عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ميدان السادات

ميدان السادات هو الاسم الرسمي لأشهر ميدان في العالم حاليا، وهو ميدان التحرير. ولمن لا يصدق ذلك، فليس عليه سوى أن يتوجه إلى مبنى الجامعة الأمريكية بالقاهرة، المطل على ميدان التحرير، حيث سيجد على جدران المبنى لوحة معدنية مكتوبا عليها الاسم الرسمي للميدان وهو «ميدان السادات». وإذا ذهب إلى الناحية الأخرى، حيث مجمع المصالح الحكومية، وتحديدا في جانب المجمع الحكومي الواقع مباشرة ناحية الميدان ومسجد عمر مكرم، سيجد كذلك لوحة معدنية معلقة على جدار المبني مكتوبا عليها الاسم الرسمي للميدان. وفي شهر ديسمبر 2009م، وأثناء فترة عضويته بالبرلمان المصري، تقدم النائب طلعت السادات بسؤال برلماني إلى كل من رئيس الوزراء ووزيري التنمية المحلية والثقافة حول عدم قيام محافظ القاهرة بوضع تمثال الرئيس الراحل أنور السادات في ميدان التحرير، والذي أسماه النائب في سؤاله ميدان السادات «التحرير سابقا». ولعل الاسم الرسمي لميدان التحرير هو السبب وراء إطلاق اسم الرئيس الراحل على محطة المترو المطلة على الميدان.

وقد تم إطلاق اسم «السادات» على ميدان التحرير بعد حادثة المنصة الشهيرة في السادس من أكتوبر سنة 1981م، والتي توفي فيها الرئيس محمد أنور السادات. ورغم مرور ما يقرب من ثلاثين عاما على هذا التاريخ، لا يزال متداولا على ألسنة الكافة مسمى ميدان التحرير، لدرجة أن الغالبية الساحقة من أفراد المجتمع المصري تجهل الاسم الرسمي لميدان التحرير. فقد ظل مسمى «ميدان التحرير» مستقرا ثابتا في وجدان وذاكرة المصريين، وهي التسمية التي أطلقت على الميدان الشهير بعد ثورة 23 يوليو و«تحرير» مصر من الاستعمار البريطاني.

وإذا كان إطلاق اسم الرئيس السادات على ميدان التحرير قد تم بعد وفاته، فقد شهدت سنوات حكم حسني مبارك، ولاسيما العقد الأخير منها، إطلاق اسمه على العديد من المنشآت والمرافق العامة والمدارس وعلى العديد من الجوائز العلمية والمشروعات الحكومية. ويكفي هنا أن نذكر «أكاديمية مبارك للأمن»، و«أكاديمية مبارك للبحث العلمي»، و«جائزة مبارك للبحث العلمي»، و«إسكان مبارك للشباب» و«مكتبات مبارك»، و«مطار مبارك الدولي» في محافظة سوهاج، و«مدينة مبارك الطبية» في المحافظة ذاتها. ولم يقتصر الأمر على حسني مبارك، وإنما امتد إلى زوجته سوزان مبارك. ولم يقتصر الأمر على مجرد إطلاق اسم الرئيس على العديد من المنشآت العامة، وإنما بدأت صورة تنتشر شيئا فشيئا في العديد من الأماكن والمباني العامة وفي الشوارع والطرق العمومية. كذلك، وصل التبجح بالنظام المصري السابق إلى حد أن جائزة مبارك كانت أعلى شأنا وقدرا وقيمة مالية من جائزة الدولة نفسها، سواء كانت جائزة الدولة التشجيعية أو جائزة الدولة التقديرية.

وكما يقول بيت الشعر الشهير، إذا كان رب البيت بالدف ضاربا – فشيمة أهل البيت كلهم الرقص، فإن الظاهرة لم تقتصر على الرئيس وزوجته، وإنما امتدت إلى الوزراء والمسئولين وأعضاء مجلس الشعب. فقد تم إطلاق اسم رئيس الوزراء المصري السابق الدكتور احمد نظيف على أحد الطرق الهامة في مدينة الأقصر. وفي الدائرة الانتخابية التي أنتمي إليها، قام أحد أعضاء مجلس الشعب – بموافقة المجلس الشعبي المحلي المزور- بإطلاق اسمه على العديد من المدارس الحكومية. وفي الدائرة المجاورة، قام عضو مجلس شعب آخر بإطلاق اسمه على العديد من المدارس الحكومية المنتشرة في نطاق دائرته الانتخابية.

