظة صدور قرارات التحقيق معه ومع نجليه، كان امامه فرصة قد لا تتوافر له الآن وهو بين يدى العدالة، فرصة لأن يخرج على الشعب، ويعلن عن اخطائه وتوبته، ويقدم اعتذاره للشعب ويطلب الغفران، لأن الله قال إن باب التوبة مفتوح لعباده، ومع اعتذاره واعترافه باخطائه ، كان عليه ان يعلن إعادة الاموال المنهوبة التى تحت يديه هو ونجليه، وان يحدد موعدا لإعادة الاموال لتهدئة الشعب الثائر .

ولكنه بكل جبروته القديم هو وعائلته، لم يسع الى باب التوبة والغفران، معتقدا انه فوق ارادة الله وإرادة الشعب، وواصل ترهاته، بل خرج علينا من شرم الشيخ  مهددا  باستخدام حقه القانونى ضد كل من اتهموه فى ذمته هو وانجاله، اى انه سيقاضى الشعب المصرى كله إلا قليلا من الذين انتفعوا بنظامه، ولا يوجد تفسير منطقى لتصرفه هذا، إلا انه تم التغرير به مجددا من مستشاريه الذين لا يزالون يرتعون حوله ويسترزقون من فضله،

علهم نصحوه بأن مطالبات الشعب بمحاكمته زوبعة فى فنجان وستهدأ، كما سبق واقنعوه ان مظاهرات التحرير يقودها " شوية عيال سيس " وان المظاهرات ستنتهى مع اطلاق اول رصاصة ارهاب من رجالات الامن، وللأسف انه صدق مستشاريه فى الحالتين، لذلك لم يسع للهرب خارج مصر بأمواله، بل بقى فى شرم الشيخ اعتقادا ان الزوبعة ستهدأ .

وبجانب خداع مستشاريه، له غابت حكمة الزوجة والأم السيدة سوزان، فحكمة الزوجة فى اللحظات الحرجة ان تصدق النصح لزوجها، وان توجهه للطريق الصحيح ولو مرة فى حياتها، قبل ان تغرق مركبة العائلة للأبد، كما غابت حكمتها كأم، فالأم الصالحة الحقيقية تنصح وتربى اولادها على الكسب الحلال، وإن اخطأوا او ضلوا الطريق، توجههم بقوة وحزم، لإصلاح اخطائهم ولو قبل الطوفان، ورغم علمنا ان كال خطايا جمال وعلاء مبارك تمت بمباركة وتوجيهات الام الفاضلة، إلا اننى كأم ولست كصحفية كنت آمل ان تعود لرشدها، وتنصح اولادها مرة واحدة لوجه الله بأن يتوبوا، ويرجعوا الى الله، وان يعيدوا الثروات المنهوبة للشعب المصرى، وان يعلنوا توبتهم الى الله وعلى ملأ الشعب، فقد يقبل الشعب توبتهم كما يقبل الله توبة التائبين توبة صحيحة عسى ان تنفعهم توبتهم فى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون  .

ولكن غابت النوايا الحسنة من مستشارى العائلة اللامباركة، وغابت حكمة الام حتى فى اللحظات الحرجة، وكانت النهاية التى يتطلع اليها لشعب المظلوم، اصبح  كل الطغاة خلف الجدران فى انتظار كلمة العدالة، فأى مال وأى سلطة تساوى الآن دقيقة واحدة بين جدران السجن لهؤلاء .

إن صمت  مبارك منذ 12 فبراير حتى حديثه " المشموم " لقناة العربية، ما كان إلا ليؤمن ثرواته ويضعها بعيدا عن ايدى القانون بكل ما امتلكه من ألاعيب سياسية وشيطانية حكمنا بها طيلة ثلاثة عقود، فها هى صحيفة "صندي تليجراف" تنقل عن مصدر استخباراتى غربى أن مبارك استخدم آخر 18 يوماً له على رأس السلطة لتحويل ثروته الهائلة إلى حسابات في الخارج لا يمكن تعقبها، سواء إلى مصارف أجنبية وإلى استثمارات وسبائك وعقارات في لندن ونيويورك وباريس وبيفرلي هيلز، لتكون بعيداً عن متناول المحققين المحتملين بعد أن علم أن سقوطه صار وشيكاً، وبعد اتفاقات عاجلة داخل عائلته حول كيفية الحفاظ على هذه الأصول، وان مستشارى آل مبارك الماليين نقلوا بعض الأموال في جميع أنحاء العالم، لأنه تعلم الدرس من زميله الرئيس التونسي السابق زين العابدين .

والآن بلا شماتة، لا يهمنا تألم سيادته ولا دموع نساء العائلة، لأننا كلنا تألمنا سنوات طويلة تحت حكمه، فكم من ام وزوجة واخت مصرية نزفت الدمع فى سنوات العذاب الماضية لاعتقال رجالهن او بكين جوعا، ولن نلتفت كثيرا الى تاريخه العسكرى والسياسى، لأنه أداة وفقا لوظيفة ومهام أوكلت اليه وهى مهام  تشريف لأى انسان، وليست منة منه علينا، وهو وحده الذى شوه هذا التاريخ الذى كان يمكن ان يبقى ناصعا لو حكم بالعدل بعيدا عن استغلال النفوذ والكسب غير المشروع .

لقد كان الشعب قبل الثورة يتلقف أنباء مبارك الى شرم الشيخ رايح جاى، و انتظر اياما ثقيلة منذ 12 فبراير عودة مبارك من شرم الشيخ، والذى بدا لهم حينا أنه رايح ومش جاى، ومع بدء التحقيقات مع مبارك ونجليه، ينتظر شعب مصر كلمة العدالة الاخيرة، ولا أعرف إن كان امام مبارك فرصة ما بعد أخيرة، لأن يتم التصالح قانونا او تخفيف الاحكام المرتقبة ضده وضد عائلته مقابل إعادة مليارات الاموال المنهوبة من الخارج، لا أعرف حتى ان كان طرحى لهذا الخيار سيرضى الشعب ويمكن تحقيقه، ام سيغضب الشعب على كلماتى، وانه لا يمكن تحقيقه على ارض الواقع، ولكن ما أعرفه ان سجن عائلة مبارك للأبد، لن يعيد الينا اموالنا المنهوبة، إلا بعد حبائل طويلة من الاجراءات القانونية، هذا إن عادت أصلا .

وهكذا رحل مبارك عن شرم الشيخ، ولا اتمنى له العودة اليها مجددا هو ونجليه حتى وان لم يصدر ضدهم احكام بالسجن، لأنى أتمنى وغيرى  ان تظل شرم الشيخ ارض المحبة والسلام والعدالة، لا ان ترتبط فى أذهاننا بأرض الرئيس او خندق إيوائه، نتمنى ان تستمراجمل بقعة فى ارض مصر هى الأروع والأطهر، وأن يتم تطهيرها مما حل عليها من فساد  لتظل رمزا للسلام والعدالة بمصر والعالم .