عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

يغور الديكتاتور

كان طفلاً له لعبة ككل طفل. له قطة تنام في حضنه وله ابتسامة تضيء وجهه، حين تلاعبه الملائكة في الحلم. كان طفلاً يبني بيوتاً من رمال، ويبكي لو هدمها الموج، ويضعف أمام قطعة حلوي، وبارع في رسم وردة علي كراسة الدرس. كان طفلاً يرتعب أمام دمعة علي خد أمه. له صرخة ألم حين تلسع يده النار، وينهار من نقطة دم علي إصبعه الصغير.


لا القاتل يولد قاتلاً، ولا الجنرال جنرالاً، ولا يولد الديكتاتور ديكتاتوراً. كانوا أطفالاً ككل الاطفال، فماذا حدث؟.. ما الذي جعل الاحمر أحب ألوانهم، وصرخات التعذيب موسيقاهم المفضلة؟.. ما الذي جعلهم يهجرون الفراشات الملونة، الي طائرات رمادية، والبنادق البلاستيكية الي بنادق من حديد؟!.

من كرسي الي كرسي، يزحف الاسود علي براءة الابيض، ويصبح الطفل ديكتاتوراً. كرسي الحمام. كرسي في أرجوحة. كرسي الصالون. كرسي السيارة. كرسي في مدرسة. كرسي في وظيفة. كرسي السلطة، ثم كرسي العرش، في رحلة الكراسي هذه، يفوت الديكتاتور أن يكون انساناً، يفوته التراب والعشب. يفوته انه مخلوق ككل البشر من طين. يفوته المشردون علي الارصفة والنائمون علي البلاط في الزنازن، ويفوته أيضاً الراقدون تحت التراب في القبور.

لا أصدقاء للديكتاتور، له خدم وعبيد. لا أحلام، إذ ما حاجته للاحلام، وهو يحقق الاحلام؟.. ما حاجته لله، وهو يمنع ويمنح، يميت ويحيي، كما يفعل الله؟. «عبيدي».. يقول الله و«عبيدي» الديكتاتور، «مملكتي» يقول الله، و«مملكتي» يقول الديكتاتور. «رضائي»، و«غضبي»، و«عفوي» و«عذابي».. يقول الله وهذا أيضاً ما يقوله الديكتاتور. لا أعداء للديكتاتور علي الارض. انه قادر علي إبادتهم بإشارة من يده. عدوه هناك في السماء، خصمة الوحيد و«منافسه» علي أحقيته في حكم البشر والحياة.

لا يعرف الديكتاتور الحب، وما له حبيبة. لو أحب مرة، لو نظر بحنان في عيني حبيبته، كانت عيناه ستضعفان أمام أعين ضحاياه. لو انه حمل لها يوماً وردة حمراء، ما كان سينظر بكل هذه اللذة للون الدم. لو مرر أصابعه في شعرها، سترتعش حين يضغط علي الزناد. ليس للديكتاتور قلب، مثل الناس من دم ولحم. له قلب من حديد، وروح من حديد، وقبضة من حديد ولا يسكن الحب في أقفاص الحديد.

حصون، وقصور وأسوار، وأبواب، وحراس يحرسون الابواب. كيف يمكن لفراشة أن تزوره هناك، كصديقة طفولة لعبت معه في الماضي؟.. كيف سيسمع آهة أو صرخة؟.. كيف تصل اليه نسمة عابرة أو شعاع شمس يضيء عتمة قلبه؟.. كيف يتسلل له الرعب أو الحب؟.

لا عقاب للديكتاتور. السجن؟ ماذا سيفزعه في السجن، وهو بني السجن؟ الموت؟ ما الذي سيخيفه في الموت، وهو كان يأمر بالموت؟ كل عقوبة أقل من جرائمه، كل قصاص منه، إهانة لضحاياه. لا السجن يكفي، ولا الموت يشفي. دمر ومر. كل ما نتمناه، ألا يكون قد رشي التاريخ، حتي لا يحكي عن عفونة مجده، للأجيال القادمة.