ويمكن القول هنا بأن عملية إطلاق اسم الرئيس وزوجته وأسماء أركان حكمه لم يكن نابعا عن تقدير حقيقي من الشعب لهم، وإنما كان يشكل نوعا من الاستفزاز للشرفاء من أبناء هذا الشعب. ولذلك، وعقب قيام ثورة 25 يناير المباركة، قام المحامي «سمير صبري» برفع دعوى قضائية أمام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، يطالب فيها رئيس الوزراء برفع اسم مبارك وزوجته من جميع الميادين والشوارع والمنشآت العامة. وبالفعل، وفي الحادي والعشرين من إبريل 2011م، قررت المحكمة رفع اسم الرئيس السابق وزوجته عن الميادين والمنشآت العامة. وقالت المحكمة في حيثيات حكمها بأن «مشاعر الألم التي تشعر بها الأم التي فقدت ابنها والطفل الذي تيتم والمصابين لرؤيتهم المنشآت التي تحمل اسم الرئيس السابق وزوجته على الرغم من إسناد العديد من الاتهامات لهم مما يزيد جرحهم وما ترتب عليه الخطر والاستعجال حيث ترتب على هذا الوضع ضررا بالغا ومعاناة مستمرة لهم في كل لحظة يرون فيها صور الرئيس وزوجته أو يقرأوا أسمائهم على المنشآت، وهو يعد خطرا عليهم يستوجب قرارا عاجلا لا يحتمل التأخير، وهو أمر لا يتطلب المساس بأصل الحق لذلك قضت المحكمة برفع اسم وصورة مبارك وزوجته». وأوضحت الحيثيات أن «إطلاق اسم الرئيس السابق وزوجته على كثير من منشآت الدولة ووضع صورهما تعتبر أعمالا فردية منفصلة صدرت من قبل موظفي الدولة لم يكن ذلك تصرف قانوني وهو يعد أعمالا مادية منفردة». وذكرت الحيثيات أنه

«رغم إجلال المحكمة لطلب وضع أسماء شهداء 25 يناير على الميادين والمنشآت إلا أنه يتعين صدور قرار إداري بمعناه القانوني السليم، مما يعد هذا الطلب خارج اختصاص محكمة الأمور المستعجلة. أما عن طلب بإزالة اسم الرئيس السابق من جميع وحدات الجيش ووضع اسم الفريق سعد الدين الشاذلي بدلا منه،... فالمحكمة تقضي بعدم قبولها شكلا».

وفي مقابل التوسع الشديد في إطلاق اسم الرئيس السابق وزوجته والعديد من المسئولين على العديد من المنشآت العامة، جرى تجاهل رموز الأدب والفكر والثقافة، لدرجة أن جامعة قناة السويس قد تراجعت عن فكرة منح الدكتور أحمد زويل الدكتوراه الفخرية. وكان سبب التراجع هو أن الدكتور زويل مغضوب عليه. كذلك، قامت الصحف القومية وأجهزة الإعلام الحكومية في العهد البائد بحملة شرسة ضد الدكتور محمد البرادعي، لمجرد معارضته للنظام وإعلانه عن ترشيح نفسه ضد الرئيس مبارك، بشرط توافر ضمانات قانونية ودستورية معينة.

ولأن مسألة إطلاق أسماء الأعلام على الميادين والشوارع والمنشآت العامة تعد نوعا من التكريم، وينبغي أن تستهدف بالأساس أبناء الوطن الذين أسهموا في رفع اسمه عاليا في المحافل الدولية، نرى من الملائم النص صراحة في الدستور المزمع إعداده على عدم جواز إطلاق اسم الرئيس أو أحد المسؤولين حال تقلده منصبه على أي من المنشآت العامة.

وفي الختام، أود أن أشير إلى أن أعظم تكريم في الجمهورية الفرنسية هو دفن جثمان الميت أو نقل رفاته إلى مقبرة العظماء (البانتيون). وبمراجعة أسماء من تم دفنهم في هذه المقبرة الشهيرة، نجد معظمهم من كبار العلماء والكتاب والفلاسفة والمفكرين، أمثال «بيير جان جورج كانابي» و«إميل زولا» و«بول لانجفان» و«ماري كوري» التي تعد المرأة الوحيدة المدفونة في المقبرة حتى الآن. كذلك، تضم القائمة كبار القادة العسكريين والجنرالات والأدميرالات والمارشالات الذين قاموا بدور بارز في المعارك الحربية التي خاضتها الدولة الفرنسية، مثل «الكسندر أنطوان أورو» و«جان لوي ابينيزيه» و«أنطوان جان ماري كونت تيفينار». ولا تضم المقبرة من رؤساء الجمهورية الفرنسية سوى «سادي كارنو» الرئيس الرابع للجمهورية الفرنسية الثالثة من عام 1887م وحتى اغتياله سنة 1894م. ولأن الأمر يتعلق بمقبرة، فإن تكريم رئيس الجمهورية في هذه الحالة لن يكون حال حياته.

وهكذا، نقول لرئيس الجمهورية القادم أنه يكفيه فخرا أن يكون أول رئيس يأتي عبر انتخابات حرة نزيهة بإذن الله، وأن يذكره التاريخ بأعماله وأفعاله التي تبقى محفورة في القلوب رغم مرور الزمن، فلا يسعى هو أو يسعى المحيطين به إلى إطلاق اسمه على الشوارع والميادين. فالتاريخ لن ينسى لمحمد على أنه باني نهضة مصر الحديثة، وأنه سعى إلى تأمين منابع نهر النيل في أفريقيا، بينما أهمل حسني مبارك هذه القضية الحساسة، فلم يقم طوال فترة حكمه الطويلة بزيارة واحدة إلى إحدى دول حوض النيل. والزيارة الوحيدة التي قام بها كانت في عام 1996م، بمناسبة انعقاد مؤتمر القمة الإفريقية، ولم تكن بهدف زيارة إثيوبيا كإحدى دول المنبع. وقد أراد القدر لهذه الزيارة ألا تكتمل، وأن يعود الرئيس المخلوع إلى مصر من مطار أديس أبابا بعد محاولة الاغتيال الفاشلة.

الدكتور أحمد عبد الظاهر

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة