رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رسائل هـيلاري

«الجامعات والمجتمع الدولي» هو عنوان آخر مقال لي منشور في جريدة الوفد الغراء. وقد خلصنا في هذا المقال إلى أن اهتمام الجامعة لا يجوز أن يقتصر على المجتمع الوطني أو المحلي، وإنما ينبغي أن تمد بصرها إلى المجتمع الدولي، بحيث تعمد إلى مد جسور التعاون وأواصر العلاقات مع الجامعات الأجنبية، وأن تراعي احتياجات سوق العمل في المحيط الاقليمي العربي والدولي، حيث يضطر خريجو الجامعات المصرية إلى السفر بحثاً عن فرصة عمل غدت أصعب كثيراً من السنوات الماضية، في ظل منافسة شرسة من العمالة المؤهلة من الدول الأخرى.

كذلك، وفي ذات الإطار، نعتقد من الملائم أن تهتم الجامعات الوطنية بالقضايا المثارة على الصعيد الدولي، بهدف الاستفادة منها في تطوير المجتمعات المحلية. وفيما يتعلق بكليات القانون، على وجه الخصوص، نرى من الضروري أن تضطلع بدورها في الإصلاح التشريعي، وذلك من خلال دراسة الموضوعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المثارة في الدول الأخرى، وبيان أوجه الاستفادة منها في تطوير المنظومة التشريعية الوطنية.
وانطلاقاً مما سبق، ارتأينا من المناسب أن نلقي الضوء في هذا المقال على أحد الموضوعات المثارة حالياً في الصحافة العالمية بوجه عام والصحافة الأمريكية على وجه الخصوص، ونعني بذلك ما نشر مؤخراً عن قيام «هيلاري كلينتون»، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة الرئاسية المحتملة عن الحزب الديمقراطي، بكتابة رسائل الكترونية رسمية وإرسالها من خلال بريدها الالكتروني الشخصي، عندما كانت تشغل منصب وزير الخارجية.
فمنذ مطلع شهر مارس 2015م، وجدت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة نفسها وسط زوبعة إعلامية، إثر الكشف عن أنها كانت ترسل رسائلها الالكترونية الرسمية من حساب خاص مرتبط بجهاز موجود في منزلها الواقع في ولاية نيويورك. ففي أثناء سنواتها الأربع على رأس الخارجية الامريكية من 2009 إلى 2013، لم تستخدم كلينتون مطلقاً عنواناً الكترونياً حكومياً، ينتهي بعبارة (state.gov)، ما يمكن أن يشكل انتهاكاً للقوانين المعمول بها ويطرح مشكلة أمن الاتصالات الحساسة.
وبعد تعرضها لهجوم الجمهوريين الذين ينتقدونها لاستخدامها هذا الموقع الشخصي لارسال الرسائل عندما كانت وزيرة للخارجية، طلبت كلينتون أن يتم نشر رسائلها الالكترونية، سعياً منها لوقف الجدل الذي أثير حول الموضوع. غير أنها ادعت أنها قامت بمراجعة هذه الرسائل، وحذفت منها ما هو متعلق بحياتها الخاصة. وبالفعل، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن خمسين ألف رسالة الكترونية لهيلاري سلمت مؤخراً إلى وزارة الخارجية بهدف أرشفتها، لكن الجمهوريين يؤكدون أنه لا توجد أي ضمانة على أن جميع الرسائل المهمة قد أرسلت لوضعها في قسم المحفوظات.
ومن جانبها، قالت وزارة الخارجية الامريكية إنها ستدقق في الرسائل الالكترونية التي كتبتها «هيلاري كلينتون» على حسابها الخاص، عندما كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية «ماري هارف» إن فريقاً من موظفي الوزارة يقوم بفحص هذه الرسائل الالكترونية للتمكن

من نشرها، تطبيقاً لأحكام قانون حرية الاعلام، نافية أن يكون البيت الابيض أو مقربون من هيلاري كلينتون يمارسون بعض الضغوط لإخفاء معلومات واردة في الرسائل الالكترونية المعنية، والتي قد تسيء إلى السباق الرئاسي في 2016م. ورداً على سؤال عما يمكن فعله في حالة عثور الاشخاص المكلفين بدراسة هذه الرسائل الالكترونية على معلومات حساسة أو مصنفة سرية، بدت هارف غامضة بقولها: «لا أريد التكهن بما يمكن أن يحدث في هذا الوضع». وأضافت: «لا أريد استباق نتيجة هذا التدقيق قبل بث الصفحات الـ55 ألفا«.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن القانون الاميريكي يلزم أرشفة كل الرسائل المهنية لمسئولي الإدارة الاميريكية في قسم المحفوظات الوطنية. ومنذ سنة 2014م يتعين أيضاً نقل أي رسالة يتم إرسالها من عنوان خاص إلى العنوان الحكومي لوضعها في المحفوظات. وتحظر بعض الدول صراحة على الموظفين العموميين استخدام البريد الالكتروني الشخصي في معاملاتهم الوظيفية، وبحيث يتعين عليهم استخدام البريد الالكتروني الرسمي للجهة التي يعملون بها في إرسال هذه المعاملات. ويجد هذا الحظر سنده في أن النظام الالكتروني للجهات الحكومية أكثر أماناً من البريد الالكتروني الشخصي. وتبرز أهمية هذا الاعتبار بعد الأخبار المنشورة عن قيام الولايات المتحدة الأمريكية بالتجسس على اتصالات بعض كبار المسئولين الأوروبيين. كذلك، فإن استخدام البريد الالكتروني الرسمي يمكن الجهة الحكومية من الاطلاع على المراسلات البريدية الوظيفية، إذا اقتضت الحاجة ذلك، وأرشفتها وإتاحة فرصة الاطلاع عليها للموظف البديل في أثناء إجازة الموظف الأصيل أو في حالة انتهاء خدمته.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ألا يمكن الاستفادة من واقعة «رسائل هيلاري» في تطوير تشريعات الخدمة المدنية في بلادنا، بدلاً من الانتظار حتى تقع الكارثة، ثم يخرج علينا رجال القانون على شاشات الفضائيات بتبريرات وتأكيدات بأن النصوص التشريعية الوطنية لا تنظم مثل هذه السلوكيات.

أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة