رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

اسكبوا الماء على شعلة الحرية

 

"تم إحقاق العدالة"، قالها الرئيس الأمريكي معلقا على نجاح عملية اغتيال أسامة بن لادن الذي وصفه أوباما بــ"الإرهابي المسئول عن موت آلاف الأبرياء". و ما أن أنهى باراك أوباما كلمته حتى اهتزت أرجاء الكوكب تصفيقا و تهليلا لأمريكا، مخلصة الأرض و منقذة البشرية. فقد قضى "أكبر سفاحي التاريخ" كما وصفه شمعون بيريز، و تأججت شعلة الحرية من جديد، بعد أن خمدت لسنين طوال.

و لكي تعلو شعلة سيدة الحرية، يلزمها ضخ المزيد من الدماء، فلا تكفي دماء الملايين من ضحايا الأمريكان منذ الحرب العالمية الأولى مرورا بحربي كوريا و فيتنام لإبقاء الشعلة متقدة، بل لابد من إبقاء آتون الحرب مشتعلا، و إلا أظلمت الأرض و عاث فيها الشيطان فسادا. فتارة يرتدي الشيطان حلته الحمراء و تصبح الشيوعية هي عدو البشرية اللدود، و لابد من ذبح كل شيوعي على الأرض، فبدماءه تتألق قناديل الحرية، و تارة يطلق الشيطان لحيته و يلتف بقميصه و عبائته، و ترتعد فرائس "الأحرار" من بني آدم من ذكر الإسلام و المسلمين؛ و على أمريكا "المُخَلِصة" أن تنحر رقاب المسلمين أينما وجدوا.

و ليست مصادفة أن يكون القائل بأن شجرة الحرية لابد أن تروى من حين لآخر بدماء الأبطال و الطغاة هو الرئيس الأمريكي توماس جيفيرسون، فمن هو البطل و من هو الطاغية كما يراه رسول العناية الإلهية الثالث على الأرض؟

إذا تأملنا سياسات الولايات المتحدة الأمريكية منذ أن أسسها المهاجرون الأوائل على أشلاء السكان الأصليين إلى اليوم، فسوف نجد الإجابة ساطعة كالشمس في كبد السماء، و ها هو الرسول الرابع و الأربعين يخبرنا أن العدالة هي: أن تقتل ما يزيد عن سبعين ألف بريء في سبيل القبض على فرد واحد! سبعون ألف أفغاني قضوا نحبهم منذ شن بوش الصغير "حملته الصليبية" عام 2001. كانت أهداف الحملة الظاهرة واضحة؛ القضاء على حكومة طالبان و تدمير تنظيم القاعدة و اعتقال زعيمه أسامة بن لادن، و ما خفي ليس في حقيقته خفي، بل هو واضح جلي! بيد أن العملية الأخيرة فضحت التباطؤ الأمريكي المقصود في التعامل العسكري مع بن لادن، فالمعلومات الاستخباراتية التي بنيت على أساسها تلك العملية لم تكن بالجديدة، كما أنها كانت من الممكن أن تتوافر قبل سنين، لو عملت المخابرات المركزية الأمريكية بواحد من مائة من طاقتها في البحث و التنقيب عن مكان تمركز زعيم القاعدة، خاصة و هي المحنكة في تجنيد العملاء و الجواسيس و توظيف الخونة، بدءاً من رؤساء الدول انتهاءً بمواطنين لا يُلحظ وجودهم. و أيضا، كان من المؤكد لدى القيادة السياسية و العسكرية الأمريكية أن بن لادن موجود في بلدين لا ثالث لهما، أفغانستان أو باكستان، و في الوقت الذي تحكم فيه الولايات المتحدة قبضتها على كلتا الدولتين، و مع الوضع في الاعتبار ما ذكرته في السطور القليلة أعلاه، لم يكن العثور على أسامة بالأمر العسير إلى الحد الذي يتطلب فيه الأمر عشر سنين من البحث و القتل و التدمير!

احتاجت أمريكا إلى سبب مقنع للرأي العام العالمي المُضَلَل لكي تستمر حملتها العسكرية الغاشمة على أفغانستان، و ما من سبب أكثر إقناعا من البحث عن "الشيطان" الذي خلقته البروباجندا الأمريكية و صنعت منه

فزاعة لإرهاب العالم و إقحامه في حرب لا طائل له من ورائها إلا تلبية مشيئة المُخَلِص الأمريكي و توطيد علاقته بالعم سام!

لم أتطرق في هذا المقال إلى أسامة بن لادن في حد ذاته، لم أحلل شخصيته أو أعلن عن اتفاقي أو اختلافي مع أفكاره و أيديولوجيته و أفعاله، فلهذا المقال مقام آخر. و لكن إذا افترضت "جدلا" بأن بن لادن ليس بمقاوم للطغيان و الهيمنة و القوة الغاشمة الأمريكية، و أنه بحق مجرم يستحق العقاب، فهل يُعاقب مجرما بقتل عشرات الألوف من الأرواح البريئة التي لم تجن جرما واحدا تستحق عليه اللوم؟!

لماذا المسلم إرهابي؟ لأنه لا يرتدي بزة عسكرية كما يرتدي الإرهابي الأمريكي، قالها لي عزيزٌ علي أثناء حديثنا حول مقتل بن لادن، هكذا يرى الأمريكي الإرهابي، شخص مقفهر الوجه يطلق لحيته و يرتدي جلبابا و يحمل بندقية أو سيفاً!! هكذا غرست فيه الآلة الإعلامية الأمريكية فكرة الإرهابي، و هكذا غرست فيه فكرة الدفاع عن المظلوم، في الفيلم الهوليودي، كي يقبض البطل الهمام على أفراد العصابة، يدمر المدينة بحثا عنهم، و يقتل في سبيل ذلك عشرات الأبرياء، فتارة يصدم سيارة و تارة يفجر أخرى، و تارة يسقط الأبرياء من حوله صرعى و هو يطلق النار على "الشرير"، إلا أنه بريء من دمهم، فهم ضحايا هامشيين، ضحايا غير مقصود إيذائهم، ضرر جانبي من أجل هدف أسمى!

و ما ينقص الصورة الهوليودية للبطل المغوار، هو ثأر الضحايا من "بطولته"، هكذا يرى المواطن الأمريكي البطولة، و التضحية، فالتضحية ليست بان يضحى البطل بدمائه من أجل إنقاذ المظلومين، بل أن يضحي بسبعين ألفاً من أجل برميل نفط و قتل صورة افتراضية خلقتها البروباجندا الأمريكية للإرهابي لبسط هيمنتها على العالم، و تعبيد الطريق لنخر سوس الصهيونية العالمية في لُب الأرض.

تأججت نيران شعلة سيدة الحرية، حتى طالت كل ما هو جميل من عدل و إخاء و كرامة، أحرقت الأخضر و اليابس، ملأت الأرض بجثث متفحمة لم تخل من البراءة بعد موتها. ارتفعت شعلة الحرية حتى أحترقت الإنسانية بنورها. و آن الأوان لإخمادها، فالحرية ليست ناراً، إنما إيمان.

عمرو صلاح الدين

[email protected]