رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

احذروا خروح الأحياء من القبور !

بقدر ما أوتيت من حب لبلدى التى لا أتمنى يوما أن أراها نارا ودمارا، ولا أرى دماء شعبها مسالا على الأرض، أو كرامته مهانة على أيدى رجال الأمن بموجب الاوامر العليا ، بقدر أملى وطموحى فى التغيير السلمى للنظام كأى دولة متحضرة أو حتى تحاول الإمساك بتلابيب الديمقراطية، بقدر هذا كله حاولت أن أكون موضوعية فى مقالى السابق، وأنا اطالب بتحرك سياسى مدروس ومنظم ، تحرك من الاحزاب السياسية معا ، وورقة سياسية تحملها الاحزاب تضم مطالب الشعب بالتغيير، حاولت أن أكون موضوعية ، وانا استقرئ مسبقا النتائج المحبطة لغضبة 25 يناير، ليس لأننى انهزاميه كما علق أحدهم ، بل لأننى ما زلت أطمح فى التغيير السلمى، ولان  المعطيات التى سبقت ثورة الغضب كانت تنبئ بأن الحكومة ستستميت لإجهاضها أمنيا ، وذلك للاسباب الآتية :

إعلان موعد الغضب أ و المظاهرات كان مسجلا ومعلنا ومرصودا من قبل السلطات الأمنية، واستعدت له استعدادا رهيبا ، حتى أن عدد رجال الأمن فى الشوارع كان يوازى تقريبا المتظاهرين .

غياب عنصر المفاجأة الذى شل السلطة والأمن فى تونس أوقفهم عاجزين أمام ثورة الجياع، انعدم وجودها فى مصر، فلا مفاجأة ولا صدمة، بل كان الأمن مستعدا تماما لامتصاص الصدمة واحتواء الغضبة بالحديد والنار، بل وبالمدرعات .

تأكد النظام الحاكم أن من سيخرجون فى المظاهرات هم من الشباب المثقف أو المتعلم أو حتى نصف المتعلم ، هولاء الذين يتعاطون الانترت ويتعاملون مع مواقع التواصل الاجتماعى كالفيس بوك وغيرها، وهم بالطبع ليسوا بالملايين، وبالتالى تأكد النظام أن من سيخرجون، سيخرجون فى مظاهرات سلمية لشباب متعلم، مع فئات شعبية أخرى، أما الفئات البسيطة جدا والفقيرة جدا، فلم تسمع بنداء الغضبة إلا فى يوم المظاهرات نفسها ، وبالتالى، لم يخرج الجياع من مخابئهم فى عشش الإيواء وبيوت الصفيح، ولم يخرج الأحياء من سكان القبور، لأنهم لو خرجوا لكان لوقفة الغضب شأن آخر من الفوضى والتخريب والإحراق والنهب والسلب، النظام يعرف ذلك تماما .

لهذا كنت أتخوف مسبقا على إخوتى وأبناء بلدى من الخروج حاملين أرواحهم وقلوبهم الهادرة بالغضب على أيديهم، عزلا لا يملكون إلا أصواتهم  فى مواجهة قوات مدججة بالاسلحة الحية والوسائط القمعية من عصى كهربائية وخراطيم مياه وقنابل مسيلة للدموع .

وما توقعته حدث تماما، وحتى لا يغضب منى من اتهمونى بالانهزامية، فقد أثبتت نتائج الغضبة، أن الاستعداد الأمنى تعامل بالحديد والنار مع المتظاهرين، وها هو يطاردهم هنا وهناك، يضرب ويعتقل ويقتل، لكن الأمن والنظام لم يقدرا خطورة استمرارية المظاهرات، وتمسك الشعب بمطالبه، فالاستمرارية هى التى تخيف النظام الآن .

ولكن أىاً كان رأيى الشخصى، فإن الشعب قال كلمته، وأظهر غضبته ورفضه لهذا النظام ، وينتظر الآن سماع كلمة الحكومة، و الذى أفقدنى المنطق والعقلانية التى تحدثت بها فى مقالى السابق، أن الحكومة لم تقل شيئا، لم تخرج عن صمتها الرهيب حتى ولو بتصريح من تصريحاتها السابقة العنترية، تلك التى كانت تخدرنا بها من قبل، لم يخرج بيان رئاسى واحد ، ولا تصريح وزارى واحد تعقيبا على غضب الشعب ليمنحه الامل، او حتى ليقول له إنه فهم الشعب مثلما قالها زين العابدين قبل أن يرحل بساعات مدحورا مصحوبا بكراهية الشعب، باستثناء ما قالة الحزب الوطنى على موقعه الهزيل بأنه تفهم مطالب الشعب .

لم تقل الحكومة شيئا سوى بيان واحد خرج به وزير الداخلية حبيب العادلى، بتهديد الشعب بالضرب بيد من حديد على يد المتظاهرين ومنع التجمهر، واخيرا وليس آخر منع صلاة الجمعة فى المساجد الكبرى، هل هذا كل شئ يا حكومتنا الغراء، هل هذا ما تملكينه من قرارات للاستجابة لمطالب الشعب  .

هل كل ما تنامى الى فهمك من ثورة الغضب، هو كيفية التعامل مع هذه الثورة بالحديد والنار وكل الوسائل القمعية، هل هذا كل ما لديك للشعب الغاضب النازف الما ودما، الشعب الذى خرج أعزل جائعا فى الصقيع ليطالب بحياة آدمية، حياة غير حياة الذل والمهانة، حياة بها رغيف خبر نظيف بحجم يشبع، ومياة بلا مجارى، ووسيلة نقل بلا اهدار للاهمية، وشوارع بلا قاذورات، ومساكن بعيدة عن القبورالتى بات يقطنها آلاف من شعب مصر .

والامر الثانى الذى أفقدنى منطق الحكمة والعقل، الاسلوب القمعى العنيف الذى تعامل به الامن مع الشعب الأعزل، أن

حق التظاهر السلمى حق مشروع تكفله كل مواثيق حقوق الانسان ويكفله الدستور، فهل الأمن الذى أطلق النيران وضرب وسحل وسب وأهان أمن مش من بلدنا، أمن لا يشعر بالكارثة التى يعيشها الشعب على مدى أعوام طويلة من الفقر والمهانة، أمن لا يعانى هو نفسه وأفراده من الاحتياج وتدنى الأجو، أمن يمد فيه بعض رجال الشرطة والمرور أيديهم للمواطنين، للحصول على جنيهات المحبة أو الاكرامية المشفوعة بكلمة " كل سنه وانت طيب "، وإن كان الأمن يعتقد أنه يستمد قوته من النظام، فمن اين سيستمد قوته إذا ما انهار النظام هذا النظام، وكيف ستكون المواجهة الشعبية معه .

هل بيان حبيب العادلى هو رد الحكومة على الشعب الثائر الذى أشعل فى بدنه النار، إن صمت الحكومة أفقدنى منطق العقل والحكمة، وبت أصدق أن الحكومة تريدها نارا ودمارا وخرابا، فماذا ينتظر النظام وبطانته، ثورة اخرى فجائية، ثورة هادرة مدمرة ، ثورة يخرج فيها سكان العشش، والاحياء من سكان القبور، ثورة يحترق فيها الأخضر واليابس، ثورة لا يكون الأمن مستعدا لها بالسلاح وسيارات الأمن المركزى، والمعتقلات، ثورة تطول رجال الأمن أنفسهم .

ان النتائج اللامنطقية التى تحاول الحكومة وضعها الآن أمام غضبة الشعب، بإخراج لسانها لهم، إنما تزيد الامر سوءا، وتشعل مزيدا من نيران الغضب، وتجعل الشعب يفقد الامل، وويل للنظام لو فقد الشعب الأمل فى التغيير السلمى، هذه المرة خرج الشعب اعزل بصوته ورفضه، فما هى الضمانات لان يخرج الشعب هكذا المرة القادمة.

إذا تصورت الحكومة أنها ترسم سيناريو للحفاظ على كرامتها أمام إرادة الشعب برفض التغييرالآن  فهى خاطئة، واذا كانت ترجئ أى قرارات لصالح الشعب حتى تصدرها فى الوقت الذى يتراءى لها، وحتى لا تبدو بمظهر المستجيب الذى خضع لضغوط الشعب فهى خاطئة، فلا ضمانات لأن تكون الغضبة المرة القادمة أنكى وأشرس، فقد اكتسب الشعب جرأة التظاهر الجماعى بشكل غير مسبوق، واكتسب جرأة التصدى لرجال الأمن، والوقوف امام سيارات الشرطة الضخمة وسيارات الاطفاء بخراطيمها غير عابئين بحياتهم، واكتسبوا جرأة تلقى طلقات الرصاص المطاطى وغير المطاطى فى أجسادهم، فماذ بقى بعد ذلك .

احذروا، لم يخرج الشعب ليلهو ويلعب كما تتصورون ، فمصر ليس حديقة هايدبارك البريطانية، التى يترك فيها المرء يصرخ ويعارض دون ان يسمعه احد ليفرغ غضبة صدره ، مصر ليس حديقة هايجد بارك ، مصر شعب وامه، تاريخ وحضارة، إرادة شعب غير مصائره على مر العصور، وتصدى بسواعده لجبابرة الاستعمار .

اذا استمر صمت الحكومة، واكتفت بأوامرها للأمن  لمطاردة المتظاهرين فى حرب الشوارع ، فإن الحكومة بذلك تريدها نارا، وتريد لبقعة الزيت أن تزداد اتساعا، وإذا ما اتسعت واشتعلت بها النيران، لن يطوقها احد ، ولن يردعها أحد ، أنقذوا أنفسكم وانقذوا مصر من خطر قادم لا محالة ، خطر الشعب الغاضب، خطر خروج الاحياء من القبور.