انتبهوا .. أوزوريس آخر يعود للحياة
انطلقت .. أم بطرحتها السوداء وابتسامتها الحنونة ، أخت بحماسها واندفاعها المشوب بالحب والسماحة مرفوعة الرأس ، ابنة بابتسامتها العذرية الحالمة بالمستقبل ، إيزيس ، تجوب مدن المحروسة متشحة برداء الصبر على البلاء وعزيمة النصر لعودة العدل ، تبحث فى الارجاء عن أجزاء الجسد الممزق بفعل الغدر والظلم لتعيد إليه الحياة ، روح أوزوريس .
التأم مزق الجسد .. الشعب ، بعثت ايزيس .. ثورة 25 يناير ..بعثت الروح فى اوزوريس ، ليعود العدل والحب على يديه ويد حورس الابن المستلهم من رحم الارادة والصبر الطويل .
إنها الاسطورة الفرعونية الخالدة لإيزيس وأوزوريس ، أسطورة الانتصار على مؤامرات الشر والقتل التى حاكها الملك ست منذ آلاف السنين ، للقضاء على الحب والسلم والنماء ، مصر تعيش الان اسطورة ايزيس ، لا ليس اسطورة بل واقع ، ايزيس الثورة اعادت الشعب المصرى للحياة ، لملمت اجزاء الجسد المنهك والمنتهك ، فعادت الحياة .
هاهو الشعب يستعيد العافية ، ينهض من غفوته ، العجائز قبل الشباب فى طوابير الاستفتاء يقولون لأول مرة كلمتهم ، لم ينم أحد فى هذا اليوم ، ولم يتكاسل أحد أويوكل بالغيب من ينوب عنه للتصويت ، انطلاقا من إيمانه السابق بأن صوته سيزور شاء أم أبى كما حدث على مر 3 عقود مضت ، خرج كل مصرى ليقول رأيه ، بغض النظر اذا ما كان سيقوله يتوافق مع الرؤية السياسية المطلوبة فى المرحلة الحالية من عدمه .
قال الشعب كلمته بغض النظر عن الرؤية الهادئة بأن الاستفتاء جاء مبكرا ، وكان يلزمه مزيدا من الوقت والتنوير لكل فئات الشعب بالتعديلات الدستورية ، ومزيد من الجهد لإعادة ترتيب الاوراق لجميع الفئات الشعبية والحزبية ، لا يهم كل ذلك الان ، المهم أن الشعب عاد للحياة ، أدرك كل مواطن أن صوته هام ، صوته سيؤثر على مستقبل مصر ، ولن ينتزع أحد الصوت من حنجرته او إرادته .
ووقف العالم يتفرج على الشعب الأبى وهو يقف فى قمة التحضر والمدنية والديمقراطية لقول رأيه ، بعد أن بعثت فيه ايزيس الثورة الحياة ، فى سنة أولى ديمقراطية ، ولأن لكل شئ فى بدايته أمراضا للطفولة ، علينا ان نتقبل بصدر رحب تلك الامراض لا نزدريها اونستنكرها لأنها طبيعية ، علينا أن نعالج أمراض الطفولة للديمقراطية ، نعالجها معا بكل العدل والحب والتفاهم ، لا نلوم أحدا بأنه قال نعم ، ولا نؤنبه لأنه لم يصبر كثيرا على ثمار الثورة ولم يطالب بدستور جديد تماما .
من قال نعم ليس عميلا ولا مأجورا ، ولن يدخل الجنة بفعل الوعد الموعود ، قال نعم لأنه رأى من وجهة نظره أن نعم هى الأصوب ، واستجاب لمن أقنعوه بهذا القول وبأن مصلحة الوطن فى الموافقة على هذه التعديلات ، ومن قال لا ليس مشككا ولا مفجرا
المهم الآن أن نعمل من أرض الواقع ، والواقع يقول إن الاغلبية قالت نعم ، وهذا هو المعطى الواقعى ، وعلينا جميعا أن نتعامل نحن أنفسنا بمسئولية ديمقراطية مع هذا المعطى ، سواء اتفقنا شخصيا معه أو رفضنا ، علينا أن نتفاعل مع النتائج الشعبية أيا كانت ، وان يستمر قادة الرأى والفكر فى مزيد من تنوير الشعب بحقوقه ، حتى لا تحدث الانتكاسة ، اى انتكاسة ولو جزئية لنتائج الثورة .
علينا ان ننتبه ان الشعب عاد للحياة بعد موات ، وهذه العودة تحتاج الى الرعاية والتنوير ولا أقول التوجيه حتى يسترد الشعب كل عافيته ، ما مر به لم يكن سهلا ولا هينا ، وعودته الفجائية للحياة السياسية ليؤثر فيها ويتأثر بها ليس سهلا ، إنها مهمة شاقة يحملها القادة الحياديون للرأى السياسى ، الثقافى ، الاجتماعى والاقتصادى فى مصر ، كل فى مجاله ، مسئولية سيحاسبهم عليها الله والتاريخ ، اليأس لا محل له الان فى نفوسنا ، وفقدان الأمل فى القادم ليس من مصلحة أحد .
وعلى من يتبارون الى كراسى السلطة أيا كانت دوافعهم الشخصية أو السياسية أن ينتبهوا ، ينتبهوا أن الشعب العائد للحياة لن يموت ثانية ولن تخدعه نوبات التخدير والمماطلة بوعود التغيير لأنه عرف طريق الرفض والثورة على الخطأ ، على الساعين لكراسى السلطة أن ينتبهوا أن اوزوريس الشعب الذى عاد للحياة لن يؤثر الانسحاب مجددا الى عالم الأموات تجنبا لشرور الحياة كما فعل اوزوريس فى الاسطورة الفرعونية ، فأوزوريس الشعب كيان آخر ، كيان باق فى الحياة ، وسيحاسب بقوة كل من سيبذلون فى المستقبل أى محاولات لقتله أو تمزيقه أو تغييبه من جديد .