رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

دروس خصوصية مجانية

        فتحت ثورة 25 يناير باب الأمل واسعا نحو بناء مجتمع ديمقراطي حر ونحو تأسيس دولة حديثة تتبوأ المكان اللائق بها بين الأمم. ولتأسيس هذه الدولة الحديثة، ولبناء ذلك المجتمع الديمقراطي، يغدو من الضروري ألا نغمض أعيننا عن تجارب الدول الأخرى التي سبقتنا في هذا المضمار، سواء كانت هذه الدول قريبة أو بعيدة، وسواء كانت عدوة أو صديقة، منتمية إلى العالم الإسلامي أم تنتمي إلى عوالم أخرى. وقد شاءت الصدفة أن تجتمع بين ناظرينا ثلاثة دروس مختلفة من ثلاثة بلدان متفرقة.

 

الدرس الأول من بريطانيا، حيث تشهد حاليا اضطرابات عنيفة اعتراضا، على إثر قيام رجال الشرطة بقتل أحد المواطنين السود. وقد بدأت الاضطرابات يوم السبت الموافق السابع من أغسطس 2011م، وانحصرت بادئ الأمر في منطقة «توتنهام»، ثم امتدت بعد ذلك لتشمل مناطق أخرى، وقام المحتجين بتحطيم واجهات المحلات التجارية والمطاعم وحرق السيارات، وأدت إلى إصابة عددا لا بأس به من رجال الشرطة. ورغم حدة الاضطرابات، واتساع رقعتها، حافظت الشرطة نوعا ما على تعاملها غير الخشن مع المحتجين، لدرجة أنها لم تلجأ إلى استخدام الرصاص بأنواعه المختلفة حتى الآن. بل أنها لم تلجأ حتى الآن إلى استخدام خراطيم المياه. كذلك، اتسم تعامل الحكومة مع الأحداث بالشفافية التامة. فقد قام رئيس الوزراء البريطاني بقطع إجازته السنوية، ليقوم بتنسيق عمل الحكومة في مواجهة الأحداث. وقد حرص منذ البداية على الاضطلاع بمسئولياته وعلى إطلاع الشعب على كل ما يحدث وما يتخذ من قرارات وإطلاعه على أرقام المعتقلين بكل دقة. ورغم أن الأحداث قد بدأت يوم السبت 7 أغسطس 2011م، لم يتم السماح للشرطة باستخدام خراطيم المياه والرصاص المطاطي إذا اقتضت الحاجة، سوى يوم الأربعاء الموافق العاشر من أغسطس 2011م (لاحظ أننا الآن في فصل الصيف، وأن درجة الحرارة مرتفعة، ولاحظ أيضا أفعال النهب والحرق التي يقوم بها المحتجون). وتعد هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها وضع خراطيم المياه تحت تصرف الشرطة في إنجلترا. فقد كانت خراطيم المياه مخصصة حتى هذا اليوم للتعامل مع الاضطرابات في ايرلندا الشمالية، والتي تشهد أعمال عنف سياسية طائفية بصورة متكررة. وقد جاء الإعلان عن هذا الإجراء على لسان «ديفيد كاميرون» نفسه. كما أعلن بنفسه أيضا أن الشرطة بدأت حملة اعتقالات، استنادا إلى صور التقطتها كاميرات المراقبة. كذلك، قام رئيس الوزراء البريطاني بدعوة البرلمان إلى جلسة طارئة لمناقشة الاضطرابات الجارية في البلاد. ويوم الخميس الحادي عشر من أغسطس الحالي، أعلن «كاميرون» أمام البرلمان أن الحكومة قد تلجأ إلى الجيش مستقبلا لمساعدة الشرطة في التصدي للاضطرابات. كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني أن أساليب الشرطة ستصبح أكثر صرامة، وأنه قد تم اعتقال 1000 شخص. وحتى الآن، لم يتم قطع خدمة الاتصالات، رغم تأكيد الشرطة بأن مثيري الشغب استخدموا شبكات التواصل الاجتماعي في التنسيق لعمليات نهب خلال الاضطرابات. وكما صرح مصدر حكومي يوم الخميس الحادي عشر من أغسطس الحالي، ما زالت الحكومة تبحث إمكانية تعطيل شبكات التواصل الاجتماعي وخدمات الرسائل عبر الانترنت، مثل رسائل «البلاك بيري» وموقع «تويتر» خلال أوقات الاضطرابات. كذلك، ما زالت الحكومة تدرس التصريح باستخدام قنابل الغاز المسيل للدموع. وهكذا، اتسم التعامل مع الأحداث بالشفافية وبالتدرج في التعامل مع الأحداث وعدم استخدام القوة إلا بالقدر الضروري واللازم فقط. هذه الطريقة في التعامل مع الأحداث تختلف كليا عما حدث عندنا أثناء ثورة 25 يناير، حيث لجأت الشرطة المصرية إلى استخدام القنابل المسيلة للدموع وإلى خراطيم المياه منذ اللحظة الأولى، وذلك على الرغم من سلمية الاحتجاجات ورغم برودة الطقس في شهر يناير. وبادرت الحكومة إلى قطع كل الاتصالات التليفونية عبر الهاتف المحمول والهاتف الأرضي، وسارعت إلى قطع خدمات الانترنت. وكانت القرارات تتخذ خلف الأبواب المغلقة. وفي غياب الشفافية، كان من الطبيعي أن نبحث عن الحقيقة من خلال شهادات بعض رجال النظام السابق، مثل «عمر سليمان» الذي أكد أن الرئيس السابق كان على علم تام بكل ما يدور من خلال التقارير التي كانت ترد إليه. ومع ذلك، ما زال الرئيس السابق ينكر مسئوليته عن قتل المتظاهرين. وكذلك الحال بالنسبة لوزير داخليته «حبيب العادلي» وكبار مساعديه. ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، وإنما خرج علينا محامي الرئيس السابق، مؤكدا أن المخلوع قد أسر إليه بأن المشير «طنطاوي» هو المسئول

عن قطع خدمة الاتصالات أثناء الثورة. وللوقوف على الحقيقة، استدعى الأمر البحث عن مكالمة هاتفية تمت بين المشير «طنطاوي» وبين وزير الاتصالات الأسبق «طارق كامل». وإني لأتساءل هنا لماذا لم يخرج علينا الرئيس السابق أثناء الثورة، ليعلن على الملأ عن الإجراءات والقرارات التي اتخذها بنفسه انطلاقا من مسئوليته السياسية، وذلك بدلا من استخدام الشعارات العامة مثل «حفظ الله مصر» و«لن أسمح للخوف بأن يتملك من المواطنين» ؟ ألم يكن رئيسا لمصر آنذاك !!!

 

أما الدرس الثاني، فهو من العدو القابع على حدودنا الشرقية «إسرائيل»، حيث لا يتم ترك الأمور للصدفة، وإنما يتم التحسب لأي احتمال، ولو كان بعيدا. فقد نشرت صحيفة «هاراتس» أن الجيش الإسرائيلي يستعد لمواجهة في جبهة الجولان قد يبادر إليها الجيش السوري لصرف الأنظار عن أعمال العنف التي يقوم بها في بلاده. وهكذا، يهتم الكيان الصهيوني بالتبعات والآثار المستقبلية لكل حدث، دون الوقوف طويلا أو الاقتصار فقط على دلالاته الحاضرة أو التحليلات غير المجدية. أما عندنا، فقد ذهبت كل التحليلات السياسية والأخبار الإعلامية في اتجاه الربط بين المظاهرات التي تحدث في إسرائيل وبين الربيع العربي. فها هو خبر صحفي يقول بأن حمى الربيع العربي تمتد إلى إسرائيل. وثمة مقال منشور في إحدى الصحف الكبرى تحت عنوان «الكيان الصهيوني: لا حصانة أمام طوفان مصر». فلا يهتم أحد بدراسة تبعات هذه المظاهرات علينا، وما تسببه من تبرير قيام الحكومة الإسرائيلية بالمصادقة على مخطط لبناء 1600 وحدة استيطانية في القدس المحتلة. إذ تؤدي المظاهرات التي تشهدها إسرائيل إلى إظهار الحكومة الإسرائيلية بمظهر المضطر إلى اتخاذ مثل هذا الإجراء، تحت وطأة أزمة الإسكان التي تعاني منها، واستجابة لنداءات المتظاهرين. 

 

ويأتي الدرس الثالث من تركيا، حيث أعلن رئيس وزراءها ووزير خارجيتها أكثر من مرة أن ما يحدث في سوريا لا يمكن أن يكون شأنا خارجيا بالنسبة لتركيا، وإنما هي شأن داخلي تركي. فالأمن القومي التركي لا يقف عند الحدود السياسية التركية، وإنما يمتد إلى الدول المجاورة التي تشكل عمقا للأمن القومي التركي. أما عندنا، وطوال سنوات حكم الرئيس السابق، فقد جرى الخلط بين الأمن القومي وأمن النظام، وبحيث جرى تصوير تشكيل حركة حماس لحكومة منتخبة في غزة على أنه خطر على الأمن القومي المصري، بينما جرى تجاهل الأحداث في السودان وفي منطقة حوض النيل رغم أهميتها البالغة للأمن القومي المصري. وإذا كنا نلتمس العذر للحكومة الحالية في تعاملها مع الأحداث في ليبيا واليمن وسوريا، وذلك بسبب الظروف الاستثنائية الحالية التي تمر بها مصر، فإن ذلك لن يكون مقبولا في المستقبل بأي حال من الأحوال.

وفي الختام، أرجو من رجال السياسة أن يضعوا نصب أعينهم مصلحة مصر العليا، بحيث يكون جل همهم ما يحقق رفعتها، بدلا من أن ينشغلوا بالبحث عن كرسي زائل أو مغنم شخصي لا يدوم. 

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة