عفوا.. الثورة ليست لشباب الفيس بوك
أتأمل بعمق وحزن شديدين ما يحدث فى الشارع المصرى، ما تتناقلة عنا وكالات الانباء من اخبار ، ما تسود به صفحات الحوادث بصحفنا واذاعاتنا ، من اعمال بلطجة واعتداءات على الانفس والاموال فى كل مكان بلا رادع او وازع ، فى تسجيل لأعلى معدّلات للجريمة العامة عرفتها مصر على مر العصور ، فى الفوضى الهائلة ، والخوف الذى دخل النفوس لدى الاسر المصرية حتى حد الاحجام عن التوجه باطفالها الى المدارس .
اتأمل ذلك بالم مصرية عاشقة لشمسها لحد الذوبان ، لنيلها حتى الثمالة ، لكل ذرة من ترابها الذى احتضن اباءها واجدادها بين حناياه ، اتأمل مع يحدث فى مصرنا من انفلات امنى واخلاقى من البعض ، اعتقادا منهم انهم فوق القانون فى زمن الثورة ، وان كل مواطن صار هو الدولة ، ظنا منهم ان مصر صارت بلا دولة ، واتساءل فى حيرة ، كيف تكون ثورة الشعب المصرى للتطهير وانهاء الفساد ، سببا فى تفجر سؤ الاخلاق بالشارع المصرى ، ولا اقصد هنا خطط البلطجة والترويع المأجورة التى يقودها اذيال النظام القديم ، وزبانية الحزب الوطنى وامن الدولة ن بل اقصد المواطن العادى البعيد عن هؤلاء .
الشارع المصرى يعيش حالة من الفصام ، يطالب رجل الشارع بالمكاسب السريعة واختفاء الفساد ، بينما ينجرف بنفس السرعة الى السقوط فى مستنقع الفساد الاخلاقى الامنى العام ، واذا ما انهارت اخلاق المجتمع وانتهى الامن من الشارع ، لن تنقذنا الف ثورة كثورة 25 يناير ، ما هذا الاعتقاد السائد لدى الكثيرمن شعب مصر ان زمن الاحترام قد ولى ، وزمن طاعة الكبير و اولى الامر قد ولى ، وان الكل فوق القانون ، وفوق الاجراءات الرسمية ، وفوق اللوائح ، وفوق المصلحة العامة من اجل تحقيق وتكريس مصلحته الشخصية .
ولا اجد الا تفسيرا واحدا ان هؤلاء لم يشعروا فعلا بالثورة ، لم يشعروا ان هناك تغيير حقيقى قادم ، وان مكاسب حقيقة قادمه ، مكاسب ستطولهم ، فتكورت وتمحورت كل مكاسب هذه الفئات فى عملية بلطجة ، او سرقة مواطن او تحطيم قفل شقه ، او رفع سلاح فى وجه اخر ، او الاعتداء على رجل شرطة ، من اجل ان يشفى غليل سنين مضت من القهر ، وسنوات قادمة من افتقاد المكاسب .
وساهم فى شعور هؤلاء بعدم استفادتهم من مكاسب الثورة ما رددته وتردده وسائل الاعلام بكل انواعها ، ان ثورة 25 هى ثورة شباب الفيس بوك ، ومن اجل هؤلاء الشباب كانت انتصارات الثورة ، وبالتالى شعرت الفئات المهمشة ، التى لم يكن لها نصيب فى التعليم او الثقافة ، او فرصة العمر بالجلوس وراء الانترنت والتواصل عبر الفيس بوك من اجل التظاهر فى ميدان التحرير ، شعرت هذه الفئات ان الثورة ليست ثورتها ، والمكاسب لن تطولها ، بل هى ثورة شباب الفيس بوك والمكاسب لهؤلاء المتعلمين المثقفين فقط سواء فى فرص العمل اوالحياة الافضل .
وانا اقولها عالية وواضحة ، لا الثورة ليست لشباب الفيس بوك ، ولم تقم بسواعدهم فقط ، وان كانو محركيها او قادوها ، الثورة كانت بشعب مصر كله ، ولاجل شعب مصر كله ، من اجل الفئات المهمشة قبل المثقفة ، لسكان القبور وعشش الصفيح والعشوائيات قبل سكان فيلل المهندسين وسرايات جاردن سيتى وابراج كورنيش المعادى .
الثورة يا شعب مصر كانت لاجل ان يجد ابناء البوابين والزبالين فرصة للتعليم دون ان ترفضهم مدارس مصر القديمة ومدارس الهرم ، بزعم ان هؤلاء ورثوا الجهل من اباءهم وعليهم ان يبقوا فى القاع ، الثورة لاجل سكان العشوائيات ليجدو ولو غرفة وصالة فى الاسكان الشعبى بالمناطق الجديدة ، من اجل بائع الخضار والارزقى والحرفى ، ليجد بدل بطالة او اعانة اجتماعية اذا ما تعطل عن العمل واعاقته صحته من الاستمرار فى الكسب الحلال ، من اجل يجد خريج السجون فرصة للتأهيل والعمل الشريف بدلا من اغلاق ابواب العمل فى وجهه ، ليعاود الاجرام والسير فى شوارع المحروسة بسنجة او مطواة ليمارس كسب العيش الحرام ، الثورة من اجل مزيد من فصول محو الامية ، من اجل انتشال من يعيشون فى المجارى والظلام ، من يشربون من الطلمبات ويغسلون ملابسهم فى مياة النيل المليئة بالبلهاريسا ، الثورة من اجل احياء الامل فى هؤلاء البسطاء بان المستقبل اجمل ، وانهم لن يسقطوا مجددا من دفاتر الحكومة ، ولن يعيشوا فى طى النسيان ، الثورة من اجل البسطاء والحرافيش
فدعونا نكف جميعا عن تسمية الثورة بثورة شباب الفيس بوك ، انها ثورة شعب مصر كلها ، وحتى يشعر البسطاء بالمكاسب ، ولا يشهروا سلاح الغضب والبلطجة لسرقة فرحة وانتصارات الثورة ، لن يكون هناك حل جذرى لمشاكل هؤلاء وشمولهم بعطف الثورة الا من خلال اللامركزية ونظام المحليات .
على الجيش وحكومة تسيير الاعمال فى خطط اعادة هيكلة سياسة الدوله ان تولى اهتماما اكبر للمحليات ، وانا اطالب بالتوسع وزيادة عدد تقسيمات المجالس المحلية بمدن مصر ، ليكون لكل حى مجلس مدينة ، مع زيادة اعداد اعضاء المجالس المحلية ليمثلوا كل الفئات ، مع اعطاء مزيد من الصلاحيات لهذه المجالس اعتمادا على اللامركزيه ، وان يتم تخصيص موازنات كافية لها ، فزيادة اعداد المجالس المحلية من شأنه تخفيف الاعباء والمهام علن الوزارات والادارات الحكومية الرئيسية بالقاهرة ، و يجب ان يشعر كل رئيس مجلس محلى انه رئيس لدولة صغيرة هى الحى الذى يتواجد به ، وانه مسؤل مسؤلية تامه عن سكان هذا الحى ، وعن تحقيق التنمية الاقتصادية وتنمية الموارد الاجتماعية ، فهو الاقرب لمعرفة احتياجات سكان الحى فى التعليم ، الصحة ، السكن ، او العمل ، وسيعمل على بناء المدارس ، والمراكز الطبية او المستشفيات ، بجانب المسؤلية عن بناء مساكن اقتصادية لتمكين محدودى الدخل من العيش الكريم بسكن لائق يتناسب مع مستوى دخلهم ، مع البحث الدائم عن فرص عمل للعاطلين لوضع حد للبطالة ، وان تكون هناك رقابة مالية مشددة على موازنة مجالس الاحياء ، لقطع اى فرص للنهب والسلب او المحسوبية واستغلال النفوذ ، وان يكون بكل مجلس مكتب لتلقى شكاوى المواطنين .
لقد أصبحت اللامركزية والتوسع فى المجالس المحلية ذات الاختصاصات الواسعة تجربة دولية ناجحة ، يتم خلالها تعزيز قيام اعضاء المجالس المنتخبين بشفافية ونزاهة في تدبير الشؤون المحلية بشكل واسع واشمل ، بعيد عن القرار المركزى بتخويل مجموعة من الاختصاصات والصلاحيات الواسعة اليها ، باعتبار ان هناك مصالح محلية تحتاج الى استقلال مالى وادارى حر ولكن تحت وصاية واشراف الدولة لحماية هذه الصلاحيات من الفساد .
ان تجربة التوسع فى المحليات اثبتت نجاحها الهائل فى الدول الغربية المتقدمة ، ويكفى الاشارة الى ان دولة صغيرة كهولندا التى لا يتجازو سكانها 18 مليون نسمه ومساحتها 41 الف كيلو متر مربع ، تضم 483 مجلس محلى ، موزعة بين 12 مقاطعة ، الامر الذى ادى الى علاج اكبر المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ، واصبحت هولندا اغنى بلد صغير وسط مجموعة الاتحاد الاوروبى .
لذا لن يكون هناك مخرج لانهاء ازمة عدم ثقة الفئات المهمشة فى نتائج الثورة 25 يناير الا من خلال تفعيل دور المحليات بقوة ، وعلى مشرعى الدستور الجديد ان يضعو ذلك فى اعتبارهم بقوة ، قوة لا تقل اهميتها عن الشعور بخطورة سقوط بعض فئات الشعب من حضن الثورة ونقمتهم وحقدهم عليها وعلى من استفادو منها .