رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مشروب الثورة .. واحد بلطجى و" سلحه "

 

ما حدث فى ميدان التحرير يوم الجمعة الماضى ليس إلا خيانة عظمى موجهة لشباب الثورة ، أن يأمن المصريون للجيش ويخرجوا بالآلاف للمطالبة بالتطهير ومحاكمة آل مبارك ، اعتقادا منهم أنهم تحت حماية الجيش وبمنأى عن أيدى البلطجية أو البطش الامنى القديم والمستتر حاليا وراء انتقامات البلطجة ، ثم يفاجأ الآمنون بميدان التحرير بالرصاص الحى والمطاطى ينطلق عليهم فى مقتل ، ليسقط مزيد من الشهداء ضحايا للثورة ، فلا يمكن تسمية ذلك إلا بالخيانة لشعب مصر ، وبالمؤامرة الواضحة على الثورة ، ولا استثنى أحدا من التورط فى تلك المؤامرة ، ولا حتى الجيش ولو بالصمت الرهيب المثير لعلامات التعجب ، والذى قبل منذ البداية خروج عناصر ترتدى زى الجيش بين المتظاهرين ، ولم يبادر لإجلائهم أو لاستجلاء حقيقتهم ، تاركا الحابل بالنابل .

فمن أين جاءت الرصاصات الحية لتنطلق على قلوب وأجساد المتظاهرين ، من أين وقد حرص الشباب على ان يفتش بعضهم البعض قبل دخول ميدان التحرير بحثا عن أسلحة بيضاء أو سوداء ، حتى تكون المظاهرات كسابقتها من المظاهرات سلمية سلمية ، ولكن يبدو أن أعداء الثورة وعناصر أخرى خفية أخشى اننا نثق فيها وهى غير جديرة بالثقة ، هؤلاء وهؤلاء يتآمرون على الثورة ولا يريدون لها النجاح بأى شكل من الأشكال .

ما حدث فى جمعة التطهير حلقة جديدة فى حلقات هدم الثورة ، حلقة يشارك فيها حتى الاعلام المسمى بالرسمى أو الحكومى لإثارة الرعب والفزع فى نفوس المصريين ، والمتابع لأخبارنا فى الاعلام المقروء والمسموع بعد الثورة ،  يشعر أن مصر صار بها 85 مليون بلطجى إلا قليلا ، حتى بتنا نتصور أن المواطن المصرى سيجلس على المقهى ليصفق ويطلب مشروب الثورة الجديد وهو " واحد بلطجى وسلحه " ،  فكل وسائل الاعلام التى كانت وطنية وتحولت أو تطهرت كما يحلو لهم القول وتسير وراءها صحف أخرى ، جميعها باتت تتبارى الآن لنشر أخبار البلطجية وجرائمهم ضد الشعب جنبا الى جنب مع اخبار الفساد والمفسدين من النظام الحاكم السابق ، فباتت نصف الاخبار فسادا ، والنصف بلطجة ، وتسهم الالسنة للنفوس المصابة بالذعر فى تناقل القصص والروايات سواء من الإعلام او من الخيال ، لتزداد نيران الخوف والرعب ، وكأن الشوارع المصرية باتت كشوارع شيكاغو قديما من عصابات ومافيا وأسلحة نارية .

مما لا شك فيه أن هناك نوعا من البلطجة الزائد مقارنة بسنوات مضت ، ولكننا نعلم الآن تماما من وراء هؤلاء البلطجية ، الذين كشفوا للشعب بجلاء من هم أعوان السلطة السابقة ، ومن هم أيادى الحزب الوطنى السابق ، إنهم لم يكونوا سوى بلطجية ومرتزقة من دماء الشعب ، ولكنى رغم هذه الحقائق  لا أعفى الإعلاميين من زملائنا من مسئولية الإسهام فى نشر بقعة الزيت وأعنى بها  "مخاوف البلطجة " ، عبر النشر وتسليط الأضواء على هؤلاء بصورة مبالغ بها ، الأمر الذى يمنح هؤلاء البلطجية  مزيدا من القوة والانتشار لأن نفوسهم ضعيفة ، ولن تفرق بين نشر اخبارهم لإدانتها ، او نشرها لأننا خائفون ، والمبالغة فى نشر أخبار البلطجة ستمنح من يقفون خلف هؤلاء  ارضية جديدة مصنوعة من خوف المواطنين لينطلقوا من فوقها ، ويجعلوها خشبة للقفز لنشر مزيد من حكايات الرعب والتى باتت تصل الى حد أساطير الخوف التى كنا نسمعها أطفالا كأمنا الغولة ، والوحش ذي الاذرع التى إذا ما بترنا إحداها خرج له ألف ذراع  .

