رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قناة الجزيرة.. بين القانون والواقع

 

في تمام الساعة الخامسة مساء يوم الاثنين الموافق الثاني والعشرين من ديسمبر 2014، أعلنت شبكة تليفزيون الجزيرة إيقاف بث قناة «الجزيرة مباشر مصر»، المعنية بتغطية الشأن المصري.

وقالت شبكة الجزيرة في بيان مفاجئ لها: إن موجز الساعة الثالثة بتوقيت جرينتش هو آخر موجز تبثه القناة، مؤكدة أن مكتب القناة بمدينة الدوحة سيتم إغلاقه لحين توافر الظروف المناسبة لعودة البث من القاهرة، بعد الحصول على التصاريح اللازمة بالتعاون مع السلطات المصرية.. وكانت مكاتب الجزيرة مباشر مصر في القاهرة قد أغلقت بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي في شهر يوليو 2013، ولكن استمرت القناة بالبث من الدوحة.
وقد أدى هذا القرار إلى ترحيب واسع في الأوساط الإعلامية والسياسية المصرية، معتبرة هذا القرار خطوة في الاتجاه الصحيح، بينما أحدث القرار نوعاً من الصدمة ومشاعر الحزن والإحباط لدى أنصار جماعة الإخوان.. وللتدليل على ذلك يكفي أن نشير إلى أن تظاهرات الجماعة الإرهابية في يوم الجمعة التالية مباشرة للقرار قد رفعت ترددات القنوات الفضائية الموالية للجماعة، كبديل لأنصارهم عن قناة الجزيرة، حاملين لافتات مكتوب عليها: «إحنا اللي صنعنا الثورة مش الجزيرة».
وبعيداً عن ردود الفعل المتباينة تجاه القرار، نرى من الملائم الإشارة إلى أن قناة الجزيرة نشأت بموجب القانون رقم (1) لسنة 1996 بإنشاء المؤسسة العامة القطرية للقناة الفضائية.. وطبقاً للمادة الأولى من هذا القانون، «تنشأ مؤسسة عامة مستقلة، ذات شخصية معنوية تسمى: «المؤسسة العامة القطرية للقناة الفضائية»، تكون لها موازنة مستقلة، ويكون مركزها الرئيسي في مدينة الدوحة، ويجوز لها أن تنشىء فروعاً أو مكاتب، أو تعيين مراسلين لها في قطر أو في الخارج وتدار المؤسسة على أسس تجارية».. وباعتبارها مؤسسة عامة تابعة للدولة، يخول المشرع القطري لمجلس الوزراء سلطة الإشراف والتوجيه على القناة الفضائية، الأمر الذي يبدو من عدة وجوه، حيث تنص المادة السابعة من ذات القانون على أن «يرفع مجلس الإدارة إلى مجلس الوزراء تقريراً سنوياً شاملاً عن أنشطة المؤسسة من جميع الوجوه، مشفوعاً باقتراحاته وآرائه. ولمجلس الوزراء، في أي وقت، أن يطلب من مجلس الإدارة أن يقدم إليه تقارير عن وضع المؤسسة الفني أو المالي أو الإداري، أو أي وجه من وجوه نشاطها، أو أي معلومات تتعلق بها».. وتخول المادة الثامنة من نفس القانون «لمجلس الوزراء أن يصدر توجيهات عامة إلى مجلس الإدارة بشأن ما يجب عليه اتباعه في الأمور المتعلقة بالسياسة العامة للمؤسسة، وعلى مجلس الإدارة التقيد بهذه التوجيهات».
وفي ظل القانون آنف الذكر، لم تتوقف قناة الجزيرة الفضائية مطلقاً عن التدخل في الشأن الداخلي للعديد من الدول العربية، وإلقاء الضوء على الأحداث السياسية الحاصلة فيها، ويصدق ذلك بوجه خاص على الأحداث السياسية المصرية.. وقد ظلت هذه القناة مصدر خلاف مستمر بين الحكومة المصرية والحكومة القطرية. وظلت هذه القناة تتفاخر وتتباهى بأنها «منبر من لا

منبر له»، وبأنها تتيح المجال للرأي والرأي الآخر، من خلال برنامج «الاتجاه المعاكس».. وفي المقابل، أغمضت هذه القناة عيون كاميراتها عما يحدث في البلد الذي توجد فيه، فلم تر غضاضة في استضافة الحكومة القطرية لأكبر قاعدة أمريكية بالشرق الأوسط على أراضيها، ولم يثر انتباهها العلاقات السياسية الواسعة والمتميزة بين الحكومة القطرية والكيان الصهيوني والزيارات المتكررة للساسة الإسرائيليين إلى العاصمة القطرية «الدوحة».
ومع قيام ما اصطلح على تسميته «ثورات الربيع العربي»، وبعد أقل من ثلاثة أشهر على نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير في إسقاط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، ارتأت الحكومة القطرية أن تلغي القانون رقم (1) لسنة 1996 بإنشاء شبكة الجزيرة الفضائية، وأن تستبدل به القانون رقم (10) لسنة 2011 بتحويل شبكة الجزيرة الفضائية إلى مؤسسة خاصة ذات نفع عام. وطبقاً للمادة الأولى من القانون الجديد، «تحول شبكة الجزيرة الفضائية إلى مؤسسة خاصة ذات نفع عام، تنشأ بوثيقة تأسيس ونظام أساسي، وفقاُ لأحكام المرسوم بقانون رقم (21) لسنة 2006 المشار إليه، وتسمى (شبكة الجزيرة الإعلامية)». وبالاطلاع على مواد هذا القانون، يلاحظ أنه قد جاء خلواً من النص على أي سلطة لمجلس الوزراء تجاه القناة الفضائية. وبتحويلها إلى مؤسسة خاصة ذات نفع عام، تكون قناة الجزيرة الفضائية قد أصبح لها ذات الطبيعة القانونية التي تتمتع بها هيئة الإذاعة البريطانية (BBC).. ومع ذلك، ولا نجد اختلافاً يذكر بين أداء القناة في ظل القانون رقم (1) لسنة 1996 وبين أدائها في ظل القانون رقم (10) لسنة 2011.. ويمكن القول إن الدور الذي تقوم به قناة الجزيرة يمثل إحدى وسائل الجيل الرابع من الحروب.. وعلى كل حال، رب ضارة نافعة، إذ ينبغي أن نعي الدرس جيداً من خلال إصلاح حال الإعلام المصري، وأن نعمل جاهدين على أن تعود لمصر الريادة الإعلامية في محيطها العربي.


أستاذ القانون الجنائي بجامعة القاهرة