رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صحوة النفس وبقاء سم الأفعى

تزاحمت الأفكار أمام قلمى وأنا أحاول ترتيب الأسطر ، ليس من عادتى التوقف كثيرا لانتقاء الكلمات تعبيرا عن فكرة ، لكن هذه المرة وجدت وعى الرقيب الذاتى بداخلى يتعملق لأن ما سأكتبه يتعلق بالنفس البشرية ، وما أغرب هذه النفس التى تتسم بالحساسية والشفافية فى حالتها الطبيعية التى جبلت وفطرت عليها ، بقدر اتسامها بالجبروت وقساوة العتمة إذا ما انتقلت من حال إلى حال ، وأعنى بانتقال الحال ، تربع الانسان على كرسى السلطة ، أى كرسى للسلطة ، فلكرسى السلطة  سطوته  وبريقه الذى يعمى الأبصار .

مما لا شك فيه أن ثورة أو انتفاضة التحرير كما يحلو للبعض تسميتها ، وضعت مصر كلها على أعتاب مرحلة جديدة من الصحوة الاجتماعية ، صحوة أعادت الوعى للجميع بحقوقه المنتهكة ، كل فى مجاله أيا كان حجم هذه الحقوق ، ومما لا شك فيه أيضا ان مراكز السلطة فى المرحلة الجديدة المقبلة ، ستتغير ليس فى هيكلها وتفاصيلها الادارية لتصبح اكثر ديمقراطية ، ولكن ستتغير أيضا فى سلوكها ، وأسلوب تعاملها مع الشعب واحترامها لإرادة وحقوق هذا الشعب .

ليس لدى أدنى شك فى ذلك ، ولكن ما يخيفنى هو بقاء مخلفات النظام البائد فينا ،  بعد ان انصهرت رواسبه فى نفوسنا ، وصبغت هذه النفوس بألوان متعددة ، فثلاثون عاما من القهر والذل والخوف ، أفرزت هذه الأعوام الطويلة قسمين من الشعب ، قلة مهيمنة مسيطرة ، لا تسمح بصوت آخر بجانب صوتها ، وأغلبية مقهورة منكسرة ، رضيت بالظلم اعتقادا ان الصبر على الظلم هو قدرها الأوحد  ، والقلة المهيمنة ليست فقط هى رؤوس السلطة ، بل أذنابها وذيولها ، الذين تم فرضهم على الوظائف ومجالات العمل دون وجه حق ، بفعل الواسطة والمحسوبية واستغلال النفوذ .

أذناب أو ذيول النظام البائد تحولت بدورها فى السنوات الطويلة الماضية الى فئات سلطوية تربعت على قمم الادارات و الوظائف بالمصالح الحكومية وبالمؤسسات والشركات الوطنية وغير الوطنية ، وقد حصل هؤلاء ولا حرج  على امتيازات وظيفية ومالية لم تكن من حقهم ، على حساب آخرين أكثر كفاءة وعطاء وجداً ، وهذه القلة يعلم جميعنا كيف تتعامل مع مرؤوسيها ومع الشعب ، وكأنهم آلهة من عهد الفراعنة ، فلا صوت غير صوتهم ، وويل لمن يعصى امرهم ، وويل للمواطن لو رفع رأسه امامهم وطالب بحق من حقوقه ، او عكر بمطلبه صفو مزاجهم .

هؤلاء الفراعنة الصغار ،  لا يجب إغفالهم فى ثورة التطهير التى تجرى الآن لرؤوس النظام البائد ، وإلا نكون قد بترنا رأس الأفعى ، وتركنا ذيلها يلعب ويثير الرعب مجددا بين فئات الشعب التى باتت تعيش على حلم الخلاص تحت ضوء الشمس ، او تركنا سم الأفعى ساريا فى دمائنا ، ليقتلنا مجددا  ، ويجعلنا نسير أحياء أموات .

فعلى حملات التطهير أن تطول هؤلاء ، وأن يتم إعادة هيكلة الادارات ومجالس الادارات بالمؤسسات الحكومية والشركات ، ان يتم إعادة  الحقوق الادارية والوظيفية الى مستحقيها ، أن يتم تصحيح الأوضاع الخاطئة ، وإعادة الأمور الى نصابها الطبيعى الذى كان من المفترض أن تسير عليه ، أن يدفع المرتشون والوصوليون والمتسلقون ثمن جرائمهم فى حق الشعب .

