سيناء والدستور (2-3)
بقراءة كتب التاريخ وسير الحروب، يبدو جليا أن الحملات العسكرية والحروب والأخطار التي تعرضت لها مصر قد جاءت جميعها من جهة الشرق. ويصدق هذا القول على التاريخ القديم، حيث شهد حملات الهكسوس والتتار على مصر. وخلال فترة الحروب الصليبية، تعرضت سيناء لمحاولة الغزو على يد «بلدوين» الأول حاكم بيت المقدس الصليبي.
كما يصدق القول آنف الذكر على التاريخ الحديث، حيث الاحتلال البريطاني الذي فشل في دخول أرض الكنانة من جهة الغرب، فلجأ إلى قناة السويس والغزو من جهة الشرق. وفي العصر الحديث، يقبع العدو الصهيوني جاثما على حدودنا الشرقية، متربصا بنا وبأمننا القومي. فكانت المحاولة الأولى للاعتداء على أرض الوطن سنة 1956م، فيما يعرف بالعدوان الثلاثي، حيث شاركت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل في العدوان على سيناء وغيرها من المدن الواقعة على قناة السويس. ثم كان العدوان الإسرائيلي بالاحتلال العسكري لشبه جزيرة سيناء في الخامس من يونيو عام 1967م. ورغم جلاء القوات الإسرائيلية عن أراضي سيناء سنة 1982م، فإن المحاولات ما زالت مستمرة، وباستخدام شتى السبل والوسائل. فلا يجوز أن نغفل إذن عن ضرورة اتخاذ التدابير الضرورية للحفاظ على أرض الفيروز من كل معتد أو غاز. وتعظم أهمية هذه التدابير في ضوء القيود الواردة في اتفاقية «كامب ديفيد» على تواجد الجيش المصري في سيناء وعلى نوعية وحجم السلاح المتواجد فيها.
وإدراكا لما سبق، نشأت الدعوة إلى ضرورة تعمير سيناء. وفي هذا الصدد، أود أن أعبر عن إعجابي بالعبارة البليغة «سيناء مستقر لا ممر»، والتي انعقدت تحتها إحدى الندوات في مكتبة الإسكندرية العام الماضي (سنة 2009م). والتعمير المراد هو الذي تقوم به سواعد مصرية، ويؤدي إلى زيادة عدد المواطنين الذين يقطنون أرض سيناء ويقيمون فيها. فلا يجوز أن نفرح كثيرا بالتعمير الذي يقوم به أجانب، يتملكون العقارات ويمارسون الأنشطة الاستثمارية المختلفة فيها، بينما يقف المواطن المصري موقف المتفرج. فليس من المعقول أن نكرر أخطاء الماضي عندما تغافلنا عن أرض فلسطين حتى سلبها اليهود بشراء الأراضي وانتشار عصابات السلب والنهب. وإذا كانوا اليهود قد نجحوا في سلب ونهب أراضي فلسطين، رغم أنها كانت محاطة من جميع الجهات بأراض عربية، نزح إليها اليهود من شتى بقاع الأرض، فما بالنا اليوم وقد أصبحوا جارا ثقيلا لنا جاثما على صدورنا. لا شك أن درجة اليقظة لابد أن تكون أكبر والانتباه يجب أن يكون أشد.
والشواهد على استهداف العدو لسيناء حاضرة ومتعددة؛ فقد استولى أحد الأجانب على ثمانمائة كيلومتر في سيناء، مستعينا في ذلك بالتزوير في أوراق رسمية. كما تملك الأجانب ألف وحدة سكنية في قرية «كورال» بشرم الشيخ عن طريق التزوير أيضا. وذلك كله تم من خلال شركة مصرية، تبين أنها واجهة لشركة أخرى ألمانية، استخدمت أحد عشر محاميا لتزوير أربعمائة وخمسين حكما قضائيا، تم بمقتضاها
وإزاء ما تتعرض له أرض الفيروز من مخاطر، يغدو من الضروري البحث عن السبل والوسائل الكفيلة بحمايتها، الأمر الذي نتعرض له في المقال القادم.
---------
أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة