رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«السنهوري» ومشروع الدولة المدنية الحديثة

الدكتور السنهوري حالة يجب دراستها جيداً من خلال رسالته الدكتوراة التي تقدم بها الي السوربون والتي دعا فيها الي البديل الفعلي للخلافة الاسلامية ومن خلال مذكراته المنشورة وكتابه الماتع (مصادر الحق) في ستة أجزاء والذي ذهب فيه علي سبيل الاجتهاد إلي التفرقة بين الربا والفائدة

باعتبار ان الربا هو ربا الجاهلية الأضعاف المضاعفة وأن الفائدة وكأنها مقابل تدوير رأس المال الذي هو أحد عناصر الانتاج الاربعة (الارض - التنظيم - العمل - رأس المال) وهو كلام قد نجده في أدبيات توماس الاكويني في التفرقة بين «INTEREST» و«USURY». يقول الدكتور السنهوري (اننا اذا اقتصرنا علي تقليد هذه القوانين علي اعتبار ان هذه هي الغاية من تطور الفقه الاسلامي لا نكون قد صنعنا شيئاً ويكون الاولي أن نقتبس مباشرة من القوانين العربية... الواجب أن تدرس الشريعة الاسلامية دراسة علمية دقيقة وفقاً لاصول صناعتها ولا يجوز أن نخرج علي هذه الاصول بدعوي ان التطور يقتضي هذا الخروج). وقال: (والذي نبغيه من دراسة الفقه الاسلامي وفقاً لاصول صناعته حتي نشتق منه قانوناً حديثاً يصلح للعصر الذي نحن فيه... القانون النهائي الدائم لكل من مصر والعراق بل ولجميع البلاد العربية انما هو القانون المدني العربي الذي نشتقه من الشريعة الاسلامية بعد تطورها). (القانون المدني العربي مجلة القضاء «نقابة المحامين في العراق» العددان 1 و2 سبتمبر عام 1962). ويتبين من هذا مشروعه الفكري الذي كان يأمله وحققه بهذه الطريقة حيث شارك في وضع التشريع العراقي والتشريع الاردني، ولقد وضع المصريون دستور 1923 ولقد وضع بلجنة اشترك فيها علامة زمانه الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية بعد أن ترك منصب الافتاء في سنة 1920، والشيخ محمد بخيت المطيعي علم من أعلام القرن العشرين في علمه واتساع أفقه واجتهاداته التي ملأت الآفاق ويصف كثير من المحللين دستور 1923 بأنه أشد ليبرالية مما تلاه من الدساتير وظلت الدساتير المصرية تأخذ في الاقتراب من الشريعة علي النهج الكامل في نفسية السنهوري باشا وتلامذته حتي الدستور الاخير الذي نص علي أن مصر بلد اسلامي وأن التشريع الاسلامي هو المصدر الرئيسي مع بقاء ليبرالية الدولة وديمقراطيتها، واختلط علي كثير من الناس أن هناك سلطة دينية في البلاد والأمر غير ذلك السلطة الدينية تتمثل في الاغلبية الكبيرة للمسلمين وهم متدينون بطبعهم وتاريخهم وواقعهم مما يحدث اشكالية فريدة أمام النظام الليبرالي والديمقراطي في العالم بل ان كثيراً من كهنة الديمقراطية لا يعرفون المعني الدقيق لكلمة الثقافة السائدة التي نراها في المجتمع الالماني المعاصر ويرونها مسألة ذات مفهوم هلامي أو غامض علي الاقل. ولكن التجربة المصرية تضع هذه المسألة علي محك التجربة والفكر البشري ومعني هذا  بتطبيق قواعد الليبرالية والديمقراطية وعدم التخلي عنها وصلنا الي ذلك الدستور ووصلنا أيضاً الي محكمة دستورية تراقب القانون طبقاً للشريعة الاسلامية وقام المنظرون ليفرقوا بين الدين الاسلامي والحضارة الإسلامية وأن شعب مصر بكل طوائفه وأديانه مندرج تحت هذه الحضارة ولا يريد أن يخرج عليها ولذلك نري الدعوة الي العودة الي اللغة القبطية لا تؤيد حتي من قبل أقباط مصر ونري الدعوة أيضاً لما أثير من كتابة اللغة العربية بالحروف الاجنبية الافرنجية في العشرينيات لا تلقي قبولاً وتموت مع الدعاوي التي ظهرت وماتت ونري أيضاً أن الدعوة الي استعمال العامية مع مستر كوكس في أواخر القرن التاسع عشر والذي تتبعتها الدكتورة نفوسة زكريا في كتابها الماتع (عن تاريخ الدعوة الي العامية في مصر) والمطبوع بدار المعارف بالاسكندرية حيث بينت فيه قيام هذه الدعوة وسقوطها. واذا كان السنهوري باشا وهو ينص علي الفائدة في القانون المدني ويحددها بنسبة بسيطة ولا يقر الربا ويفرق هذا الفرق بين

