رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

أموال مبارك.. يا فرحة لن تتم !

سأعترف لكم، قبل تلك الليلة كنت مستسلمة لطبيعتى التى فرضتها على المسئولية، إنسانة واقعية تحسب للغد الف حساب ، وتتحسب للقادم ـ رغم ايمانى العميق ـ بأن المكتوب مكتوب، لا أعشق الصدفة، ولا اترنح بين جنبات الحظ، ولا اسير وراء قافلة التفاؤل الغير مبرر، فمجرد تفاؤل للتفاؤل امر ليس له محل من الاعراب فى دنيا متخمة بالمسؤلية تبدو جنباتها الواسعة مجرد ثغرات لبصيص من ضوء .

ولكن منذ تلك الليلة التى هوى فيها الظلم، واستعادت البشرية المصرية حياتها، ورحل نظام ظالم بفعل ثورة التحرير، قررت ان افرح، ان اتفاءل بلا مبرر، أن ابتسم للغد وأطمح أنه اروع  دون ورقة وقلم، وارتفعت بورصة  تفاؤلى بمتابعة تلك الاخبار المتناثرة من هنا وهناك بتجميد اموال مبارك، والعصبة المحظوظة التى كانت حوله، ووجدتنى مع تفاؤلى أحاول ان احسبها ، تلك المليارات المختلسة من مصر لو عادت لحضن الشعب، إلى مصر، كيف سيكون حالنا،  لن اقول حالنا نحن متوسطى الدخل، بل حال من هم دون هذا الدخل، او بدون دخل على الاطلاق.

رأيت انطلاقا من تفاؤلى الجديد  مئات المشروعات تفتح بهذه الأموال، لتستوعب آلاف العاطلين ، رأيت مظلة التأمينات الاجتماعية تتمدد لتشمل كل الفئات، رأيت شبكة الخدمات الصحية تتحسن وترتقى الى مستوى رعاية البشر بالقرى والنجوع المصرية ، بل وبالمدن داخل المستشفيات العامة ، هؤلاء الذين يتمتع كلاب الغرب وقططهم بمستويات رعاية تفوق ما يلاقونه بمستشفياتنا المصرية الاف المرات، رأيت المدارس العامة تتحول الى مدارس آدمية بلا ادراج ومقاعد محطم، وبلا قمامة وفصول متهالكة اومراحيض تطفح منها كل الامراض والاوبئة المتوطنة، رأيت هذه المدارس تتحول الى اماكن تشجع النشء على الدرس والتفوق والاجتهاد،  لا تحبطهم ولا تبشرهم بأن المستقبل مظلم ، ولن يقل رداءه عن رداءه الفصول التى يحشرون بداخلها .

لذا وجدتنى اتابع باهتمام يفوق اهتمامى بتدبير نفقات مدارس الاولاد ودروسهم الخصوصية ، اتابع هذه الارقام من المليارات الخيالية التى تنتشر هنا وهناك حول اموال مبارك ، وطرت سعادة حين اعلن الاتحاد الاوروبى قبل ايام فى اجتماع وزراء الخارجية بتجميد اموال مبارك وعدد 17 من عناصر نظامة ، سواء بالبنوك او فى المقدرات الاقتصادية الاخرى من عقارات واستثمارات وغيرها .

ورغم ان الاتحاد تكتم على رقم اموال مبارك ، كما تكتم على اسماء الـ17 من عصابة مبارك ، مع وعده بالاعلان عن ذلك لاحقا ، الا ان ذلك لم يمنعى من تقصى الحقائق حول نتائج هذا التجميد المعلن .

وراعتنى الحقائق ، وافقدتنى الصواب ، فما تجميد الاموال بالبنوك الاوروبية بل والغربية عامة الا نوعا من تبديد سرى لهذه الاموال لصالح البنوك التى تقوم على تجميدها  ، ولانى لست متخصصة او ضليعة فى الاقتصاد ، فقد نقبت خلف المعلومات الموثقة حول ما تسفر عنه عمليات تجميد الاموال ضد الاشخاص بالبنوك الغربية ، واكرر ، راعنى ما توصلت اليه من حقائق انقلها لكم بلا تزيف او رتوش .

اول الحقائق المريرة ما قاله لى مصدر قانونى اوروبى ، ان الاموال المودعة باى بنك اوروبى لا يمكن للبنك تسلمها او اعادتها للدولة " مصر " الا بعد سلسلة طويلة من الاجراءات القانونية التى تمتد لسنوات ، اولها ان تقوم مصر بتحديد المبالغ المودعة انطلاقا من انها تعلم كم هذه المبالغ ، وان يرفق بذلك تحديدات للمصادر الغير مشروعة التى تم من خلالها تكسب هذه الاموال ، وان يرفق بها حكم قضائى مصرى يؤكد ان هذه المبالغ " المحددة " تم كسبها من مصادر غير مشروعة كذا وكذا ... وعليه يجب اعادة تلك الاموال الى مصر .

هذا كخطوة اولى ، اما الثانية ان يتم مخاطبة الجهات القانونية فى الدولة التى بها البنك ، كوزارة العدل ، النيابة العامة ، وبالتالى تنظر النيابة العامة فى الطلب المرسل ، وتتحرك بدورها لمطالبة البنك برد الاموال بموجب حكم المحكمة الذى ورد لها من مصر او خطاب المدعى العام المصرى ، اى يجب ان يصدر قرار قانونى بالبلد الاوروبى ملزم للبنك باعادة الاموال الى مصر ، ولا يمكن للبنوك ان تقوم هكذا طواعية برد الاموال والا صارت المسالة " سايبة " وفقا لما سمعته .