 

علينا أن نتعامل جميعا مع واقع ما بعد الثورة كمسئولين ، سواء حكومة شرف  أو الجيش ،  أوالاعلام - واستثنى من كلامى هنا الأمن الذى يتمسك بغيابه الروحى عن الشارع المصرى ويكتفى بالتواجد الجسدى دون حراك حقيقى لمواجهة العنف والبلطجة ، استثنيه حتى يعود لرشده وصوابه ودوره الحقيقى المكلف به من قبل الوطن -  وأقول ، علينا جميعا أن نتصرف بمزيد من الهدوء والحكمة ، لا التوتر والاهتزاز ونشرأخبار الرعب ، أن نبحث عن إجابات هذه الاسئلة ونتعاون على حلها ،  فمن أين جاءت كميات السلاح الأبيض والسلاح النارى فى أيدى " البلطجية" ، وهل حقا هناك شحنات أسلحة مشبوهة هربتها ذيول النظام السابق عبر الحدود السودانية والليبية فى الفترة الماضية لترويجها فى أسواق مصر وبيعها أو اهدائها لأعوانهم من البلطجية ، وما هو مصير الأسلحة التى تمت سرقتها من أقسام الشرطة ومخازن السلاحليك التابعة لمراكز الامن المركزى ومديريات الأمن فى أيام قمة الانفلات الأمنى إبان الثورة  ، وهى أسلحة لم نسمع شيئا عن ضبطها أو استعادتها وكأنها فص ملح وذاب ، ومن الذى لا يزال حتى الآن وراء استمرار هروب المساجين من السجون والمحتجزين من حجز الاقسام ،  بصورة لم نر أو نسمع عنها من قبل .

والسؤال الأخطر اين التفاصيل والحقائق وراء المحاكمات المزعومة والعقوبات الرادعة  لمن يتم القبض عليهم من بلطجية ، إننا لا نقرأ أخبار محاكمات بعض هؤلاء إلا فى  صفحات داخلية وأجزاء منزوية من الصحف ، كل الصحف بلا استثناء ، وكأنه اتفاق ضمنى بألا يتم تسليط الضوء الاعلامى بقوة على مثل هذه العقوبات التى تواجه بها المحاكم العسكرية أعمال البلطجة وترويع الآمنين ، ونحن لم نر إلا نادرا بضع صور لهؤلاء البلطجية ، فلماذا لا يتم توزيع صورهم من قبل الشرطة والمحاكم العسكرية على الصحف ووسائل الاعلام المرئية الاخرى ، لتنشر هذه الصور فى صدر الصفحات مع الاحكام الصادرة ضدهم بالأحجام الكبيرة للاخبار ، ألم ندرس فى الاعلام أن الفضح الاجتماعى نوع من الردع  ، يفوق ردع الأحكام القانونية ضد من يمارسون الإرهاب الشعبى ، خاصة وأن الاحكام صدرت بالفعل ضد هؤلاء ، وليس الامر مجرد تحقيقات أو اتهامات أوشبهات حتى نخشى تضخيم نشر محاكماتهم .

