رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أ .. باء .. تاء: لموا الكراريس ..درس الحرية بدأ

فى لحظة فارقة فى الحياة،  تخليت عن خوفى الفطرى كأم، نسيت مهنتى وكل احرف السلم، نسيت كل ما علمته لاولادى من دروس فى عدم مواجهة العنف بالعنف، كنت إنسانا اخر وأنا أنزع فرع نبات الظل من حضن الطمى فى قسوة، وانثر اوراقه الخضراء بسكين حاد، اشذبه، اسمع انين الاوراق والفرع الحالم بالامن وهو يتحول الى عصا قاسية فى يدى وقد فارق حضن الأم،  اسلمه لولدى الأكبر الذى لم يبلغ السابعة عشرة، وانزع اخر، انثر اوراقه، اسلمه لولدى الثانى الذى لم يتجاوز الرابعة عشرة، اقف امامهما  فى حزم، اغوص فى عيونهما الحيرى اللامعة بالدهشة، اهز كلا منهما فى كتفه واهتف "صرتم رجالا".

ارقبهما وقلبى يخفق وهما يهبطان الدرج فى قوة وكأنهما جنديان يهرولان الى الجبهة، تنتابنى مشاعر مختلطة وأنا أهرول الى الشرفة، لأطمئن أنهما صارا بين رجال الحى وشبابه، كل ممسك بعصا أو قطعة معدن، انتزعتها الأم من زرع أو ستارة أو شىء اخر ... لا يهم المصدر، فلم تعتد الاسرة المصرية الاحتفاظ بأى عصا او سلاح فى داخل جدران  بيوتها الآمنة  و توزعت الادوار، مجموعة فى الجبهة الأمامية اقصد فى مدخل الشارع العمومى على الحى والاخر فى المواجهة من قلب الحى والثالثة على الطرف الآخر .

يحمل أبناء الحى أطفالا وشبابا  الأحجار الثقيلة من اى مكان، يبحثون عن اى شىء يسد المداخل والمنافذ لمواجهة أبناء الشيطان، الذين اثاروا فى قلب المدينة الرعب واستغلوا انسحاب الامن وانشغال الابناء فى ثورة التحرير، فحطموا جدران سجونهم "بفعل فاعل"، وخرجوا من أوكارهم وجحورهم السوداء، لينهبوا ويسرقوا ويهاجموا الامنين لترويعهم فى منازلهم، لينتقموا من نظام افقرهم وجوعهم وظلمهم، لكن هؤلاء  نسوا أنهم ينتقمون من أبناء وطنهم المطحونين مثلهم والذين كونوا ممتلكاتهم بجهدهم وعرقهم وسنوات عمرهم.

لم أخبر يوما أو أعايش ثورة الا فى كتب التاريخ، تلك التى قرأت سطورها لأولادى مرارا، ثورة القاهرة الاولى، القاهرة الثانية، ثورة عرابى، ثورة 19،  ثورة يوليو، لكن تلك الثورات لم تشهد ما شهدته تلك الثورة، لم تشهد المارقين على القانون لتشويه وجه الثورة، لم تشهد إحراقا متعمدا وتدميرا ونهبا لممتلكات الشعب والدولة ولا هجمات منظمة من بلطجية جهاز الأمن وبعض رجاله ومن سدنة تزوير الانتخابات خدام الحزب الوطنى، كانت تلك الثورات الشعبية نقية تماما وطاهرة تماما تلاحمت فيها كل قوى الشعب وتكاتف فيها الفقير والغنى للمطالبة  بالحرية والتغيير، فماذا دها شعب مصر ليخرج منه أبناء الشيطان، الذين صنعهم النظام الفاسد وأطعمهم مع الفقر الحقد والقسوة ورغبة الانتقام .

ترك ولدي  .. وأبناء مصر  الكراس والقلم  وخرجوا لميدان التحرير فى ثورة التحرير، خرجوا رفضا لمقدرات فرضت عليهم ، مقدرات جعلت الولدان منهم شيبا، فقد  انحنت ظهورهم أطفالا تحت ثقل كتب الدراسة  المحشوة بالتلقين، لا التفهيم، وانحنت أكتافهم أعواما عاكفين على دروس المناهج العقيمة طلبا للمستقبل وانحنت رؤوسهم خجلا وهم يأخذون مصروف الجيب من الأب  بفعل البطالة وهم خريجوا المدارس والجامعات العليا وانحنت نظراتهم يأسا من أى رؤيا مشرقة للمستقبل.

وترك ولدي مع أبناء مصر القلم والكراس وحملوا العصا لصد وتأديب الخارجين

عن القانون و الزود عن العرض  والبيت والوطن، سهروا الليالى يحتسون الشاى الاسود لتبقى عيونهم ساهرة وقد نامت عيون الأمن فى إجازة مشبوهة، بل مؤامرة مرسومة  لن ينساها لهم التاريخ، مؤامرة سيتم محاكمة كل المسئولين عنها ومن تورطوا فيها  بتهمة الخيانة العظمى إن عاجلا أم آجلا اذا ما تمت الاصلاحات فعليا، سيحاكمون بتهمة التخلى عن الشعب فى لحظة الجهاد من أجل الحرية، بإصدار أوامر الانسحاب والنوم فى مخابئهم، بتهمة العزة بالإثم والاعتراض على نزول الجيش للشارع المصرى وحقن دماء المصريين.

ترك أبنائى الكراس والقلم ، ليكتبوا بأصواتهم، بإرادتهم صفحة جديدة من التاريخ ، صفحة صنعوها بأنفسهم، فلا جماعة تحركهم ولا حزب يقودهم  ولا أيديولوجية من هنا أو هناك تبصمهم، هم صنعوا بأنفسهم أيديولوجيتهم رغم محاولات البعض قطف ثمرة هذه الصحوة، هم شباب مصر، الذين كدنا فى بعض اللحظات نفقد الامل فيهم، ونصنفهم بجيل الإنترنت وموسيقى التيك تونك، جيل الجل والبنطال الساقط والشعر المشنوق بالصرعات الغربية، ها هم ينتفضون انتفاضة الحياة بعد موات  ويهبون وقفة رجل واحد  لا فرق بين فئة وأخرى ولا مسلم وقبطى، الكل توحد طلبا للمستقبل الافضل.

يا خدام السلطة، وعبدة كل سلطة، ألف باء تاء "أبت" الأمة مزيدا من دروسكم،  أغلقنا اليوم كراريسنا وقد مللنا تعاليمكم ، افتحوا اليوم كراريسكم ، وافتحوا معها عيونكم وآذانكم ، معلم اليوم هو الابن، ألم تعلموا، فقد شب عن الطوق وحطم قيد الوصاية، وسيبدأ اليوم بدرس عملى،  اسم الدرس: "ثورة التحرير"  ، موقعها ميدان التحرير، أبطالها .. شباب مصر، أسبابها .. مكافحة الظلم والفساد ونظام بائد، تاريخها ..بدأ فى 25 يناير 2011 ، وانتهت .... لا لم ولن تنتهى وان انفض الجمع من ميدان التحرير وعاد الشباب الى بيوتهم ، فلن تخمد الصحوة وقد بدأت ، لن يرضى شباب مصر بخيط واحد من نور الشمس، لأنهم أرادو كل الشمس، فمن ذاق حلاوة الإبصار بعد الإظلام ، لا يمكن يوما أن يرضى بالعودة إلى الظلام، فإن عادوا عدنا ..  هل فهمتم الدرس؟.