رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

المفرمة ومحكمة "نورنبيرج" المصرية

حتى وقت قريب كان غالبية شعب مصر لا يسمع شيئا عما يعرف  بالمفرمة، اللهم إلا "مفرمة اللحم" المتعارف عليها فى مطابخنا، غير أن كلمة مفرمة فرضت نفسها بقوة علينا مؤخرا  بل دخلت التاريخ المصرى، تاريخا ليس كأى تاريخ، بل تاريخا أسود طويلة سطوره من دمائنا وكرامتنا، وكانت هذه المفرمة مفرمة للحم أيضا ولكنه هذه المرة لحم الشعب المصرى فى صورة أوراق على يد رجال أمن الدولة.

ومن يعتقد أن مفرمة أمن الدولة التى التهمت سجلات الفساد وملفات انتهاكات حقوق المصريين وأعراضهم وحياتهم الشخصية، هى المفرمة الوحيدة التى فرضها علينا النظام البائد رؤوسا وأذنابا، لا، بل هذه المفرمة كانت الابنة الشرعية للمفرمة الكبرى التى فرم بها النظام الشعب المصرى كله، بالجوع والعرى وافتقاد أدنى الحقوق الشرعية، فصار المصرى على مدى العقود الثلاثة، يلتمس بالكاد أنفاسا للحياة وهو يتمزق يوميا بين أسنان هذه المفرمة، لمجرد توفير لقمة العيش له و لأولاده، دون أن  يتمكن من رفع رأسه او المطالبة بحقوقه السياسية.

كما كانت هناك مفرمة الاقتصاد المصرى، الذى تم طحنه والتهامه فى بطون أصحاب السيادة والمعالى وهو ما كان يكشف عنه الجهاز المركزى للمحاسبات سنويا فى ملفات تضم آلاف الأوراق ، ويبح بها صوت المستشار الملط، دون أن يلتفت إليه أحد من سدنة النظام بما فيهم أعضاء مجلس الشعب الممثلين لأنفسهم لا للشعب، الامر الذى أدى لتراكم ديون الدولة الداخلية والخارجية، كما أصبح فارق الانفاق على الدخل ما يوازى 124 مليار جنية .

وفى ميدان التحرير عندما خرج ابناء مصر العزل لطلب الحرية والعدالة، أصدر زبانية النظام أوامره بفرم الشعب ، فانطلق الرصاص وانطلقت الجمال والخيول بالسيوف، ليسقط العشرات من الشعب الأبى ومنهم من فرمته أيضا عجلات سيارات الشرطة .

هكذا كان بديهيا أن تخرج تلك المفرمة علينا من قلب أمن الدولة فى زمن الثورة،  لتلتهم حقوق الشعب الانسانية والامنية بين اسنانها ، ليهرب القتلة والمنكلين باجساد الشعب والمنتهكين لاعراضه من العقاب  ، ونسى هؤلاء ان "مفارمهم" لا تطول ذاكرة التاريخ ولن تطول ذاكرة الشعوب، فستحكى دوما الأمهات والجدات حكايا الرعب التى عاشها الاباء والابناء فى غياهب سجون امن الدولة، كما ستظل صور الشهداء والمعذبين راسخة فى النفوس على مر الاجيال ولن يمحيها الزمن او المفارم.

ولكن ليس التاريخ ولا ذاكرة المصريين التى ستلعن هؤلاء كافية لمعاقبتهم ، ولا المحاكمات التى تجرى هنا وهناك كافية ، بل يجب أن تقام محكمة خاصة تحمل اسم "محكمة الثورة" على غرار محكمة نورينبرج التى أقامها الحلفاء عقب الحرب العالمية الثانية عام 1945 لمحاكمة مجرمى الحرب من النازيين الذين ارتكبوا الفظائع بحق الانسانية فى اوروبا من قتل وتعذيب والزج بالاوروبيين فى سجون غير ادمية ، فما ارتكبه زبانية النظام المصرى الراحل لا يقل بشاعة عما ارتكبه النازيون ، مع الفارق ان النازيين حاولوا ابادة من يعتقدون انهم أعداؤهم، ونازيو النظام المصرى البائد قتلوا وعذبوا وحاولوا ابادة الآلاف من أبناء الشعب فى وطنهم  .