الفائدة والربا كما فصله في مصادر الحق فإنه يحاول أن يجعل القانون المدني كله خالياً عن شائبة الانسلاخ عن الشريعة وبالمثل فإن المناقشات التي حدثت في أواخر القرن التاسع عشر حول القانون الجنائي وانه يخلو من مسألة اقامة الحدود أثيرت فيها قضية مفهوم عصر الشبهة وهو اننا نمتثل الي الشريعة حينما نسكت عن قضية الحدود من غير إنكار لها بل نقر بأن الله سبحانه وتعالي جعل حدود بإزاء تلك الجرائم الحدية كالسرقة والزنا والقتل ونحوها إلا أن هذه الجرائم تندرج تحت قاعدة عامة شرعية وهي قوله صلي الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فان الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) (رواه الترمذي) ويؤخذ منه القاعدة المشهورة (ادرءوا الحدود بالشبهات) وأن عصرنا الذي نعيش فيه مع اتساعه وتغير ذمم الناس وفقد شروط الشهادة الواردة في كتاب الفقهاء جعله عصر شبهة مما يناسبه السكوت عن الحدود في القوانين وهذا يماثل ما فعله عمر بن الخطاب عندما أوقف الحدود في عام الرمادة ولم يكن ذلك إنكاراً له لأحقية الحد ولا تعطيلاً للشريعة وانما كان اشارة لتطبيق الشريعة بشروطها ومن شروط الشريعة أن تتوافر حالة معينة اذا ما فقدت لا يطبع الحد وهذا من عين الشريعة وليس من غيرها. هذا الفكر سواء كان صحيحاً أم خطأ وسواء كان اجتهاداً صائباً أم جانبه الصواب وسواء أوافقنا عليه أم خالفناه فإنه هو الذي حكم الآباء الواضعين للقانون الجنائي وكانت هناك تجارب أخري في خارج مصر تتمثل في ذكر تلك الحدود في القوانين مع ايقافها بما أسموه للظرف الدولي وهو معني قريب من وصف العصر بالشبهة لكن وصف العصر بالشبهة في رأيي أدق. وفي تجربة أخري ذكرت الحدود في القوانين وأوقفها القضاة وفي تجربة ثالثة ذكرت الحدود في القوانين ونفذت مع اكتنافها في تنفيذها من مشكلات، وعلي كل حال فان كلامنا هذا يدعو الباحثين الي قراءة التجربة المصرية بقراءة مختلفة عما تقرأ عليه الآن. لقد قرأت أنها تجربة ليبرالية محضة وقرأت أنها ليبرالية فاشلة وقرأت أنها اسلامية متطرفة وقرأت أنها كافرة مرتدة ويبدو ان من ذهب الي كل ذلك قد جانبه الصواب وقد أخطأ خطأ بليغاً في حق نفسه وفي حق مصر وتجربتها وفي حق الشباب الذي ضلل في وسط هذا الخضم الهائل من التطرف علي الجانبين (يتبع).

-----

*مفتي الديار المصرية