لماذا لم نسمع عن حكم إعدام واحد تم تنفيذه فى أحد من هؤلاء ، وأنا لا أتردد فى المطالبة بأن يتم تصوير عملية الاعدام وإذاعتها بالتليفزيون عبر القنوات الرسمية أو نشرها بالصحف  ، و لتكون رادعا لمن تسول له نفسه لارتكاب تلك الجرائم فى حق أمن مصر ، لقد بت أشعر مثل غيرى أن بعض أسماء المتهمين الذين صدرت ضدهم أحكام إنما مجرد أسماء وهمية ليس لها وجود حقيقى ، أى أسماء يتم إذاعتها للصحفيين ، للتدليل على أن الأمن ماشى عال العال ، وأن المحاكم العسكرية لا تهدأ ولا تكن عن محاكمة هؤلاء وإصدار أحكام عاجلة وإنها تقوم بدورها المنتظر ، فإذا كانت تلك الاسماء حقيقية لمتهمين حقيقيين ، أنا أطالب بنشر صورهم ، وتفاصيل الوقائع الإجرامية التى ارتكبوها ، ليعلم المواطنون ان تلك الاحكام وما وراءها من قصص حقيقة وليس مجرد خيالات او سيناريوهات على غرار السيناريوهات الأمنية والسياسية التى عشناها على مدى 30 عاما والتى لم يكن مضمونها يخرج عن  كل شئ تمام وخير فى سلامة وسلامة فى خير .

وانا لا اعتقد أن الصحف ستتوانى عن نشر صور وقصص والاحكام الصادرة ضد هؤلاء فى صفحاتها الاولى بالتفصيل اذا ما توافر لها ذلك ، ولكن قدر علمى أن تلك الاخبار للمحاكمات العسكرية ، توزع على الصحف مثل النشرات الحكومية القديمة الصادرة من الوزارات البائدة ، والتى تفتقد الى أى تفاصيل أو صور ، فيكتفى الاعلام بالفتات الذى تجود به المحاكم العسكرية الآن .

إن ما يحدث الآن يبدو وكأنه منظومة متكاملة من التآمر ضد

المواطن المصرى وعقابا له لأنه رفض مزيدا من الظلم والذل وطالب بالتطهير من الفساد ، ما يحدث الان يحتاج لأن نقف بذات القوة الشعبية لنسأل الجيش دون خوف عن حقيقة ما يحدث ، وعن المستفيدين مما يحدث ، بدءا بترك مسئولى الأمن فى إذلال المواطنين إذا ما لجأوا إليهم بالشكوى لحمايتهم من البلطجية ، وأسوق هنا إحدى الوقائع التى وصلتنى عبر الهاتف  ، قصة لم أكن لأصدقها لولا معرفتى بأحد أطرافها ، فقد رفض قسم المطرية تحرير محضر بلطجة واعتداء ، قام خلاله بلطجى ممن يفرضون سيطرتهم على جراجات العمارات فى المنطقة دون مناسبة ،  قام البلطجى بشج رأس مهندس معمارى شاب بالسكين ، لأن المهندس رفض ان يدفع له إتاوة 100 جنيه يوميا ، لوضعه " خلاط " الاسمنت أمام العمارة لاستكمال بعض عمليات البناء ، وهو ما اعتبره البلطجى تعطيلا لأعماله ، لأن السيارات لم تعد تقف بالمكان بسبب حجم الخلاط الضخم ، ولم " يسترزق من أصحاب السيارات عبر تنظيم وقوفها  " ، وعندما رفض المهندس دفع 100 جنيه اتاوة أو كأرضية عن وقوف الخلاط يوميا ، كان نصيبه " فتح قرنه " ، ورفض قسم المطرية تحرير محضر ، بل طالب ضابط بالقسم المهندس واصدقاءه بترضية البلطجى ودفع الاتاوة ، وقال الضابط إن هذا البلطجى وراءه ناس ، ولا يمكن القبض عليه او معاقبته حتى لا يجر على القسم الويلات .

وهكذا أسهم القسم فى فرض نفوذ البلطجة على المهندس الشاب الذى لا يزال راقدا  بأحد المستشفيات ، وغيرها من القصص الحقيقية التى يتناقلها المواطنون عما يحدث داخل أقسام الشرطة من تهاون مع البلطجية أو اتفاق ضمنى مع جرائمهم ، تحت مزاعم الخوف منهم ، او عدم الرغبة فى مواجهتهم ، أو لأن المواطن المصرى لم يعد يستحق حماية الشرطة ، لانه طالب بالعدل والاحترام وعدم إهدار آدميته وكرامته .

