رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

إسلامية الدولة المصرية لا تعني أنها دينية

تبين من خلال ما ذكرناه في المقالات السابقة عن التجربة المصرية أن مصر دولة إسلامية، ولا يعني هذا أنها دولة دينية تسيطر فيها السلطة الدينية علي القرار السياسي، ولا يعني هذا أيضاً أنها دولة كافرة قد أنكرت الدين وتخلت عنه، بل أنها تجربة فريدة استطاعت بها أن تبقي علي  دينها،

وأن تبقي في ذات الوقت علي حرية الاعتقاد المكفولة لأبنائها، واستطاعت أيضا أن تستمر في موكب التاريخ، وألا تخرج أو تنسلخ عن هويتها، وفي ذات الوقت ألا تتخلف عن العالم الذي أصبحت بموجب الاتصالات والمواصلات والتقنيات الحديثة جزءا لا يتجزأ منه، فتراها تشارك في المحافل الدولية، وتلتزم بالقوانين الدولية، وتنشيء علاقات دولية ضخمة لها فيها الريادة والقيادة، وهي تجربة يجب علي المسلمين في العالم أن يدرسوها وأن يستفيدوا منها بحسب ثقافاتهم وتركيبهم المجتمعي.
ونؤكد علي مدخلنا لدراسة التجربة المصرية وهو أن المصريين لم يريدوا، بل ولم يفكروا، في  الانسلاخ من الشريعة، وأن موقفهم من البداية كان موقفا علميا عمليا يهدف الي التطوير ومراعاة الواقع، ولا يهدف الي الانسلاخ والخروج عن الشريعة الغراء،  وبرهان ذلك:
1ـ أن الذي وضع مجموعة سنة 1883م بالفرنسية ثم ترجمها الي العربية هو نفسه قدري باشا وزير الحقانية، صاحب المجاميع المانعة في تقنين الشريعة الاسلامية، من مرشد الحيران والذي قرره علي المدارس الأميرية، وقانون العدل والانصاف في الأوقاف، وكتاب الأحوال الشخصية في أربعة مجلدات وكتاب المقارنات التشريعية وهو دراسة مقارنة بالقانون الفرنسي، وهذه الكتب وضعها للخديو اسماعيل أثناء بحثه في كيفية استقلال مصر عن السلطان العثماني، وعدم ارادة اسماعيل باشا لتطبيق المجلة العدلية التي قننت الشريعة الاسلامية وكانت جاهزة للتطبيق حتي لا يستمر في التوغل في الارتباط بالدولة العثمانية، وهي نفس التجربة التي خاضتها الحركة الوهابية من قبل بصورة أعنف أدت الي قيام حروب بين الدولة العثمانية وإرادة الاستقلال وتمت أيضاً بعد ذلك في الثورة العرابية مع الشريف حسين، مما يؤكد أن هذه الرغبة راودت أذهان الكثيرين من غير وصف الانسلاخ من الدين الذي يسيطر علي كثير من الباحثين أثناء تحليلهم لتصرفات الخديو اسماعيل ومن بعده.
2ـ ويؤكد هذا المعني أن المادة الأولي في مجموعة 1883م تنص علي أنه لا تمنع أي مادة من مواد هذا القانون أي حق مقرر في الشريعة الاسلامية، وعندما رفعت هذه المادة بعد خمس وعشرين عاما سنة 1908 ورد في المذكرة الايضاحية، أنه خلال هذه المادة لم يدع أحدهم أنه قد حرم حقا قد قرر له بالشريعة الاسلامية من جراء هذا القانون، وأنها أصبحت كالمسلمات التي لا يحتاج الي النص عليها، وظل ذلك حتي تم تمصير القوانين وهي العبارة التي كانت تؤكد اتجاه القوانين نحو الشريعة الإسلامية علي يد السنهوري واخوانه.
3ـ الدارس لكتاب مثل كتاب "الكتاب الذهبي للمحاكم الأهلية" الذي وضعه مجموعة من رجال القانون المصريين وقدم له عبدالعزيز باشا فهمي،  وصدر سنة 1933م يتأكد من هذا المعني، ففي المناقشات التي تمت في مجلس النظار يتضح أن هذه الحالة من النقل في بعض الأحيان أو في كثيرها من القوانين الفرنسية، إنما كان لغرض التطوير لا لغرض الانسلاخ في حالة من الحيرة والبحث عن القوة، وكذلك الأحكام الصادرة من محاكم الاستئناف، والتي تتكلم أثناء الحكم عن قضية الثبوت الشرعي وعدمه، وكأن العصر شابه ما شابه مما عكر قبول الشهادة الشرعية، وشيوع الجهل والفقر الذي

