رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حصانة المحامي

قبل أن يمر أكثر من بضعة أشهر على نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط النظام البائد، وبمناسبة إعداد مشروع لتعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية، حدثت أزمة شديدة بين جناحي العدالة (القضاة والمحامين).

حيث اعترض المحامون على التعديلات المقترحة على قانون السلطة القضائية، وعلى رأسها المادة 18، مؤكدين أن هذه المادة تنتقص من حصاناتهم وحقوقهم خلال أداء مهام أعمالهم أمام المحاكم. وقد وصل الحد في الاعتراض على هذه المادة أن طالب المحامون بإرجاء مناقشة مشروع تعديل قانون السلطة القضائية إلى ما بعد الانتخابات البرلمانية. وتصاعدت أزمة جناحي العدالة (القضاة والمحامون) يوما بعد يوم، حيث بلغ التصعيد ذروته بعد أن أضرب الكثير من المحامين عن العمل، مما تسبب في شلل تام بالعديد من المحاكم في مختلف محافظات مصر. ووصل الأمر إلى حد إغلاق بعض المحاكم بالجنازير والأقفال والتهديد بتعطيل العمل في مرفق القضاء برمته، في حالة عدم الاستجابة لمطالب المحامين. وقام المحامون في بعض المحافظات بتنظيم وقفات احتجاجية أمام بعض المحاكم، حيث منعوا القضاة والمواطنين من الدخول. كذلك، دعا المرشحون الأربعة لمنصب نقيب المحامين إلى عقد جمعية عمومية طارئة لبحث الموقف. وردا على ذلك، وفي تصعيد مماثل من جانب القضاة، دعا رئيس نادي قضاة مصر الجمعيات العمومية للمحاكم بجميع درجاتها على مستوى الجمهورية إلى تعليق العمل بالمحاكم اعتبارا من يوم السبت الموافق 22 أكتوبر 2011م. وأشار البيان الصادر عن نادي القضاة إلى أن هذه الخطوة تأتي ردا على تدهور الأوضاع الأمنية بالمحاكم، وحتى تقوم الدولة بممارسة دورها في تأمين رجال القضاء ليتمكنوا من أداء رسالتهم. من ناحية أخرى، اتهم أحد المرشحون الأربعة لمنصب نقيب المحامين اللجنة القضائية القائمة على إدارة النقابة بالعمل بشكل متعمد على تأجيل انتخابات النقابة إلى أجل غير مسمى، في محاولة منها لتمرير مشروع قانون السلطة القضائية.

ورغم إعلان رئيس الوزراء «عصام شرف» انتهاء الأزمة بين القضاة والمحامين، وإجراء انتخابات نقابة المحامين يوم 20 نوفمبر 2011م، وتصريح المستشار «حسام الغرياني» بأن مشروع القانون مجرد مسودات مقدمة من عدة جهات، ولم يتم عرضه على مجلس القضاء، وعند عرضه سيكون هناك نقاش حوله، فإن الأزمة ظلت تراوح مكانها. بيان ذلك أنه، وبعد أقل من 24 ساعة على الإعلان عن انتهاء الأزمة، أصدر رئيس نادي القضاة بيانا حاد اللهجة نفى فيه قرب صدور قرار بشأن عودة القضاة إلى العمل، مؤكدا إجراء تحقيقات لمعاقبة من وصفهم بمشعلي الفتنة والمحرضين عليها. كما أكد رئيس نادي القضاة عدم قبول النادي للمساس بقرار الجمعية العمومية لقضاة مصر بتعطيل العمل بالمحاكم للأسباب التي بني عليها، مشيرا إلى أن هذا القرار لا تملك سلطة أو جهة أو فرد – أيا كان – إلغاءه أو تعديله، لأن قرار استمراره أو العدول عنه هو حق مكفول لقضاة مصر وحدهم دون معقب.

وهكذا، ورغم استمرار الأزمة، وإزاء اعتراضات المحامين على المادة 18 من مشروع تعديل بعض أحكام قانون السلطة القضائية، دخل مشروع القانون في النفق المظلم. واعتقد أن المشروع بصيغته الحالية لن يتم إقراره.

وعلى كل حال، وفيما يتعلق بالمادة محل الاعتراض، والتي تحمل الرقم 18، فهي تنص على أن «تكون جلسات المحاكم علنية إلا إذا أمرت المحكمة بجعلها سرية مراعاة للآداب أو محافظة على النظام العام ويكون النص بالحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية. ونظام الجلسة وضبطها منوطان بالرئيس». ولكن، ترى اللجنة المكلفة بإعداد مشروع تعديل قانون السلطة القضائية ضرورة تعديل المادة المشار إليها، بحيث يغدو نصها على النحو الآتي: «تكون جلسات المحاكم علنية إلا إذا أمرت المحكمة بجعلها سرية مراعاة للآداب أو محافظة على النظام العام ويكون النص بالحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية. ونظام الجلسة وضبطها منوطان بالرئيس. وللمحكمة أن تأذن للمتقاضين في أن ينيبوا عنهم في المرافعة أمامها أزواجهم وأصهارهم أو أشخاصا من ذوي قرباهم إلى الدرجة الثالثة. وكل من اقتحم عنوة أيا من مقار المحاكم والنيابات أو أخل بسير العدالة أو نظام الجلسات يعاقب بالحبس أو بالغرامة التي لا تجاوز عشرة آلاف جنيه. فإذا وقعت الجريمة أثناء انعقاد الجلسات

كان للمحكمة أن تأمر بالقبض على المتهم أيا كانت حصانته وإحالته إلى النيابة العامة بمذكرة في خلال مدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة. ويصدر وزير العدل بالتنسيق مع وزير الداخلية قرارا بإنشاء إدارة خاصة لحراسة المحاكم والنيابات وكافة القنوات المتصلة بشؤون العدالة والمعاونة في تنفيذ الأحكام وفقا لتوجيهات رئيس المحكمة المختص». وقد تحفظ المحامون على هذا التعديل، حيث رأوا فيه انتقاصا من الحصانة المقررة لهم. بينما ترى اللجنة المكلفة بإعداد مشروع التعديل أن «فيه حماية لحق الدفاع لأنه لا سبيل إلى تمكين المحامي من أداء مهامه إلا من خلال حفظ النظام في الجلسة. وقد شكا بعض المحامين من اعتداء زملائهم عليهم ومنعهم من ممارسة عملهم. وطبقا للمادتين 99 من الدستور و96 من قانون السلطة القضائية فإنه لا حصانة لعضو مجلس الشعب ولا للقاضي في أحوال التلبس، كذلك فإن الانتماء لنقابة المحامين ليست وسيلة لحماية مرتكبي الجرائم، وإلا كان ذلك إخلالا بمبدأ المساواة وتصريح بارتكابها. ولما كانا القبض على المتهم هو الحد الأدنى للإجراءات اللازمة لوقف الجريمة فقد نزلت اللجنة إلى ذلك الحد».

والواقع أن موضوع الحصانة الإجرائية للمحامي قد أثار بعض الخلاف في النظام القانوني الفرنسي، ولكن دون أن يصل الأمر إلى الحد الذي رأيناه في مصر من تصعيد متبادل وممقوت بين جناحي العدالة. ففي سنة 1971م، كان المشرع الفرنسي قد أعطى للمحكمة سلطة الحكم على المحامي إذا وقعت منه إحدى جرائم الجلسات. غير أن التقاليد القضائية الفرنسية سارت على عدم تطبيق هذا النص إلا بصفة استثنائية، احتراما لحرية المحامي في الدفاع، حتى قيل بأن التقاليد القضائية تجاوزت النصوص التشريعية وأصبحت جزءا لا يتجزأ من المبادئ العامة للقانون. وإزاء ذلك، حاول البعض تعديل النصوص القانونية، وذلك لتأكيد حرية المحامي في الدفاع وإعطاء الحق في مجازاة المحامي الذي يرتكب إحدى جرائم الجلسات لنقابة المحامين، وليس للمحكمة. غير أن مناقشات المشروع خلصت إلى إعطاء الحق لرئيس المحكمة في أن يأمر المحامي الذي يصدر منه سلوك غير لائق بمغادرة الجلسة. حيث اعترض وزير العدل الفرنسي على المشروع، مؤكدا ضرورة أن تحسم المحكمة الإخلال بالنظام الذي يحدث في الجلسة، فور وقوعه، وأن توقف الإجراءات حتى تفصل نقابة المحامين في شأن هذا الإخلال. وبناء على ذلك، انتهى الأمر إلى النص على تخويل رئيس المحكمة سلطة إبعاد المحامي الذي يقع منه الإخلال عن قاعة الجلسة.

وعند الطعن على هذا النص بعدم الدستورية، قرر المجلس الدستوري الفرنسي عدم دستوريته على أساس مخالفته لحقوق الدفاع( ).

وهكذا، قضى المجلس الدستوري الفرنسي بعدم دستورية النصوص التشريعية التي تنتقص من الحصانة الإجرائية للمحامي فيما يتعلق بجرائم الجلسات. والأمر إذن لا يحتاج إلى تعليق. 

--------

أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة