الفضائية المصرية . .
إن الفضائيات الرسمية للدول هى صورة وصوت كل دولة للعالم الخارجى ، تعبر عنها وتتبنى وجهة نظرها وتكون أداةً هامة من أدواتها فى تحقيق أهدافها .
والأهداف الإستراتيجية لفضائية الدولة لابد أن تتسق وسياسة الدولة ، والتخطيط البرامجى لها لابد أن يترجم تلك الأهداف بالشكل الإعلامى المناسب .
تُعد الفضائية المصرية من الفضائيات كبيرة الإسم و صاحبة التاريخ ، فهى شاشة نابعة من الإعلام المصرى صاحب الرصيد الكبير فى المنطقة العربية ، إلا أن منحنى نجاحها يتراوح بين الصعود أحياناً والتراجع فى أحيانٍ أخرى ، وقد يعود ذلك إلى إختلاف قدرات رؤسائها ، ورؤية القيادة الإعلامية المصرية فى الفترات المختلفة .
إن بداية نجاح وتميز أى فضائية ( مازلت أتحدث عن الفضائيات الرسمية وليست الخاصة ولا المتخصصة ) يبدأ بإنتاج برامجى خاص بها ولا تكون نافذة لإعادة برامج القنوات الأرضية ، وكذلك لابد من إنتقاء العاملين بها من مذيعين ومعدين ومخرجين بمعايير تتناسب مع إستراتيجية القناة ، مع الحرص الدائم على أهمية التدريب المستمر والتثقيف المتواصل من أجل الإلمام بتطور الأوضاع فى المنطقة بشكل عام ، ومتابعة سياسة الدولة بشكل خاص ، إضافةً إلى مواكبة مستجدات الإعلام وتكنولوجيا الإتصال .
ومن الهام جداً تحديد الجمهور المستهدف للقناة ــ على تنوعه ــ بشكل علمى ، وتقسيم هذا الجمهور وفقاً لمحددات ديموجرافية وجغرافية وغيرها ، حتى يتسنى مخاطبة ذلك الجمهور بإختلاف فئاته بشكل فعال ومؤثر .
إن مصر صاحبة تجربة ناجحة فى ماضٍ قريب وهى إذاعة صوت العرب ، والدور الذى لعبته أثناء ثورات التحرر العربى فى منتصف القرن الماضى ، فقد كانت إذاعة صوت العرب من أهم أدوات السياسة المصرية فى تلك المرحلة الهامة من تاريخ الأمة العربية ، وقد أدت دورها بنجاح فى هذه المرحلة ، وكانت آذان الشعوب العربية تتوجه نحو موجة صوت العرب ، وكانت العقول والقلوب العربية تتعلق بأثير صوت العرب .
لقد شهدت وسائل الإتصال تطوراً كبيراً كماً وكيفاً ، وتعددت من إذاعة وتلفزيون وفضائيات وإعلام إلكترونى ، وزاد عليها كذلك وسائل التواصل الإجتماعى ، وهو ما يستلزم تطوير الوسائل القديمة أو مايُطلق عليه وسائل الإتصال التقليدية ( إذاعة وتلفزيون وصحافة مطبوعة ) ، تطويرها فكراً وتنفيذاً ، تطويرها شكلاً ومضموناً ، حتى تستطيع البقاء وتقوى على المنافسة ، فالوسائل الجديدة ليس بالضرورة أن تقضى على الوسائل القديمة ، ولكن الوسيلة التى لن تتطور هى التى ستندثر .
ومع هذا التعدد والتنوع إشتدت المنافسة ، ومع حدوث متغيرات إقليمية علت النبرة الذاتية فى العالم العربى ، ومع ضيق النظرة الأقليمية للمُخطِط الإعلامى المصرى فى فترة من الفترات ، فقدت الفضائية المصرية بعضاً من تميزها وتفردها ، وقل تأثيرها فى المحيط العربى ، وهو ما يدعونا إلى العمل على تعويضها ما فقدته فى أزمنة فائتة ، لتلحق بركب المنافسة .
ومازال المُنتَج الإعلامى المصرى يلقى قبولاً عربياً حين يكون جيداً ، لذا يجب أن لا نغفل الجمهور العربى فى برامج الفضائية المصرية ، فهذا الجمهور يجب أن يجد نفسه على شاشة الفضائية المصرية عبر التواصل معه من خلال تقديم ما يهمه وما يستهويه ، ما يريده وما يحتاجه ،ما يخصه فى بلده وما يتابعه فى بقية الوطن العربى ،
وكذلك فالمرحلة الهامة التى يمر بها العالم العربى تجعلنا فى حاجة إلى صوت وصورة عربية موضوعية ، تُجّمع ولا تُفّرق ، تُعظّم جوانب الإتفاق وتبتعد عن هوامش الإختلاف ولو إتسعت ، تتسع للجميع دون إقصاء ، تُغلّب المصلحة العامة للأمة على المصالح القطرية الضيقة ، تكون صوتاً للعقل والحكمة لا بوقاً لشعارات ومهاترات ، تكون صوتاً للضمير الوطنى لا صوتاً لقوى خارجية لاتبتغى لنا سوى الفرقة والتشتت ، تكون أداة وحدة لا بذور فرقة ، تكون لبنة بناء عالم عربى لامعول هدم للتجمع العربى ، تكون شاشة نلتف حولها ولا نختلف عليها ، تكون قبلة إعلامية عربية .
ومَن أَوْلى من الفضائية المصرية بتلك المهمة السامية ، ومن غيرها قادر على تحقيق هذا الحلم العربى ، ومن دونها أجدر بتحمل تلك المسئولية الوطنية ، إنها فضائية مصر بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ .
وما يجلعنى آملاً فى تحقيق ذلك هو وجود قيادة واعية صاحبة خبرة متراكمة و فكر متجدد ورؤية متميزة مثل "عصام الأمير" على رأس قطاع التلفزيون الذى تتبعه الفضائية المصرية ، فهو قادر ــ بمعاونة زملائه من العاملين بهذه القناة ــ على الإرتقاء بها إلى صدارة المشهد الإعلامى العربى ، لتحتل المكانة التى تستحقها ونرجوها لها ، والعمل على تفعيلها كأداة للقوة الناعمة للسياسة المصرية والعربية .