رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رائحة المسرح

أذهب إلى العروض المسرحية وأنا فى حالة من السعادة.. فالمسرح هو الفن الأثير والمحبب إلى نفسى.. ولكن وكثيراً للأسف ما يحدث ذلك.. مع استنزاف الوقت.. تصيبنى حالة من اللوعة والأسى!! وأكاد أصرخ بصوت عال!! ما هذا الذى يقدم؟ هل هذا هو المسرح؟؟

وكيف يستطيع الممثلون والممثلات الصمود أمام اللامعنى الذى يجتروه كل مساء؟؟ إنها عروض.. ولكنها ليست عروضاً مسرحية فالخطب الرنانة والصراخ. والمجاميع الكبيرة.. والديكور.. والإضاءة والرقص والغناء.. لا تصنع حالة مسرحية.. يتفاعل معها ويعيش معها الجمهور.
لذا كانت سعادتى بعرض (ساحرات سالم) الذى يقدم على مسرح الطليعة، تأليف الكاتب الكبير (أرثر ميللر) وإخراج المخرج السكندرى الشجاع (جمال ياقوت) إنه عرض تشم فيه رائحة المسرح التى افتقدناها.. حكاية محبوكة.. شجن.. صراع داخلى وخارجى.. مشاعر نبيلة وراقية تتصارع مع مشاعر دينية متعصبة.
لقد كتب (ميللر) النص عام 1953 من القرن الماضى.. رداً ونقداً للجنة التى كونها الكونجرس والتى عرفت بلجنة مكارثى لمحاربة المد الشيوعى والحقيقة أنها كانت تحارب كل فكر حر ومستقل.
المسرحية تدور فى قرية صغيرة، حيث استطاعت الفتاة الصغيرة اللعوب (ابيجل) الانتقام من حبيبها السابق (جون بروكتور) والذى تاب عن فعل الخطيئة معها، وعاد إلى زوجته الطاهرة المحترمة (إليزابيث).. لقد ادعت أن زوجة (بروكتور) تمارس السحر والهرطقة.. بدأت الحكاية بفتيات يرقصن ويلعبن وانتقام صغير من فتاة صغيرة ولكن مع التعصب وضيق الأفق الذى يتمتع به القاضى (دانفورت) دخلت القرية فى محنة أو بوتقة صهرت الجميع، وامتدت بشرها حتى قتل الكثير وعلى رأسهم (جون بروكتور) نفسه إنها رسالة إلى المجتمع فى هذه الظروف.. انبذوا التعصب لا تحرقوا الوطن.
إنه نص جميل كتبه مؤلف أمريكى كبير وككل الأشياء الحقيقية مازال صالحاً لنا  وبعد أكثر من خمسين عاماً.. وقد تعامل جمال ياقوت مع هذا النص الشائك باحترافية عالية.. فاختصر بعض الأحداث وعرض مكثفاً.. يركز على قلب وجوهر النص دون ثرثرة إخراجية أو استعراض عضلات.. بل قفز مباشرة فى قلب الحدث وأدخلنا معه فى المحنة التى يعيشها أهل القرية حتى قتل (بروكتور) وهو مشهد النهاية البديع.. لم يحدث للمتفرج انفراحة ولا تطهير.. بل الإحساس بالخسارة التى نراها ونشاهدها على المسرح ونعيشها كذلك مع الحياة.
استخدم جمال ياقوت ديكوراً تعبيرياً.. ومع ذلك كانت الملابس واقعية ولا أعرف لماذا استعان المخرج برقصات (عاطف عوض) لتجسد شطط ونزق الفتيات.. فكانت مفسرة ومكملة وليس عبئاً على الدراما؟
أما الممثلون.. فقد كانوا مفاجأة حقيقية فكلهم شباب صاعد..

إمكاناته وقدراته مازالت طازجة.. سمر علام التى قامت بدور (ابيجل) فتاة صغيرة حركتها سلسلة استطاعت أن تقدم تقلبات الشخصية بين الفتاة اللعوب المحبة والحالة الهيستيرية أو البراءة المزعومة المصطنعة فى يسر وبساطة.. محمد على إبراهيم فى دور (دانفورت) القاضى ضيق الأفق المتعصب الذى يمارس الأحكام بالقتل والتعذيب بدم بارد.. قدم الدور بفهم عميق.. فلا انفعالات زائفة زاعقة.. ولا صوت يعلو دون ضرورة.. وتوافق تام بين نبرات الصوت وحركة الجسد.. إنه ممثل مسرحى بارع يحتاج إلى فرص أكبر ليفصح عن إمكاناته وقدراته العالية (رفيف) التى قامت بدور (إليزابيث) مشروع نجمة مستقبلية جميلة فارعة.. ومؤثرة فى دور الزوجة المؤمنة المفجوعة فى زوجها والتى لم تتنازل أبداً عن مبادئها ولا زوجها فى أحلك الظروف.. إنها شخصية نبيلة قدمتها (رفيف) بأحاسيس صادقة.
(رشا سامى) دور صغير وأداء متميز وصادق.. (عصام سلطان) القسيس هيل، متفهم وواع لحدود دوره الطيب.. (سميحة عبدالهادى) ممثلة كبيرة فى دور صغير أضافت إليه ولم يحذف منها شىء.
وفى النهاية لدينا بطل العرض (رامى الطنبارى) الذى قام بدور (جون بريكتور) طوال العرض وأداؤه يتأرجح بين الإجادة أحياناً والانفعال الزائد أحياناً أو الافتعال الزائف والصدق الفنى.. إنه دور مركب تأرجحنا معه فيه!!
وفى النهاية تحية إلى الجميع وإلى مدير فرقة الطليعة ماهر سليم لتقديمهم عرضاً مسرحياً بحق وحقيقى.
> > > > > >
> جمال ياقوت مخرج سكندرى يثبت أن المواهب فى جميع أنحاء مصر وليست مقصورة على القاهرة.
> > > > > >
> مسرح الطليعة فى العتبة كان فى الماضى وسط البلد.. والآن يعتبر منطقة نائية!! فكيف سيصل إليها جمهور المسرح؟؟