ولا يجب ان تشمل ثورة التطهير مجالات الاعمال بالمؤسسات والمصالح الحكومية وغير الحكومية فقط ، بل  يجب ان تشمل ثورة التطهير كل نفوس المصريين ، فى جميع المواقع ، رؤساء ومرؤوسين ، عمالا وموظفين ، على الجميع ان يقف وقفة متأنية مع النفس ، أن يسأل كل مسئول نفسه أيا كان موقعه على كرسى من كراسى السلطة كبيرها وصغيرها ، فى الاحزاب السياسية  بأنواعها ، فى المؤسسات ، فى مصالح الاعمال ، فى الجامعات ، فى المدارس ، فى كل مكان على أرض مصر ، حتى داخل الأسرة المصرية نفسها ، أن يسأل كل مصرى نفسه وهو ينظر فى مرآته هذه الأسئلة :

" هل أنا انسان ديمقراطى او حتى أحاول أن أصبح ديمقراطيا فى ظل صحوة التحرير ؟ ،  هل اسمع رأى الآخر حتى وإن انتقدنى ، أسمعه بصدر رحب وعقل متفتح دون غضب أو ثورة أو اتهامه بالعمالة لغيرى ؟ ، هلى أعطى كل ذى حق حقه دون ظلم او جور ..  دون أن أعطى أذنى لبطانة حولى ، او لمهللين يصفقون لى فى الحق والباطل لتأليهى لمصلحة فى نفوسهم ؟ ، هل يبعدنى كرسى السلطة عمن حولى ، من هم فى حاجة الى خدماتى من شعب مصر ؟ ، هل كرسى السلطة الذى أتربع فوقه هذا لخدمة الشعب

ام كرسته لخدمة نفسى ، هل اتعامل مع المرؤوسين ومع الجمهور باحترام وأدب ، ام بتعالٍ وغطرسة ، وكأنهم عبيد حولى .

فمما يؤسف له ان العديد من رجالات الساسة والاحزاب ، وحتى نفر من الاعلاميين الذين برزت وجوههم  على الساحة الاعلامية وعبر شاشات التلفاز فى الايام الماضية ، هؤلاء يمارسون  الديكتاتورية بأوضح صورها  من خلال مناصبهم رغم تشدقهم  بشعارات الحرية والديمقراطية ،  وقد تعاملت من خلال مهنتى الصحفية او بصورة  شخصية مع العديد منهم ، فلا صوت فوق صوتهم ، ولا رأى صواب الا رأيهم ، يمارسون انواعا من القهر والظلم لمن تحت سلطتهم بل قل سطوتهم .

لذا على كل مصرى ان يسأل نفسه هذه الاسئلة ، وان يواجه نفسه بحقيقة نفسه لا عبر الصورة التى يزينها له المنافقون من شلة المنتفعين المصفقين المهللين لكل صاحب سلطة ، على كل انسان فى اى مكان سلطة ان يدرك حقيقة قدرية ، ان السلطة زائلة ، والنفوذ زائل ، وان كرسى السلطة لو دام لغيره ، لما انتقل اليه ، عليه ان يوقن ان دوام الحال من المحال ، وان الدائم وحده هو الله الذى يغير ولا يتغير ، على كل انسان أياً كان موقعه فى مركز سلطة صغير او كبير ان يدرك ان حب الناس له هو الباقى ، وانه لن يكسب حب الناس الا بخدمتهم ، والسعى لقضاء شئونهم وإنهاء مشاكلهم وحوائجهم ، لا بقهرهم وظلمهم ، وإغلاق الابواب امامهم والتعالى عليهم .

يأتى الله يوم القيامة ويسأل ملائكته " أتونى بمن نازعونى فى عزتى ، ويأتى بأصحاب العزة الذين علوا فى الارض على الخلق  بمراكزهم وسلطتهم ويلقى بهم أول من يلقى فى  نار جهنم ، وفى هذا يقول رسولنا الكريم " ص " قال الله عز وجل من نازعنى واحدا ألقيته فى جهنم "

علينا جميعا ان نفيق فلا كرسى باق ولا سلطة باقية ولنا فيما نشهده الآن عن قرب بمصرنا الحبيبة أسوة وعظة ، فأين الآن رؤوس السلطة والعز إنهم فى مزبلة التاريخ ، تودعهم لعنات اللاعنين وغضبة الملايين ، علينا فى ظل ثورة التحرير هذه ان نصحح انفسنا ، ان نبدأ جميعا كل فى موقعه مرحلة جديدة مع الحياة ، وإلا لن يكون لهذه الثورة صدى إلا فى الشارع السياسى فقط ، أما الشارع الاجتماعى ، فسيظل المواطن مقهورا ، مصلوبا داخل خوفه وهو يطالب رئيسه بحقه ، أو يقف مرتعشا مترددا خافض الرأس  امام مكتب او شباك اى موظف حكومى طلبا لختم النسر او توقيع ما.

علينا جميعا ان نبدأ من جديد ونواجه أنفسنا من أجل أنفسنا ، والا لن نجنى ولو ثمرة  واحدة من شجرة ثورة التحرير ، تلك  التى أثمرت بدماء الشباب من شهداء هذه الثورة ، اذا لم نواجه جميعا أنفسنا ستبقى  ثورة التحرير مجرد شعارات اجتماعية بجانب حفنة مكاسب سياسية تجنيها الأحزاب والدوائر السياسية  ، أما الشعب فسيستمر أحقابا أخرى يعانى ، أقول قولى هذا واستغفر لى ولكم من كل إثم .