رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

سر السحابة السوداء

نعيش فى مصر منذ سنوات بعيدة فى غياهب سر احتار فى كشفه الجميع: أسبابه وكيفية علاجه.. وهو سر السحابة السوداء التى تظلل وتتخلل أجواء مصر المحروسة ـ القاهرة ـ منذ نهايات الصيف حتى أواخر خريف كل عام.

وتناوب على وزارة البيئة وجهاز حماية البيئة وأكاديمية البحث العلمى ومراكز البحوث والجامعات عشرات المسئولين والباحثين الذين بذلوا جهداً كبيراً للوصول إلى أسباب تكرر ظاهرة السحابة السوداء ووضع الحلول للتخلص منها بلا فائدة.
قالوا قش الأرز ومداخن المصانع وقمائن الطوب وحرائق الريف وغيرها، ولم نجد إلى الآن أثراً ناجعاً يوقف تحدى هذه السحابة لصحة المصريين وسلامة هوائهم من الدخان والتلوث الذى يصيبهم ويصيب أطفالهم بالأمراض والسعال والحساسية والاختناق وأمراض الصدر وغيرها.
وما أود أن أنبه إليه هنا أن هذه السحابة السوداء ليست ظاهرة حديثة أو معاصرة، وإنما هى ظاهرة قديمة قدم بناء القاهرة! وما حرق قش الأرز أو مداخن القمائن والمصانع إلا عوامل مساعدة ضاعفت من الظاهرة الموجودة أصلاً!
ودعونا نعيد قراءة «الخطط المقريزية» التى كتبها المؤرخ تقى الدين المقريزى وأرخ فيه لتاريخ مصر والمصريين.. ومدن وأقاليم مصر بالتفصيل، وجغرافيتها ومناخها وكل تفاصيلها فى القرون الوسطى.
ففى مطلع الجزء الثانى من هذا المرجع التاريخى المهم.. مفاجأة! نعم مفاجأة بكل المقاييس.. فى أول وثانى صفحة من الجزء الثانى من خطط المقريزى نجد رصداً للسحابة السوداء! وتعالوا نقرأ معاً ما خطه المقريزى:
«متى نظرت إلى الفسطاط من مكان عال رأيت وضعها فى غور ساخن محتقن البخار لأن

ما حوله من المواضع الحالية يعوق تحليل الرياح له، وفى خلالها مستوقدات عظيمة يصعد منها دخان مفرط، وهى أيضاً كثيرة الغبار لسخانة أرضها حتى أنك ترى الهواء فى أيام الصيف كدراً ويتسخ الثوب النظيف فى اليوم الواحد، وإذا مر الإنسان فى حاجة لم يرجع إلا وقد اجتمع فى وجهه ولحيته غبار كثير، ويعلوها فى العشيات بخار كدر أسود وأغبر لا سيما إذا كان الهواء سليماً من الرياح (إذا كان الهواء راكداً) فمن البيّن أن أهل هذه المدينة الكبرى بأرض مصر (يقصد القاهرة) أسرع وقوعاً فى الأمراض من جميع أهل هذه الأرض».
انتهى هذا الاقتباس باختصار وتصرف بسيط للإيجار وأعيد توجيه انتباه القارئ إلى عبارة المقريزى (بخار كدر أسود) فى رصده ووصفه للسحابة السوداء التى تظلل سماء القاهرة منذ أكثر من ألف عام ونيف.
فهل نعيد التفكير فى هذه الظاهرة مجدداً باعتبارها ظاهرة جغرافية طبيعية تحتاج حلولاً غير تقليدية ولا تكتفى بإرهاق الفلاحين وتغريمهم لحرق قش الأرز؟!
[email protected]