عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان

المقصود بتغير الزمان تغير العادات والأحوال للناس في زمن عنه فى زمن آخر، أو في مكان عنه في مكان آخر مهما اختلفت المؤثرات التى أدت الى تغير الأعراف والعادات، وقد أُسند التغيير الى الزمان مجازاً، فالزمن لا يتغير، وانما الناس هم الذين يطرأ عليهم التغيير، والتغيير لا يشمل جوهر الإنسان فى أصل جبلته وتكوينه، فالانسان انسان منذ خلق،ولكن التغيير يتناول أفكاره وصفاته وعاداته وسلوكه مما يؤدى الى وجود عرف عام أو خاص، يترتب عليه تبديل الأحكام المبنية على الأعراف والعادات، والإحكام الاجتهادية التى استنبطت بدليل القياس أو المصالح المرسلة أو الاستحسان او غيرها من الأدلة الفرعية.

وإنما نُسب التغيير لتغير الزمان فى كلام بعض أهل العلم، لأن الزمان هو الوعاء الذى تجرى فيه الأحداث والأفعال والأحوال، وهو الذى تتغير فيه العوائد والأعراف، فنسبة تغير الفتوى لتغير الزمان من هذا الباب،ويعبر عنه ايضاً بفساد الزمان، ويُقصد بفساد الزمان فساد الناس وانحطاط أخلاقهم وفقدان الورع وضعف التقوى، مما يؤدى الى تغير الأحكام تبعاً لهذا الفساد ومنعاً له، وقد اصبح فى انتشاره عرفاً يقتضى تغير الحكم لأجله، وقد حدث مثل هذا فى عصر الصحابة، رضى الله تعالى عنهم، وفى كل العصور الإسلامية، والأمثلة على ذلك كثيرة:

منها: ما رواه البخارى عن زيد بن خالد الجهنى، قال: جاء أعرابى الى النبى صلى الله عليه وسلم فسأله عما يلتقطه فقال: عرفها سنة ثم احفظ عفاصها ووكاءها، فان جاء أحد يخيرك بها والا فاستنفقها، قال يارسول الله فضالة الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب، قال ضالة الإبل، فتمعر وجه النبى صلى الله عليه وسلم فقال: مالك وما لها، معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر،  وفى رواية أخرى عنه: دعها فإن معها غذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها «البخارى ومسلم».

فكانت ضوال الإبل فى زمن عمر رضى الله عنه إبلاً مرسلة تتناتج ولا يمسها احد، حتى اذا كان زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه أمر بمعرفتها وتعريفها ثم تباع «أخرجه البيهقى فى السنن الكبرى»، فاذا جاء صاحبها أعطى ثمنها، وهذا على خلاف ما بيِّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك لفساد الزمان وجرأة الناس على تناول ضوال الإبل وأخذها،ففهم عثمان رضى الله عنه الغاية من أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بترك ضوال الإبل وهو حفظها لصاحبها، فلما فسد الزمان، حافظ على المقصود من حديث النبى صلى الله عليه وسلم،وان خالفه ظاهراً، ولكنه موافق له حقيقة.

أما عن تغير المكان، فيعود الى اختلاف البيئة، حيث إن له أثراً مهماً في تغير الأحكام الشرعية لأن الناس يأخذون بعض الخصائص من البيئة،وهذه الخصائص تؤثر فى العادات والعرف والتعامل، لذلك تظهر عيوب القوانين بوضوح بانتقالها من أمة الى أخرى.

فقد طلب أبوجعفر المنصور من الإمام مالك، ان يكتب للناس كتاباً يتجنب فيه

رخص ابن عباس وشدائد ابن عمر، فكتب الموطأ، وأراد المنصور ان يحمل الناس فى الاقطار المختلفة على العمل بما فيه، فأبى الإمام مالك وقال: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فقد سبقت الى الناس أقاويل، وسمعوا أحاديث، وأخذ كل قوم بما سبق اليهم،فدع الناس وما اختار اهل كل بلد لأنفسهم، فعدل المنصور عن عزمه. «راجع أصول التشريع الإسلامى د. على حسب الله ص85».

وهكذا يقرر الإمام مالك ترك الناس في الاقطار المختلفة أحراراً فى الأخذ بما سبق إليهم، أو اختيار ما يطمئنون اليه من أحكام ما دام هدف الجميع اقامة الحق والعدل فى ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وهناك تأثر ليس من خصائص الناس بل من خصائص البيئة، مثل الأحكام التى خرجت للاستفادة من ماء دجلة والفرات في العراق فى المذهب الحنفى، وقد تتأثر البيئة بالعوامل الجوية كالمطر والقحط والحرارة والبرودة  وغيرها، وهذا يؤثر في حياة الناس وأعرافهم وعاداتهم وتعاملهم، ونتيجة لهذا التغير تختلف الاحكام مثل اختلاف أوقات العمل على حسب درجة البرودة والحرارة أو الاختلافات الأخرى مثل الحال فى القطبين الشمالى والجنوبى حيث تختلف أوقات الصلاة والصوم هناك، وأيضاً يختلف البلوغ عادة فى الاقطار الحارة عن الاقطار الباردة، فالصبى فى سن الرابعة عشرة فى بلد ما يبلغ الحلم فيصير مكلفاً، ونظيره فى بلد آخر لا يبلغ فلا يكون مكلفاً، فسقوط التكليف عن احدهما وقيامه بالآخر ليس لاختلاف الموجه اليهما،بل الخطاب واحد، ولكن الاختلاف فى متعلقه وهو وقوع التكليف على من عاش فى بلد حار فظهرت عليه امارات البلوغ، وعدم  التكليف على من عاش فى بلد آخر ولم تظهر عليه الأمارات نفسها «راجع الحكم الشرعى للصادق الغريانى ص325».

هذا عرض مفصل لتأثير عاملى الزمان والمكان على الفتوى الشرعية فتتغير بتغيرهما وعلى المفتى أن يراعيهما قبل اصدار فتواه، رزقنا الله حسن الفهم وصدق القول والاخلاص فى العمل.