رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الترهل العقلي أخطر على مصر من الفلول

فى إجازة العيد يحلو السمر مع الأهل والصحاب وتبادل الحكايات والذكريات، لكنى أعترف لكم ان هذا العيد جاء مختلفا، جاء مشحونا بمهموم ومتاعب الوطن فى كل جانب، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات المصيرية التى ستحدد مستقبل مصر،

إما إلى الأمام نحو الديمقراطية والعدالة، وإما ردة الى الخلف وسقطة لا ننهض بعدها أبداً ولو قامت ألف ثورة، غير أنى لن أعفيكم من تلك الحكاية، وألتمس عذركم لأنها غير مسلية، لكنها واقعية وتكشف مدى اصابتنا بنوع من الترهل العقلى، وهو ترهل أكثر خطرا من خطر الفلول، لأن الفلول ستتآكل أو تنقرض بمرور الزمن، أو قد تعيد توطين نفسها من جديد مع متغيرات الثورة، أما ترهلنا الفكرى فى العمل والأداء الوظيفى فسيبقى ما لم نسع بأنفسنا إلى التغيير، وسنهوى بمصر من قاع الى قاع لنبقى دوما فى مؤخرة الشعوب او نبقى رواداً فى ركب التخلف.
تجمهرت جموع من البشر منذ السابعة صباحا أمام مكتب الشهر العقارى بالمعادى يوم الأربعاء الماضى، لقضاء حوائجهم من توثيق عقود ومحررات قبل إجازة العيد، ورغم أن مواعيد العمل تبدأ فى التاسعة، إلا أن المواطنين ووفقا لخبرتهم اعتادوا الحضور مبكرا للوقوف فى أول الطابور، أملاً فى الإنجاز السريع، مرت الدقائق ثم ثلاث ساعات، والطابور يزداد طولا، واختناقا، تحول إلى تزاحم ومشادات، وعيونهم ترقب توافد الموظفين بعد موعدهم الرسمى، وبيد كل منهم ساندويتشات للفول أو الطعمية، ولأن المواطنين لديهم خبرة فى عدم إغضاب هؤلاء وإلا كان نصيبهم مزيداً من التأخير، انتظروا حتى أفطر الموظفون، ثم شربوا الشاى الأسود، ثم ترنحوا فى تكاسل للجلوس على مكاتبهم أو خلف نوافذ الخزانة فى العاشرة والنصف، وكأنهم يصورون مشاهد «سلو موشن» وبدأوا عملهم بعيون نصف مغمضة، وأفواه متثائبة، وبطء ممل استنفد صبر البعض.
وفجأة ظهر عامل صيانة للمبنى وخلفه آخر، الأول يحمل «شنيور» والآخر سلماً، وصعد الأول فوق رؤوس البشر لثقب الجدار الملاصق للخزانة، بينما تولى الآخر إبعاد الجموع الواقفة لينفذ ما جاء لأجله، ورغم صوت الشنيور الثاقب للآذان، تناهى عبر الجانب الآخر صوت صرخات سيدة، إنها الموظفة ناظلى بقسم حفظ العقود أهم قسم بالمكتب، كانت تصرخ فى وجوه من قصدوها لاستخراج نسخ من عقود قديمة بأن زميليها قد حصلا على إجازة مبكرة وتركاها بمفردها، وأنها تعانى من هذا العذاب اليومى فى البحث عن عقود وتوكيلات فى مكان ضيق أشبه بالمغارة، يفتقد لكل وسائل الراحة أو حتى الآدمية، وسمعت أحد المواطنين يهمس «لو حريقه ولعت هنا هتضيع مصالح الناس هم ما سمعوش عن الكمبيوتر»، وهمس آخر «هو ما فيش وقت تانى للصيانة بعد مواعيد العمل، ولا لازم يذلونا، دول محتاجين صيانة عقول

مش صيانة حيطان»، وما بين صوت الشنيور وصراخ ناظلى، كانت قصص ومآسى من ضاعت أو تاهت توكيلاتهم تتناثر عبر ألسنة من دفعهم ملل الانتظار الى تبادل الحكايات حول رحلة العذاب بالشهر العقارى ومن رأى بلاء الآخرين هان عليه بلاؤه.
ما حدث فى الشهر العقارى بالمعادى صورة يومية نمطية مكررة فى كل مقار الشهر العقارى بمصر، حيث المقار متآكلة وحالتها المزرية لا تسمح أبداً بالعمل والأداء الخدمى فى قطاع من أهم القطاعات التى تمس ملكية المواطنين العقارية وشئونهم القانونية العامة والخاصة، أما العمل فيتم بصورة متخلفة وعبر موظفين اعتراهم نوع من الترهل العقلى، رغم أن قانون التوظيف بالشهر العقارى يشترط أن يكون هؤلاء محامين على خبرة ودراية بالأمور القانونية، إلا أنى أكاد أقسم أن معظم العاملين بأى شهر عقارى فى مصر ليس لهم صلة بالمحاماة، ومن المصير للسخرية أن بلداناً مثل السودان، ليبيا، الكويت، سوريا، يقوم قضاة نظاميون بالعمل فى الشهر العقارى، وتلك البلدان لا نتصور أبداً أن أنظمتها القانونية تفوقنا تطوراً.
أما العمل فيتم بأسلوب الخمسينيات، باستخدام الكتابة اليدوية والدفاتر مع تجاهل وجود الكمبيوتر فى حياتنا، وإن وجد هذا الكائن كان قديما خربا يعمل حين ميسرة، أما الموظفون آكلو الفول كل صباح، فيتعاملون مع المواطنين وكأنهم عبيد إحساناتهم، وعلى المواطن الرضوخ والصمت، وإلا نال عقاب تعطيل مصالحه، ما يحدث فى مكاتب الشهر العقارى بمصر يحتاج من وزارة العدل الى وقفة وإعادة صياغة، خاصة مع مطالب تحويل هذه المكاتب إلى هيئة قضائية مستقلة تحت مظلة وزارة العدل، ومطلوب أيضا عمل دورات تدريبية للعاملين حول كيفية التعامل مع الجمهور والأداء بحرفية، والتعامل من خلال الكمبيوتر، مطلوب تطوير العقول والأداء قبل تجديد البنايات، فالترهل العقلى أخطر على مصر من خطر الفلول وللحديث بقيه.
[email protected]