يؤدي الي ايقاف الحدود كمذهب عمر بن الخطاب كما فعل في عام الرمادة.
4ـ ويزيد في تأكيد ذلك المنحني الذي حدث بعد ذلك في تطور التشريع المصري واتجاهه دائماً نحو الشريعة الإسلامية، وهو ما قدمناه فيما سبق من الكلام، والذي توج بمحاولات الدكتور صوفي أبو طالب لتقنين الشريعة الاسلامية والانتهاء  في سبعة مجلدات،  وبلجان متخصصة من أهل الشريعة والقانون.
لا يعني هذا أن فترة الحيرة التي بدأت مع تشريعات 1975 في القانون المختلط وتلتها في مجموعة 1983 وما بعدها،  وحتي صدور القانون المدني والمجموعة الجنائية في سنة  1947 ان هذا كان علي حد الكمال أو القبول التام من  كل الأطراف، بل إن اتجاها عظيما اعترض علي ذلك، ورأي أنه نوع من الابتعاد عن الشريعة، وكلمة الابتعاد عن الشريعة لا تساوي كلمة الكفر.
فبعد ما انتهوا من  مجموعة 1883 وعلي رأسهم قدري باشا العالم الحنفي الجليل عرضوها علي مفتي الديار المصرية للتصديق عليها فرفض كما يذكر عزيز خانجي في كتابه "المحاكم المختلطة والمحاكم الأهلية" وكذلك ما قدمناه من اعتراض الشيخ العلامة عبدالله حسين التيدي علي صنيع السنهوري باشا ولكن لم يكن مفتي الديار حينئذ ولا الشيخ عبدالله حسين التيدي واصفا ما يحدث بالانسلاخ أو الردة أو الكفر. وهذه دعوة للباحثين القانونيين أن يقرأوا في الأحداث المتفق علي حدوثها وأن يقرأوا الواقع الذي مرت به البلاد وتعيشه قراءة أخري تكون أكثر واقعية ولا تقع في فخ التكفير ولا ما يؤدي اليه فإن هذا من الأهمية بمكان حتي نرسم مستقبلا أكثر اشراقاً. وهو أيضا ينبه الي  الأهمية القصوي للحفاظ علي المكتسبات التي اكتسبتها التجربة المصرية في دستورها وقوانينها  ونظامها القضائي، وأنها مثال يحتذي فاق أمثلة كثيرة حاولت الذوبان في العصر مثل التجربة التركية، أو حاولت الحفاظ علي الهوية بطريقة معينة مثل التجربة السودانية والايرانية والباكستانية، أو استمرت مع الموروث مثل التجربة السعودية، وكلها تجارب يمكن الاستفادة منها، الا أن التجربة المصرية جديرة فعلا بالاهتمام وبالقراءة المتأنية الوثائقية التي ترجع الي الوثائق مباشرة، ولم يحدث الي الآن أن كتبت دراسة شاملة وثائقية دقيقة لهذه التجربة من هذا المدخل الذي نبهنا اليه وهو ما نرجو أن يقوم به الباحثون في أبحاثهم العلمية الرصينة.

*مفتي الجمهورية