محكمة الثورة التى أطالب بها على غرار محكمة نورينبرج ، وليس على غرار محكمة ثورة يوليو 1952 بمصر، تلك الاخيرة التى قامت لمحاكمة الخصوم السياسيين لعبد الناصر بتهم صورية او ملفقة اهمها العمالة للخارج او لمحاكمة الضباط الذين انضموا الى التمرد الذي قاده وزير الحربية المصري السابق المشير عبد الحكيم عامر بعد هزيمة يونيو 1967 ، لأن محكمة ثورة يوليو كانت تحاكم المعارضة

وكل من قال لا لنظام عبد الناصر، اما محكمة ثورة 25 يناير التى اطالب بها، فستحاكم وتفضح من تآمروا على شعب مصر وحاولوا هزيمته .

إن محكمة الثورة باتت الان ضرورة ملحة لعدة اسباب، منها اولا: حصر جميع الجرائم التى ارتكبت فى حق الشعب ابان الثورة، من قتل وتعذيب ومحاكمة كل من حاولوا طمس حقائق الفساد لحماية انفسهم او حماية الاخرين فى زمن الثورة، بما فى ذلك رجال أمن الدولة الذين أتلفوا الملفات .

ثانيا: تخفيف الأعباء القانونية والقضائية عن محاكم مصر الحالية، خاصة وان هذه القضايا ستصل الى المئات بل الالوف من القضايا مما سيشكل ضغوطا كبيرة على المحاكمة المصرية .

ثالثا: سرعة البت فى هذه القضايا، فحبال العدل اذا طالت كانت اقرب الى الظلم .

على ان تختص محكمة الثورة ايضا بنظر قضايا تعويضات اسر الضحايا من القتلى والمصابين فى الثورة على ايدى رجال الامن وان يكون لهذه المحكمة ومقرها القاهرة ، ان يكون لها افرع فى جميع محافظات مصر التى شهدت جرائم الامن وفساد السلطة ضد الشعب.

إن محكمة الثورة باتت الان ضرورة ملحة ، حتى تتفرع محاكم مصر للنظر فيما هو معروض فعلا امامها من قضايا عادية ، لاننا كما قلنا ، طول المحاكمات لمجرمى الثورة  ولمن ارتكبوا جرائم السلب والنهب لحقوق واموال الشعب ، سيمدد من حالة الغضب وسيصعد من حالة الرفض والترقب التى استأسدت مؤخرا  لدى الكثير من أبناء الشعب، الشعب يرغب فى سماع العقوبات لتبرد نيران غضبه وتهدأ احزان مآساته ولا يعنى اجراء محاكمات سريعة امام محكمة للثورة اختصار الاجراءات القانونية او الانتقاص من حق اى منهم فى الدفاع عن نفسه، لا بل محكمة الثورة بدوائرها المتعدده ، ستسهم فى التعجيل بهذه الإجراءات القانونية لأنها محكمة متفرغة لقضايا محددة وبهذا ستتمكن من اصدار الاحكام بصورة أسرع وهو امر ادعى باتخاذه الان حتى لا تموت الادلة او تزيف الحقائق ، حتى تستقر الاوضاع ويعرف كل منا الى اى منتهى نحن سائرون، فعمليات الإرجاء والتأجيل فى المحاكمات باتت الآن امر غير مقبول، فقد صبر الشعب طويلا على حقه، ولا اعتقد ان اى رهان الان يمكن ان يفوز، اذا كان هذا الرهان على صبر الشعب من جديد، خاصة فى محاكمة خصوم الشعب.