ان ما يحدث الان تحت مسمع ومرأى حكومة شرف والجيش مهزلة ومؤامرة على الشعب اكرر اننى وغيرى لأن نعفى أحدا منها ولو بالصمت المريب ، مؤامرة بكل المقاييس الوطنية ، بدءا من بطء محاكمات الفاسدين ، وتجاهل مطالب محكمة آل مبارك تحت مقولات سيتم استدعاؤهم قريبا ، مرورا بنشر الذعر والبلطجة فى شوارع مصر ، وتقاعس الشرطة ورفضها القيام بدورها حتى " نبوس القدم ونبدى الندم " ، وصولا الى رفع كل الدعم الحكومى عن السلع ، وارتفاع اسعار جميع المواد الاستهلاكية بصورة جنونية تفوق جنون سعر الطماطم وسعر اسطوانات الغاز التى بلغت فى محافظات الصعيد مثل سوهاج  35 جنيها للانبوبة  ، دون اتخاذ اى خطوات فى رفع الاجور  بالمقابل ، حتى يسقط المواطن مستسلما لاعنا " الثورة واللى جابوها " وليئن تحت مزيد من الضغوط ، وكأن الثورة قالت للديدان أن تأكل الطماطم  ليجن ثمنها ، وكأن الثورة لهفت الغاز المصرى كما لهفت الدعم والرقابة على التجار ، وكأنها اطلقت البلطجية ليهاجموا مستودعات الانابيب ويروعوا المواطنين ، ويمنعوا الامهات فى الصعيد من إعداد وجبة ساخنة لأبنائهن ، وهى وجبة اختفى فيها اللحم والثريد ، وحل محلها الكشرى والمسقعة والفول المدمس ، بعد ان باتت الاسر لا تقوى على شراء كيلو اللحم الذى وصل الى 70 جنيها ، وإلا كان البديل اللحم المستورد مجهول الهوية مقزز الطعم الذى يشبه " نعال الاحذية " واستغفر ربى علي هذا التشبيه .

من حق الشعب المصرى التطهير الكامل ، وعلى المسئولين الآن كل فى مكانه من الشرفاء ان يحققوا هذا التطهير لتهدأ النفوس ، بدلا من ان يقوم الشعب بهذا التطهير بيديه ، وحينئذ سيعم مصر شوارع ومؤسسات مزيد من الفوضى ، وسير كل مواطن مسلحا بمطواة او سلاح نارى لحماية نفسه من البلطجة ، ولخلع المسئولين الفاسدين من اماكنهم بالقوة ، او قد يسعى كل مواطن الى تأجير بلطجى لحمايته ، وتكون مهنة البلطجة مهنة جديدة معترفا بها ومسجلة فى بطاقة الرقم القومى ، مهنة تقدمها مكاتب العمل ، ولها قسم خاص فى وزارة القوى العاملة ، وأجزم انها ستكون مهنة لها مريدوها ومطلوبة حاليا بقوة .

واذا كان البعض من أذيال النظام الذين لا يزالوا فى سلطاتهم دون ان تمتد لهم يد التطهير يعتقدون ان الشعب المصرى سيكل ويمل مما يواجهه الان من خطط ومؤامرات لهدم نتائج الثورة ، فهو مخطئ ، الشعب صبور صبور صبور ، صبر 30 عاما على أمل ان تستيقظ ضمائر اولى الامر ، ولكن عندما فقد امل الاصلاح انفجر ولم يقف امام ثورته كيان ولا بنيان ولا أيد من حديد ، وعلى هؤلاء ألا يراهنوا مجددا على مشاعر المصريين وألا يكون رهانهم هذه المرة على فطرة الشعب المصرى التى تميل الى الهدوء والامن والاستقرار أويكون الرهان على ضجره مما يلاقية الان ، لأن الرهان سيكون ايضا خاسرا وسينتصر الشعب .