رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

صراع الأيدولوجيات .. هل سيقلب الربيع إلى خريف ؟

هل سينجح المفكرون والقادة السياسيون أن يخرجوا مصر من المواجهات  العبثية التي باتت تقلقنا على كل الاصعده وننتقل إلى رحاب الحوارات المغنية لحياتنا السياسية  المصرية والعربية حتى لا ينقلب الربيع العربي إلى خريف أو حتى شتاء ؟ هذا هو أحد الأسئلة المطروحة في هذه المرحلة الجديدة بقوة على مفكري وقادة هذه الأمة التي أنهكتها المحن عبر القرون الماضية، وآن لها أن تهدأ وتستريح

إن البَلبله القائمة  الآن بين من يترصدون لهذه الثورة ويخططون لإفشالها بثورة مضادة بسبب ماافرزته من تغيرات ايدولو جيات مختلفة  تتصارع على الإمساك بتلابيب البلاد وبين من يدعمون الثورة. بما لديهم من رؤية جاهزة، وغير قابلة للتغيير أو التعديل، تتمحور حول الصراع الإسلامي-العلماني. هذا الصراع الافتراضي في معظم تصوراته الآن يدور بين دعاة الحرية المفرطه التى لايحكمها دين ولاشرع والتى قد تصل إلى الإباحية والإنحلال وأمركة الثورة، وبين دعاة العودة إلى كل مااصلح أول هذه الأمة وجعلها تسود العالم لقرون طويلة من أقصاه إلى اقصاه ورفض المشروع الغرب أمريكى بكل الوانه وثقافته

إنك لو سألت مصريا اليوم عن سبب نزوله للشارع يوم 25 يناير 2011 لأجاب بان خروجه كان لإسقاط الدكتاتور ونظامه الاستبدادي الذي جثم على قلوبنا لثلاثة عقود متواصلة وانه تمنى الحرية والديمقراطية وسئم الذل وعصى البوليس التي طالما ظلت مسلطة عليه. إذ أنه لم يتساءل يومها للحظة عن الانتماء الإيديولوجي  للمواطن الذي خرج معه للشارع صارخا في وجه نظام  مبارك 'ارحل'. كان يومها الهدف واحد تساقطت أمامه كل الإيديولوجيات والانتماءات وتوحدت الأجساد والأصوات والقلوب لأجل ذلك. وتناقلت وكالات الأنباء العالمية تلك الصور الخالدة لميدان التحرير وكل ميادين التحرير على ارض المحروثة من أقصاها إلى اقصاها  وهى تحتضن ملايين المصريين الرافعين لشعار الحرية والكرامة.

ذلك الميادين نفسها التى تحولت منذ الأسابيع المتتاليه للثورة وحتى الآن إلى ساحات تعبوية للشعب من أجل التحضير للاعتصامات والإضرابات والمواجهات .. والمتابع الجيد والعارف بمختلف العائلات الفكرية المكونة للمشهد السياسي في مصر يدرك أن الخطاب رغم وحدة مضمونه فأنه يختلف من ركن إلى آخر ومن منصه إلى آخرى داخل ميدان التحرير وباقى الميادين فقد بسط الرداء الإيديولوجي من خلال رسائل خفية حملها هذا الخطاب أو ذاك عن وعي أو غير وعي.

إن المشهد السياسي  المصرى الآن قد إنتقل إلى صراعات مردها أن النخبة التي أصبحت تشكل هذا المشهد في مصر بعد ثورة 25 يناير هي نفسها من كانت بالأمس تحرك الصراعات الايديولوجية داخل الحركة الوطنية .. هذه النخب لطالما كانت تمارس السياسة من داخل الصالونات فظلت متقوقعة في برجها العالي بعيدة عن هموم الشعب ومشاغله ففاتها الركب وبقيت تعيش رومنسيتها السياسية وتجتر أفكارا تجاوزها الزمن فلم تُعِدْ قراءة ذاتها وزادها تواجدها في ظل دكتاتورية جوراء في الانطواء وتعظما للأنا النرجسية بداخل رموزها

وحينما سمح لها واقع الثورة بالظهور من جديد أدخلت الشعب في تجاذبات ايديولوجية كان ويظل في غنى عنها وتحولت المنابر الإعلامية إلى مسارح لصدامات فكرية وايديولوجية بين الفرقاء وطرحت على عامة الناس لأول مرة مصطلحات فكرية وسياسية كان يجهلها لسنين طويلة كالعلمانية والليبرالية وغيرها من المفاهيم التي أصبحت

كثيرة التردد على أَلْسِنَةِ العامّة دون إدراك لمقاصدها. فالشعب الذي ظل الوطن لديه منصهرا في شخصية الزعيم في عهد الرئيس عبدالناصر وصانع قرار الحرب والسلام فى شخصية السادات وصاحب الضربة الجوية فى شخصية الرئيس المخلوع مما خلق عنده نوعا من الفقر في الثقافة السياسية وجد نفسه فجأة أمام أشكال مختلفة وألوانا متعددة من الأطياف والتيارات السياسية جعلته كقطعة صلصال بين يدي الأحزاب والنخب تشكل منه ما تريد وتحركه كيفما شاءت بانتهازية متغوّلة فخلقت الفرقة بين أبنائه وزرعت الفتنة والتشكيك بينهم وراحت كل فئة تقوم بإقصاء الأخرى فهذا يكفر ذاك وذاك ينعت هذا بالرجعي وكل يرسم الوطن كما بدا له في خياله لا كما هو واحد يجمع الكل ودخل جميعهم في دوامة حادت بالثورة عن أهدافها وتحولت من ثورة من أجل الحرية والكرامة إلى ثورة نفخت في جثة الايديولوجيا التي سقطت في الغرب من سنين الروح لتبعثها من جديد في أبشع صورها

إن شعب مصر  المنهك من الدكتاتورية التي افقرته وجوعته وحكمت على شبابه بالبطالة وبالهجــــرة والموت غرقا فى البحار لا يقـــدر اليوم على تحمل الاستنزاف الذي تفرضه عليه هذه النخب السياسية الانتهازية فهذا الشعب بحاجة إلى لم  شتات أبنائه وإعادة ترميم بيته بتأسيس أعمدة صريحة متجذّرة في أصالته ومنفتحة على الآخر تجعل منه قادرا على الصمود في وجه أعاصير الأزمات التي تعصف بالدول في كل مرة.

على جانب آخر فان المفكرين والكتاب الذين حملوا لواء الفكر السياسي وعلى الأخص الذين تربو وترعرعوا  بين أحضان الغرب الأوروبي والأمريكي، مطلوب منهم مراجعة ما تبنَّوه وما أدَّعوا انه الحل السحرى لمرحلة .. وليعلموا أن تعبيرات مثل الديمقراطية والدولة المدنية وحقوق الإنسان العالمية والتعددية السياسية والثقافية ومساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات أصبحت جزءاً من خطاب الأحزاب الإسلامية السياسية الكبيرة التي نجحت مؤخراً في اقتحام الحياة السياسية بمصر والأمة العربية بشكل مبهر. والمطلوب من هذه الأحزاب هو الاستمرار في تطوير فكرها السياسي من أجل التعامل مع الأوضاع المصرية والعربية الجديدة من جهة ومع مسؤولياتها وواجباتها الثقيلة الجديدة من جهة أخرى

[email protected]