و تجميد موارد مصادر المال ، فيعنى بها تجميد اى مصدر يدر دخل تابع لمبارك وعصابته ، من عقارات مؤجره ، شركات عامله او مشروعات ، او طائرات ويخوت وغيرها ، وعمليات التجميد تتم بترك هذه الموارد ثابته ، بلا صيانه او رعاية ، لانه لا يمكن الانفاق عليها من الاموال المجمدة الاخرى ثابتة الاصول بالبنوك ، وبالتالى ، تتكهن هذه الموارد والمصادر المالية وتتلف بمرور السنوات ، حتى يصدر قرار تسليمها لمصر بموجب اجراءات طويله ومعقده ، وهذا ما حدث مع العراق عندما تم تجميد طائرات تابعة لصدام حسين ، حتى تهالكت ولم تعد صالحة لشئ الا الخرده .

ومعنى تجميد الاموال لمبارك وغيره باى بنك غربى او غير غربى ، هو وقف حرية تصرف المالك فى هذه الاموال ، وايداعها فى حساب مخصص لهذا التجميد يطلق عليه اسم " حساب ضمان " وتتحول الاموال الى مجرد رقم على ورق كضمان لوجود هذه الاموال

بالبنك ، اما الاموال بصورة واقعية ، يقوم البنك بصورة داخلية بالاستفادة منها اقتصاديا ، سواء فى عمليات استثمارية اوفى صورة قروض وغيرها من عمليات بنكية مربحة  ، وتعود ارباح هذه العمليات للبنك وحده ، فيما تبقى قيمة الاصول المجدمة ثابتة على ورق الضمان .

ولا تقوم البنوك باعادة الاموال الى الشعوب او الدول التى تطالب بها بسهولة او بين ليلة وضحاها او حتى بعد سنوات ، وهو بالضبط ما فعلته امريكا مع اموال العراق ، وما حدث فى اموال شاة ايران سابقا ، واموال ماركوس ، وفى الواقع لقد استمديت هذه المعلومات الاخيرة واستندت عليها من عدة مصادر على رأسها حقائق مطولة قام بنشرها مؤخرا الدكتور عبد العزيز بن نايف العريعر وهو سعودى شهير  ، حاصل على دكتوراة فى الاقتصاد وادارة الاعمال من عدة جامعات منها بريكلى بكالفورنيا وويلز ببريطانيا .

ومن هذه الحقائق ان امريكا انشأت قسما خاصا تابعا لوزارة ماليتها ، لادارة الاموال الاجنبية يطلق عليه اسم " مكتب مراقبة الاصول الاجنبية " ويطلق عليه بالانجليزية اختصارا " او اف ايه كيه " او اوفاك ، وهذا المكتب يتولى تجميد اصول الاموال الاجنبية بناء على ما تصدره امريكا من قرارات فى هذا الصدد ، وهذا المكتب هو الذى تولى تجميد اموال العراق ولم يفرج عنها ،  رغم المطالبات العراقية بهذه الاموال لانقاذ الاوضاع الاقتصادية والشعب من حالة الفقر التى كانت احد اسباب تنامى الارهاب والانقسام ، ولكن تشير المعلومات انه لن يفرج عن هذه الاموال الا بعد مرور 20 عاما من انتهاء نظام صدام حسين ، وليموت الشعب العراقى جوعا ، ولتثرى البنوك الغربية من جراء ارباحاها واستثماراتها للاموال العراقية .

وما حدث مع العراق وحدث سابقا مع ايران ، والفلبين ، يحدث الان مع تونس وليبيا وبالطبع مصر ، هذا اضافة الى حقائق اخرى وهى ان المتمرسين من الافراد والشركات يقومون باجراءات من شأنها تعقيد عمليات الكشف عن حساباتهم ببنوك الخارج وجعلها مستحيلة ، مثل  انشاء شركات مسجلة فى دول تسمح بابقاء اسماء ملاك هذه الشركات سرية ، اضافة الى تأسيس شركات منبثقه من شركات ، وحسابات سرية داخل حسابات اخرى ، وبذلك يسهل اخفاء هذه الاموال واصولها عن الدول المالكه ، وتستفيد بها الدول المضيفه ، على غرار ما يحدث فى سويسرا وغيرها .

وهكذا على الشعب المصرى ان ينتظر طويلا ، صف من الاجراءات القانونية ، وصف اخر من التعقيدات البيروقراطية والاطماع الغربية فى اموالنا ، حتى ترضى عنا هذه البنوك وتقرر اعادة الاموال ، بعد 20 عاما او اكثر ، فهنيئا للاجيال القادمة بمصر هذا ان عادت الاموال اصلا ، خاصة اننا لا نعرف بدقة حجمها ، ولا توجد ضمانات لدينا ان البنوك الغربية ستعلن عن هذه المبالغ بصورة حقيقة ، بما فى ذلك الحسابات والاسثمارات السرية التى يمتلكها مبارك وزمرته من خلال عمليات الالتفاف الاستثمارى الذى تسمح به بعض دول اوروبا بحرية ، وما بقى لنا الا ان نرفع رؤسنا للسماء وندعو " حسبنا الله ونعم الوكيل الله المنتقم الجبار  " .

عفوا اخوتى ، دعونى اعترف لكم اعتراف اخر ،  لقد عدت لقواعدى سالمة ، هانذا افقد تفاؤلى ، واستعيد رؤيتى الواقعية ، واحسبها بالورقة والقلم ، ولا اجد لها مخرجا ، لا يسعنى الا ان اقول ، يا فرحة لن تتم ، اخذها التجميد وطار .