رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

عدالة آه... عدالة لا

تعيش مصر الثورة حالياً أهم حدثين في تاريخها الحديث. الحدث الأول، يتعلق بتشكيل الجمعية التأسيسية المنوط بها إعداد الدستور أو القانون الأساسي الذي يحكم الدولة في مرحلة ما بعد الثورة. أما الحدث الثاني، فيتعلق بأول انتخابات رئاسية حرة تشهدها مصر في تاريخها الممتد منذ آلاف السنين.

وقد شاء القدر أن يكون قضاء مصر الشامخ حاضراً في كلا الحدثين؛ ففيما يتعلق بالجمعية التأسيسية، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكما بوقف تنفيذ قرار البرلمان بشأن تشكيل الجمعية التأسيسية، والتي جاء نصفها من نواب البرلمان. وبخصوص الانتخابات الرئاسية، كان قرار اللجنة العليا للانتخابات باستبعاد بعض المرشحين من ذوي الوزن الثقيل، وهم اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات العامة السابق والمهندس خيرت الشاطر المرشح الأساسي لجماعة الإخوان المسلمين وحازم صلاح أبو إسماعيل مرشح التيار السلفي. بل أن القضاء كان حاضراً أيضاً في حكم القضاء الإداري بإحالة بعض نصوص القانون المنظم لانتخابات مجلس الشعب، والذي جرت على أساسه الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وذلك بنصه على جواز ترشح أعضاء الأحزاب على المقاعد الفردية، بينما يحرم المستقلون من الترشح على المقاعد المخصصة للقوائم الحزبية. وفي هذا الشأن، تتردد الأخبار بقوة عن اتجاه المحكمة الدستورية العليا إلى القضاء بعدم دستورية هذا النص، الأمر الذي يستتبع في حالة حدوثه بطلان انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، وأن يتم اللجوء بالتالي إلى حل البرلمان.

وقد شاء القدر أن تأتي الأحكام القضائية آنفة الذكر على غير هوى التيارات الإسلامية. فنجدهم يحذرون من عدم احترام مبدأ الفصل بين السلطات، على اثر صدور حكم القضاء الإداري بشأن تشكيل الجمعية التأسيسية. وتم توجيه بعض الاتهامات للجنة العليا للانتخابات ولرئيسها بالتحديد الذي هو رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بسبب قرارها باستبعاد كل من خيرت الشاطر وحازم صلاح أبو إسماعيل. وكانت موجة الاحتجاج والرفض كبيرة من جانب المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل، والذي تظاهر أنصاره أمام مقر اللجنة العليا للانتخابات أثناء اجتماع اللجنة لتقرير مصير المرشحين، مهددين بالاعتصام في حالة استبعاد مرشحهم من الانتخابات. ولكن الأغرب حقاً أن تخرج علينا إحدى القنوات الفضائية، وتحديداً قناة الجزيرة، بتصريح منسوب إلى رئيس البرلمان الحالي الدكتور/ سعد الكتاتني، يؤكد فيه عدم إمكان حل البرلمان الحالي، ولو بحكم قضائي.

وهكذا، أثبتت الأحداث – وبما لا يدع مجالاً للشك – مدى امتعاض التيارات الدينية، بشقيها الإخواني والسلفي، من أحكام القضاء، الأمر الذي يثير الاستغراب والدهشة. ومبعث الاستغراب أن قضاء مصر الشامخ كان دوماً حصن الحقوق والحريات الذي طالما تغنى به أنصار الجماعات الإسلامية أثناء النظام البائد. ولذلك، أرى من واجبي أن أُذكِّر هؤلاء ببعض مواقف القضاء المصري معهم أثناء حكم الرئيس السابق. وأقول لهؤلاء: أليس قضاء مصر الشامخ

هو الذي حكم ببراءة صفوت عبد الغني في قضية اغتيال رفعت المحجوب، الأمر الذي دفع النظام السابق إلى اللجوء إلى قرارات الاعتقال الإداري وإلى تفعيل النص الخاص بإحالة المدنيين المتهمين بارتكاب بعض الجرائم إلى القضاء العسكري ؟ وفيما يتعلق بالقضاء الإداري، على وجه التحديد، أليس هذا القضاء هو الذي ألغى المئات من قرارات الاعتقال الإداري الصادرة ضد أفراد الجماعات الإسلامية، وكانت الحكومة البائدة تتحايل على أحكام القضاء، من خلال الإفراج عن المعتقلين وإصدار قرارات اعتقال جديدة لهم بعد الإفراج عنهم بدقائق معدودة ؟

أليس قضاء مصر الشامخ

هو الذي قضى بعدم دستورية نظام القائمة الذي أجريت على أساسه الانتخابات البرلمانية في سنة 1984م وسنة 1987م ؟ وإذا كان النظام البائد قد استجاب لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر بهذا الخصوص، فلجأ إلى حل البرلمان في الحالتين، وإجراء الانتخابات منذ سنة 1990م على أساس النظام الفردي، فإن تصريح رئيس البرلمان الحالي بعدم إمكان حل البرلمان ولو بحكم قضائي يبعث على الاستغراب والاشمئزاز في آن واحد. ألم يستشعر رئيس البرلمان الحالي الحرج، وهو يؤكد عدم إمكان حل البرلمان الحالي، ولو بناء على حكم قضائي!!!

وفي الختام، أرجو أن يراجع الإسلاميين أنفسهم، وأن يتذكروا مواقف قضاء مصر الشامخ معهم عندما كانوا مستضعفين. كما أتمنى من كل قلبي ألا يأخذهم غرور القوة، وأن يتورعوا عن الظهور بمظهر عدم المبالي بأحكام القضاء. وهكذا، وبالتمعن في موقف التيارات الإسلامية من أحكام القضاء، نجدهم تارة يقولون (عدالة آه) عندما يكون الأمر على هواهم، وتارة أخرى يرددون (عدالة لا) حينما يأتي الحكم على غير ما تشتهي أنفسهم... وهل يعقل أن يتحول مرفق القضاء بالنسبة لهم، وخلال شهور معدودة، من حصن الحقوق والحريات إلى ما يشبه الغصة في حلوقهم؟!!!... وسبحان مغير الأحوال.