رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تغير الفتوي بتغير الأشخاص والأحوال

تغير فتوي المفتي بتغير الأشخاص والأحوال، والشخص اما أن يكون شخصاً طبيعياً أو اعتباريا: والشخص الطبيعي: هو الفرد المتمثل في الانسان وهو يكتسب الشخصية القانونية بمولده، وهو ما تدور حوله أحكام الفقه التراثي، ولذا فإن تغير الشخص الطبعيي يسير، أما الشخص الاعتباري أو المعنوي: فهو مجاز قانوني يعترف بموجبه لمجموعة من الأشخاص أو الأموال بالشخصية القانونية والذمة المالية المستقلة عن أشخاص أصحابه أو مؤسسيه، والتطور الهائل جعل التغير في الشخص الاعتباري أكثر تأثيرا علي الفقه الإسلامي المعاصر.

أما عن العنصر الثاني فهو تغير الأحوال فقد علمنا الرسول «صلي الله عليه وسلم» أن نراعي الأحوال التي تنشأ والظروف التي تستجد، مما يستدعي تغير الحكم إذا كان اجتهاديا، أو تأخير تنفيذه، أو إسقاط أثره عن صاحبه إذا كان الحكم قطعيا، فمن ذلك ما ورد عن النبي «صلي الله عليه وسلم» انه نهي أن تقطع الأيدي في الغزو، كما روي أبوداود، وهو حد من حدود الله تعالي، وقد نهي عن إقامة الحد في هذه الحالة خشية أن يترتب عليه ما هو أبغض إلي الله تعالي من تعطيله أو تأخيره، وهو لحوق صاحبه بالأعداء حمية وغضبا، كما قاله عمر وأبو الدرداء، ونص عليه أحمد وإسحاق وابن راهوية وغيرهم، فلا تقام الحدود في أرض العدو، وقد أتي بسر بن أرطأة برجل من الغزاة وقد سرق مجنة فقال: لولا أني سمعت رسول الله «صلي الله عليه وسلم» يقول: لا تقطع الأيدي في الغزو، لقطعت يدك (رواه أبو داود والترمذي).

وقد روي سعيد بن منصور أن عمر رضي الله عنه كتب إلي الناس ألا يجلدن أمير جيش ولا سرية ولا رجل من المسلمين، أحداً وهو غاز، حتي يقطع الدرب قافلا، لئلا تلحقه حمية الشيطان فيلحق بالكفار (أعلام الموقعين لابن القيم 3/6).

وقد ثبت أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه منع أن يقام الحد علي الوليد بن عقبة وهو أمير في الغزو، وقال: أتحدون أميركم وقد دنوتم من عدوكم فيطمعوا فيكم. وروي أيضا أن سعد بن أبي وقاص لم يقم الحد علي أبي محجن وقد شرب الخمر يوم القادسية. يقول ابن القيم: وليس في هذا ما يخالف نصا ولا قياسا ولا قاعدة من قواعد الشرع ولا إجماعا (انظر أعلام الموقعين 3/6)، وقال الخبازي: وهذا اتفاق لم يظهر خلافه.

وهناك ما يعرف في الفقه بالضرورة الملجئة، وهي أحوال اضرار يقع فيها العبد المسلم مما يكون معه مضطرًا لفعل ما حرم الله، ومن رحمة الله بالعباد أنه في هذه الأحوال لم يجعل عليهم إثماً فيما فعلوه، والناظر غير المتبصر يظن أن الحكم اختلف، وهما في الحقيقة حالان مختلفان لكل حال حكم فحال الاختيار له حكم

وحال الاضطرار له حكم وحالان مختلفان لهما حكمان متغايران لا يقال له تبدل ولا تغير، ولنضرب المثل لذلك، من المعلوم أن الله حرم أكل الميتة، فيحرم علي العباد أكل لحوم الميتات (إلا ميتة البحر)، فمن أكل منها يقال له: هذا حرام، وقد فعلت ما يستوجب عقاب الله. فلو تغير حال أحد الناس وصار في حالة اضرار بحيث إذا لم يأكل من الميتة هلك، هنا يصدق عليه وصف المضطر، وهنا يباح له الأكل من الميتة، والحكم تغير هنا في الظاهر، ولكن في الحقيقة الحكم لم يتغير، وإنما الذي تغير هو الحال التي ترتب عليه الحكم.

ومن أمثلة ذلك ما حصل من غلمان حاطب الذين سرقوا ناقة، ولم يقطعهم عمر، فإنه أحضر عبدالرحمن بن حاطب وقال له: «والله! لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم وتجيعونهم حتي ان أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه حل له، لقطعت أيديهم» (مصنف عبدالرزاق 10/239)، فهذا يبين أن عمر رأي أن هؤلاء في حالة اضرار تدرأ عنهم الحد، وأن عقوبتهم القطع لو كانوا غير مضطرين، وقد عاقب عمر حاطباً علي ذلك وأضعف عليه الغرم.

حدث في عهد عمر عام المجاعة عندما قحط الناس، وتعرضوا للهلاك بسبب الجدب، أصبح كثير ممن يسرق إنما يسرق لاضطراره إلي ذلك ليدفع عن نفسه الهلاك، وهذه حالة تدرأ عن صاحبها الحد، ونظرًا لأن الأمر كان منتشرًا واختلط من يسرق للضرورة ومن يسرق لغير ذلك ولم يمكن تمييزهما من بعض، فصار ذلك شبهة درأ بها عمر الحد في عام المجاعة، فلله دره! ما أفقهه وما أعلمه، ولما زالت المجاعة زالت الشبهة فكان من يسرق يقام عليه الحد، فليس في هذا أيضا تغيير للحكم الشرعي، لأن ما فعله عمر في عام المجاعة كان هو الواجب في مثل تلك الحالة.