رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

مشاركة .. مغالبة .. إستحواذ

قبل بدء الإنتخابات البرلمانية فى مصر كان حزب " الحرية والعدالة " الجناح السياسى لجماعة الإخوان المسلمين يعلن دائماً وبصوت عالٍ إنه يسعى إلى المشاركة ولا يبتغى المغالبة ، بل وحدد نسباً مقبولة جداً لمشاركته ، وأعلن وكرر أنه لن يسعى إلى كرسى الرئاسة فى هذه المرحلة .

وجاءت نتيجة الإنتخابات لتعلن عن مغالبة واضحة ، وإلتمس المفسرون الأسباب والمبررات لذلك ومنها ضعف بقية التيارات السياسية التى إكتفت بالظهور الإعلامى وهو غير كاف للنجاح فى الإنتخابات ، أو إنشغلت بالمليونيات وهى أيضا لاتخلق قاعدة شعبية إنتخابية ، وإعتبرنا أن تلك النتيجة جاءت ثمرة جهد هذا التيار ، وغضضنا البصر ــ جميعا ــ عن الأساليب الإنتخابية المستخدمة وإستغلال حاجة الناس الشديدة ، وأغفلنا عدم الوعى السياسى المتفشى فى المجتمع ، وتناسينا الضعف الشعبى أمام كل من يتحدث باسم الدين ، ولم نسأل عن الأموال الطائلة المستخدمة فى الدعاية .
ومرت شهور لم نجد فيها داخل البرلمان ما يهم المواطن من مشروعات أو حلولاً عملية لمشكلاته .
ثم بدأت معركة الحزب الغالب مع الحكومة ، والتى لايجد لها الكثير من المحللين السياسيين أى مبرر ، خاصة وأن ما تبقى من عمر هذه الحكومة ــ وفقا لخارطة الطريق ــ سوى أيام معدودات ، وهذا ليس معناه الرضا عن أداء هذه الحكومة التى آثر رئيسها أن تكون حكومة وكلاء الوزارة ، حتى وإن كان بعضهم لايسمح له تاريخه بإعتلاء كرسى الوزارة ، وقد قبلتموها وقبلناها ، وبدلا من أن يكون نهجكم فى التعامل مع الحكومة نهجا حوارياً ومنهجاً تكاملياً ، إخترتم منهج المهاجمة وفى بعض الأحيان تطاول أعضاء مجلسكم على بعض أعضاء الحكومة ، وهو منهج تعامل مرفوض بين أطراف تمثل النخبة السياسية ، ثم علت نبرة إقالة الحكومة وسحب الثقة منها ، وبإصرار شديد يبعث على الشك فى النوايا ، فالمنطق السياسى البسيط يقول ضعوا توجهاتكم أمام الحكومة وإعلموا إمكانياتها ، ودعوها تعمل فى هذه الأجواء غير العادية التى تمر بها البلاد ، ودعونا نلتفت للخطوات المتبقية حتى نصل إلى نهاية الطريق بسلام ، إلا أن هذا المنطق لم يجد له طريقاً لديكم وزاد إصراركم على تغيير الحكومة ، بما يعنى لدى المتابعين أنكم تسعون لتحقيق أهداف لايعلمها سواكم ، أو أن خلافات نشبت بينكم لانعلم أسبابها ولكن نلحظ تداعياتها .
وقبل ان تنتهى موقعتكم مع الحكومة أشعلتم أزمة أشد بأساً ، وهى اللجنة التأسيسية للدستور ، وكان تشكيلكم لهذه اللجنة صفعة قوية للقوى السياسية وصدمة شديدة للشعب كله ، وبنفس الإصرار تستمرون وتمضون فى طريقكم الذى لايسع سواكم ولايقبل غيركم ، لقد عبر تشكيلكم لهذه اللجنة عن تعالِ واضح على بقية القوى السياسية ، وأنانية مفرطة فى التعامل مع الآخرين ، وإهمال شديد لصالح الوطن .
الدستور يا سادة لاتصنعه أغلبية ، ولا هو نتاج فكر فصيل بعينه ، لقد تناسيتم أن لكم شركاء فى الوطن ، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات ، هم فقط يختلفون فى شرائعهم وشعائرهم ، ودستور الوطن لابد أن يضمن لهم ذلك وفق رؤيتهم وفى إطار الوطن الواحد ، وذلك لايكون إلا بتمثيلهم تمثيلاً موضوعياً داخل هذه اللجنة ، ولقد تناسيتم أن لكم شركاء فى الفكر ، فالتيارات السياسية المصرية متعددة ، وتمتد من اليمين إلى اليسار ، ولهم الحق جميعاً أن يكون لهم صوتهم داخل اللجنة ، ولقد تناسيتم أن مصر عامرة بفئات مجتمعية وطوائف سكانية وتوجهات ثقافية متعددة ، لابد لها جميعاً أن تعبر عن نفسها أو يُعبَر عنها داخل هذه اللجنة ، لنصل فى النهاية إلى دستور وطن كامل ، وليس لائحة تنفيذية أو رؤية حزبية تحمل توجهاً أحادياً لفصيلِ واحد .
وجاءت الصدمة الكبرى فى إعلانكم الدخول فى سباق الرئاسة بمرشح من لدنكم ، هذا السباق الذى أعلنتم مراراً وتكراراً أنكم لن تخوضوه ، وما يلفت الإنتباه فى هذا الأمر ،

