الإخوان والدستور
في التاسع عشر من مارس الماضي، شهدت مصر أول عرس ديمقراطي بعد استقلالها عن الاحتلال البريطاني. ففي هذا اليوم، كان المصريون مدعوين للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء حول تعديل بعض مواد الدستور. والمواد محل التعديل تشمل المادة 75، والخاصة بشروط الترشح لرئاسة الجمهورية، والمادة 76، والتي تتعلق بآلية انتخاب رئيس الجمهورية، والمادة 77 من الدستور، والتي تحدد مدة الرئاسة، حيث كان مطروحا للاستفتاء تقليص مدة الرئاسة إلى أربع سنوات، مع تحديدها بفترتين فقط. وتضمنت التعديلات كذلك تغييرا في المادة 88 من الدستور، وهي المادة ذات الصلة بالإشراف القضائي على الانتخابات. وتطرقت التعديلات إلى المادة 93، والتي تحدد آلية الطعن في نتائج الانتخابات التشريعية والجهة المعهود إليها بنظر الطعون. وشملت التعديلات المادة 189، والتي تتعلق بالجهات المنوط بها الدعوة لإجراء تعديلات دستورية. وتضمنت التعديلات أيضا إلغاء المادة 179 الخاصة بمكافحة الإرهاب، والتي كانت تخول لرئيس الجمهورية أن يحيل أي جريمة من جرائم الإرهاب إلى أي جهة قضاء منصوص عليها في الدستور أو القانون.
وكما هو واضح من السرد السابق، لم تكن المادة الثانية من الدستور مطروحة ضمن التعديلات محل الاستفتاء. ومع ذلك، فقد جعلت جماعة الإخوان المسلمون وغيرها من التيارات الدينية من الاستفتاء عبارة عن تصويت على المادة الثانية من الدستور، مؤكدة أن الرافضين للاستفتاء إنما يريدون إعداد دستور جديد يغفل الحكم الوارد في هذه المادة. والمادة الثانية من الدستور – لمن لا يعلم – تنص على أن «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع». وهذا النص الدستوري يحدد هوية الدولة، مؤكدا أن الإسلام هو دين الدولة، وأن اللغة العربية اللغة الرسمية لها، وأن مبادئ الشرع الإسلامي هي المصدر الرئيسي للتشريع. ومؤدى هذا النص أن أي تشريع يصدر مخالفا لمبادئ لشريعة الإسلامية هو تشريع مخالف للدستور، يجوز الدفع بعدم دستوريته أمام جهات القضاء، أثناء تطبيق هذا التشريع على المنازعات المنظورة أمامها. فإذا ما اقتنعت المحكمة بجدية الدفع، تقوم بإحالة الموضوع إلى المحكمة الدستورية العليا، التي يكون لها أن تحكم بعدم دستورية القانون برمته أو بعد دستورية المواد المخالفة الواردة فيه.
ورغم أن جماعة الإخوان المسلمون قد ضغطت بقوة أثناء الاستفتاء، مستخدمة كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، للتصويت
أستاذ القانون الجنائي المساعد - جامعة القاهرة