عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كل النهاية.. مجرد حفرة2

بأنفاس مختنقة كنت أتابع ما يدور حولى بجزع وقلب ذبيح ، تكورت كل طموحات الدنيا وأحلامها فى لحظة، لتتحول إلى قليل من الأكسجين تجود به الأنبوبة الراقدة بجانبى وهى تنفثه عبر القناع الجاثم على أنفى،

لفحات الأكسجين تتسلل إلى صدرى لأستعيد أنفاس الحياة أو أستبقيها حينا لأن ورقة العمر لم تسقط بعد، ولا يزال بها سطور قد تطول أو تقصر، إذا ما غادرت تلك الغرفة ذات الطلاء والفراش الأبيض، الذى يبدو وكأنه يمهدنا لقبول لون الأكفان، تلك الغرفة التى أكره الرقاد بها كما أكره أن أرى بها أى من البشر، إبرة تغرس فى أعلى كفى، وجهاز الضغط يخنق ذراعى، والدوائر المطاطية المدلاة من أسلاك متشابكة كالأخطبوط تلتقم جسدى لتسجل خفقات القلب المجهد، ويد تمتد إلى من تحت القناع المطاطى البارد لتوسد بفمى بضعة أقراص لمكافحة الجلطة.
منذ أنهيت دراستى، لم أعد أهتم بتشريح القلب أو تذكر أسماء شرايينه، فقط عايشت هذا القلب بأحزانه غالبا وأفراحه النادرة بصبر وإيمان وبكثير من المرح والتفاؤل فى أن الغد أجمل، لكنى بالأمس القريب عرفت من القلب دواخله، عندما ضن على بالنبض، وتقلصت شرايينه لأصاب بأزمة حادة، أنقل على أثرها من مستشفى لآخر فى منتصف الليل، عرفت غلاوة هذا الشىء الصغير المتكور بصدورنا والذى لا يزيد حجمه على قبضة اليد، والطبيب يفاجئنى بآخر ما كنت أتوقعه، قصور بالشريان التاجى، لأبدأ من الآن رحلة علاج لا يعرف سوى الله منتهاها، تبسمت ألما رغما عنى وأنا أستمع لنصائحه، لا إجهاد ولا انفعال، وهل فى الحياة غير هذا زيها الطبيب النبيل، أستميحك عذرا ما كان قلبى يوما ما طفلا مدللاً ولن يكون، كان دوما هدفا لطعنات الغدر من كل ممن أحببت حتى أقرب الأقربين، وكان نصيبه العذاب فى صراعات الحياة وكفاحها بين الغربة والوطن ولم يتريض يوما فى اجازة أو فسحة.
تتكور كل طموحات الحياة لتتلخص فى دمعة خوف على مصيرهم بعدى، وأنا أرقبهم بنصف إغماضة، أولادى الثلاثة ووجوههم تلونت بالذعر والاصفرار، رغم بذلهم الجهد ليكونوا أقوياء، حاول الولد الأكبر أن يكون رجلا مسئولا وهو يقود السيارة لأول مرة دون توجيه منى وبلا رخصة ليحملنى للمستشفى ويده المرتعشة تحاول الثبات، وبجانبى الآخرين وقد تشبثا بذراعى وكأنهما يقاومان بهذا التشبث أى تهديد برحيلى، وقد انخرطت صغيرتى فى بكاء صامت، بعد أن أمرها الأوسط بألا تزعجنى بصوت البكاء أو تكرار السؤال عما أشعر، تكورت كل طموحات الحياة فى دعاء رحمة وجهته صمتا إلى الله بأن يرحمهم إذا ما رحلت، وألا يسلط عليهم من يقهرهم أو يظلمهم، أو زوجة أب تضيع مستقبلهم، الذى دفعت لبنائه صحتى وأجمل سنوات عمرى ، يتمسك الطبيب

باستبقائى فى مربع الغرفة البيضاء بضعة أيام، وأتشبث بخوف أولادى من مفارقتهم، وأن تكون تلك الغرفة آخر ما أراه فى حياتى، وأقرر مغادرة المشفى لأواصل رحلة ترسيم خطوات العلاج وأنا بينهم، آمنة مطمئنة أن أحدهم لن يترك صلاة ولن ينام جائعا، أو يهمل درسا حتى آخر لحظة من عمرى.
بقلب ذبيح وعيون قرحها الدمع والقلق عليهم لا على، يطالعنى المشهد، من كان زعيما عربيا، يتحدى إرادة القدر ويواجه شعبه بنيران الموت، يستخرج من داخل حفرة جريحا ذليلا، لينهال عليه أبناء الشعب المكلوم ضربا فقتلا، قتله شاب يقارب عمر ابنى الأكبر، قتله بكل كراهية الشعب المقهور المقتول بلا ثمن على أرصفة الوطن.. القذافى، كم يساوى الجاه والمال والسلطان أمام هذا المشهد من الكراهية والانتقام، كم يساوى مع تلك النهاية المؤسفة المزرية، وان يلقى فى حفرة قبر غير مأسوف عليه، حفرة لا تقل حقارة عن الحفرة التى عاش بها أيامه الاخيرة مختبئا مرعوبا لتمسكه بالسلطان ولو على جثامين شعبه، ما أشبه اليوم بالأمس، صدام حسين واستخراجه من حفرة، ونهايته المروعة مشيعا بالكراهية واللعنات.
حفرة، النهاية حفرة، لو فكر هؤلاء ان نهاية كل هذه الصراعات مجرد حفرة، أما ضاقت علينا حفرتنا بأعمالنا وتحولت جحيما، وأما اتسعت وصارت قطعة من الجنة، هل يساوى هذا أي مال أو جاه أو سلطان، أن نرسل إلى حفرتنا مشيعين باللعنات ودعاء الشر، أم نشيع مكللين بدموع أحبائنا ودعواتهم لنا بالرحمة والشفاعة، اختلطت لدى الرؤى، آلام القلب بآلام الوطن العربى، شعرت بشىء ساخن يقطر على وجهى، كانت دموع ابنتى تنسال ويداها الفراشتان تلتفان حولى، وأنا أردد بين نعاس الإجهاد ويقظة الحقيقة كلمة حفرة، إنها مجرد حفرة، احتضنتها بقوة حملت كل حب العالم بقلبى لها، لكم، لكل البشر المؤمن بالحب والخير والسلام.
[email protected]