حَالُ الْمُسْلِمِ بَعْدَ رَمَضَانَ
فَإِنَّهُ وَإِنِ انْقَضَى شَهْرُ رَمَضَانَ -عِبَادَ اللهِ- فَإِنَّ عَمَلَ المُؤْمِنِ لا يَنْقَضِى قَبْلَ المَوْتِ، قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} (الحِجْر: 99).
وَقَالَ تَعَالى: {يَّأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} (آل عِمْرَان: 102).
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ». فَلَمْ يَجْعَلْ لِانْقِطَاعِ الْعَمَلِ غَايَةً إِلَّا المَوْتَ.
فَلَئِنِ انْقَضَى صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَإِنَّ المُؤْمِنَ لَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ عِبَادَةِ الصِّيَامِ بِذَلِكَ.
فَالصِّيَامُ لا يَزَالُ مَشْرُوعًا، وَللهِ الحَمْدُ فِى العَامِ كُلِّهِ؛ فَفِى «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» مِنْ حَدِيثِ أَبِى أَيُّوبَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
وَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ثَلَاثٌ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَالأَوْلَى أَنْ تَكُونَ أَيَّامَ الْبِيضِ، وَهِيَ الثَّالِثُ عَشَرَ، وَالثَّالِثُ عَشَرَ، وَالخَامِسَ عَشَرَ؛ لِحَدِيثِ أَبِى ذَرٍّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ! إِذَا صُمْتَ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَخَمْسَ عَشْرَةَ».
وَعَن عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ».
وَعَنْ أَبِى هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تُعْرَضُ الأَعْمَالُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالخَمِيسِ، فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِى وَأَنَا صَائِمٌ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِى الصَّحِيحِ.
وَكَذَلِكَ لَئِنِ انْقَضَى قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ القِيَامَ لا يَزَالُ
فِى «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» عَنْ أَبِى هُرَيرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ، بَعْدَ الْفَرِيضَةِ، صَلَاةُ اللَّيْلِ».
وَالرَّوَاتِبُ التَّابِعَةُ لِلْفَرِائِضِ اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً: أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهُ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاةِ الفَجْرِ.
فَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُا- قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى للهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ، إِلَّا بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ، أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ».
وَالذِّكْرُ أَدْبَارَ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، أَمَرَ اللهُ بِهِ فِى كِتَابِهِ، وَحَثَّ عَليهِ رَسُولُهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
عِبَادَ اللهِ! لَقَدْ تَعَلَّمْنَا فِى رَمَضَانَ الْكَثِيرَ مِنَ الخَيْرِ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَى الخَيْرِ، وَأَنْ يَهْدِيَنَا إِلَى الرُّشْدِ، وَأَنْ يُقِيمَنَا عَلَيْهِ حَتَّى نَلْقَى وَجْهَ اللهِ الْكَرِيمِ.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.