رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

د محمد داود: الدِّراما.. بين سِحْر اللغة واسْتِلاب الصُّورة

د محمد داود
د محمد داود

تتعدَّد طرائق التأثير الدِّرامى - وبالمثل تتنوَّع وظائفها - بتعدُّد القوالب الدِّرامية؛ فمن وظيفة التَّطهير - من عاطفتَى الخوف والشَّفَقة - قديمًا، إلى التسلية والترفيه حديثًا، على أن الأهداف المعلَنة كثيرًا ما تُخفى فى طيَّاتها دوافع أخرى خفيَّة؛ فعادة ما تتشبَّع المادة الفكاهية مثلًا بأبعاد أيديولوجية مُسَيَّسة أكثر عمقًا، وتمرُّ الفكرة مع الضّحكة. فكثيرًا ما ساعدت مسلسلات الترفيه التثقيفى التليفزيونية فى مختلف أنحاء العالم فى إحداث تغيرات سلوكية، ففى مكسيكو سيتى مثلًا، زاد الالتحاق بفصول محو الأمية بواقع تسعة أضعاف بعد إذاعة مسلسل ذى صلة بهذه القضية.

أيضًا لدينا وظيفة النقد الاجتماعى، على طريقة "لغة جلد الذات"، بتقديم رؤية نقدية لكل ما يَكْتَنِف المجتمع من إشْكالات، ومكاشفة أنفسنا بحقيقة ما انْزلق فيه مجتمعنا من أخطاء، ووقع فى براثنه من مثالب على المستويات كافة؛ أخلاقية واجتماعية وثقافية. بيْد أن عددًا من النقاد السينمائيين يتشكَّكون بشأن آليات تَلبِية السينما لهذه الوظيفة، ويتساءلون: إلى أى مدى يمكننا تلقّى ما تقدّمه الدّراما والسّينما كما لو كان إغْراءً بالنّماذج السّيئة أكثر من كوْنه تنفيرًا منها؟! لماذا يولع فنانونا بتقديم الشَّرائح المرْذولة طول الوقت كما لو كانوا يعيشون فى مجتمع أحادى النمط؟!

والحق أن خطورة كل هذه التساؤلات وتلك التحفُّظات تتعاظم إذا أخذنا فى اعتبارنا ما احتلّته الدّراما التليفزيونية من مكانة متميّزة بين أكْثر المواد جاذبية على شاشات القنوات التليفزيونية، وبالتالى تؤهِّلها هذه الجاذبية لتكون من العناصر المؤثّرة بقوَّة فى تشكيل الاتجاهات الفكرية والسلوكية لجماهير المشاهدين، لا سيما إذا علمنا أن الدراسات الميدانية التى تعرَّضت لجمهور الدِّراما تؤكد أن:

هناك خمسة عوامل أو دوافع أساسية لمشاهدة الدراما التليفزيونية؛ وهى دافع التعلم واكتساب المعرفة، ودافع التعوُّد، ودافع التّسلية والاستمتاع، والارتياح، ودافع التفاعل.

وتُستَخْدَم العبارات والألفاظ النَّابية بحجة أن العمل بهذا يكتسب صفة الواقعية، وتعتاد آذان المشاهدين الاستماع إلى هذه الألفاظ والعبارات السّاقطة؛ بل يصبح تداولها واستعمالها فى الحياة اليومية - خاصة فى محيط الشباب - استعمالًا مقبولًا ومألوفًا، بل يراه البعض تعبيرًا عن مجاراة «لغة العصر»، ومع انحطاط لغة الخطاب يصبح كل انحطاط فى السلوك أمرًا طبيعيًّا.

إن تعلّل صُنَّاع الدّراما بأنهم إنما ينقلون الواقع بكل سوءاته! ليس لهم بعذر؛ فبعد مقارنة سريعة بين أسلوب الحوار فى المسلسلات الأمريكية المهمة، ونظيره فى الأعمال الدرامية العربية، نجد المستوى الفنى لغير قليل من حوارنا الدرامى يُكَرِّس لمزيد من الحشو والثرثرة لصالح تسخين المشهد بالعنف اللفظى والمادى. ورفضنا لهذا لا يعنى التخلِّى عن الشرط الفنى الذى يفترض القيام بجهد إبداعى وذهنى خلال كتابة

الحوار الدرامى، وهو أمرٌ ليس بالسَّهْل. وتبقى المهمة الصعبة أننا نحتاج لكاتب مبدع، يتعيَّن عليه أن يُفجِّر اللغة الفنية، ويستخرج سِحْرها المكنون، ليتسامى بالواقع، لا أن ينحنى له!

وأخيرًا.. فإن الدراما فنٌّ حى، وتشكيل جمالى.. ناعم القوة، سحرىّ الأثر، والمشكلة الجذْرية لدينا مشكلة نَص، وهو بدوره الذى يبنى عليه بقية المادة الفنية؛ لأن العمل الدرامى فى النهاية عمل جماعى ومزيج فنىٌّ، فالفن الراقى يحتاج إلى لغة راقية ونص مبدع. وهكذا اللغة هى العصا السحرية التى تفتح الأبواب للإبداع فى العمل الفنى.

< سمات="" لغة="">

بحكم اتّساع قاعدة الجمهور المتعَرِّض لرسائل الدّراما، وتَعَدُّد سماته النوعية والديموجرافية (السن والجنس والمستوى الثقافى والاجتماعى والاقتصادى) من جانب، وضرورة أن تُحَقِّقَ تلك الرسائل الإعلامية فاعليتها، وتمارس سِحْرَ قوتها الناعمة على أغلب هذا الجمهور من جانب آخر، كان بدهيًّا من كُتَّاب النُّصوص الدِّرامية - بدءًا بالكاتب القصصى وانتهاء بالسيناريست (Scriptwriter) - أن يراعوا فى لغتهم الدِّرامية - ما وسعهم ذلك - التزامَ جُمْلَةٍ من السّمات الأسلوبية والفنية فى لغتهم الدرامية المصاحبة للصوت والصورة؛ من ذلك أن تكون هذه اللغة:

< لغة="" الإيجاز="" وتكثيف="" المعنى="" فى="" ألفاظ="" قليلة،="" كما="" فى="" عبارة="" عمر="" المختار="" فى="" فيلمه="" المشهور:="" «نحن="" لا="" نستسلم،="" ننتصـر="" أو="">

< سهلة="" الألفاظ،="" مألوفة="" الكلمات،="" فهى="" لغة="" السهل="">

< واضحة="" المعنى="" قريبة="" المأتى،="" تتجنب="">

< تميل="" إلى="" الاقتباس="" من="" الأمثال="">

< مُرَاوِحَة="" بين="" السَّرد="">

< غير="" وعظية..="" تُغَلِّبُ="" الخبرَ="" على="">

< إيحائية..="" غير="" مباشرة،="" ولعل="" هذا="" ما="" يعطيها="" السحر="">

< ذات="" أبعاد="" ودلالات="" رمزية..="" تجمع="" بين="" العمق="">

مزدوجة الدلالة؛ تمزج بين الكلمة المسموعة بمداها التعبيرى الواسع واللغة الجسدية بآفاقها الرحبة.

 

والحديث موصول إن شاء الله تعالى.

 

[email protected]