أن إعلانكم عن المرشح الرئاسى جاء من خلال الجماعة وليس الحزب وحده ، مع أن الأحزاب السياسية هى المخول لها هذا الحق ، ومن دونها يكون مرشحاً مستقلاً ، فها أنتم تعلنون مرشحاً سياسياً لجماعة " دعوية " ، وهو تصنيف جديد  لمرشحى الرئاسة ، وإعلانكم بهذا الشكل يلغى أى فصل بين الجماعة والحزب ، حيث أن الإشكالية الأكثر تعقيداً هى أيهما الأعلى سلطة لديكم : المرشد العام للجماعة التى إختارت المرشح أم نائب المرشد الذى سيكون رئيساً للجمهورية ؟ وأيهما سيكون له الولاية على الآخر ؟ وهل ستكون الدولة هى الحاكمة للجماعة أم تستحوذ الجماعة على حكم البلاد ؟ ووقتها ــ لاقدر الله ــ  أين سيكون مقر الخلافة : مصر أم تركيا أم قطر ! 
لقد عانى الشعب كثيراً من تزاوج الثروة والسلطة فى النظام السابق ، وأنتم الآن تدعون الثروة لتعقدوا عليها عقداً شرعياً ــ من وجهة نظركم ــ على أعلى سلطة فى البلاد ، وكأنكم لم تتعظوا من دروس الماضى القريب .
إن هذا السعى الحثيث نحو الإستحواذ على كل السلطات إستعدى جميع التيارات السياسية والفكرية ، ودق ناقوس الخطر فى آذان الشعب بأكمله ، هذا الشعب الذى يرفض بشدة إستحواذكم ــ أو إستحواذ غيركم ــ على كل السلطات ، ويرفض إقصاءكم لبقية الأطراف ، ويرفض إنتهاجكم لنهج نظام سابق سعى نفس سعيكم ، وتعلمون حصاده ومصيره .
لقد تخطيتم مرحلة المشاركة سريعاً إلى مرحلة المغالبة ، والآن تقفزون بشكل أسرع إلى مرحلة الإستحواذ ، فما يحدث الآن لايعنى سوى رغبتكم الجامحة فى الإستحواذ على هذا البلد الأمين .
إن تلك التصرفات التى تقترفوها جعلت الشعب يفيق ، ويصل إلى لحظة المراجعة ــ فى وقت أقرب بكثير من كل التوقعات ــ ليقارن أقوالكم بأفعالكم ، وليراجع تنفيذكم لعهودكم ، وليختبر مصداقيتكم ، تلك المصداقية التى هى حجر الزاوية فى عملية الثقة السياسية التى يمنحها الشعب لأى تيارسياسى يختاره ، فإذا إهتزت المصداقية وتراجعت ، إختلت الثقة وتلاشت ، وعندئذ تكون الخسارة السياسية فادحة ويصعب تعويضها .
إن الشعب المصرى يرفض الصوت السياسى الواحد لأنه عانى منه كثيراً ــ وعانيتم معه ــ ، ويبغض تزاوج الثروة والسلطة لأنه مازال يعانى من تبعاته ــ وتعلمون ذلك جيدا ــ ، فإن أصررتم على المضى فى توجهاتكم ، ستصلون بالبلد إلى نقطة ما دون الصفر ، ولن يغفر الشعب والتاريخ  لمن يسوق الوطن لهذا المصير ، لاقدر الله ،  و ندعو الله مخلصين أن يحفظ الوطن من كل سوء ويقيه شر كل الفتن ويحفظه من كل الأطماع .