رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

طوارىء آه.. طوارىء لا

احتدم الجدل مؤخرا بين فقهاء القانون الدستوري المصري حول ما إذا كانت حالة الطوارىء قد انتهت فعلا بحلول يوم 19 سبتمبر 2011م أم أن هذه الحالة ما تزال قائمة. إذ يذهب البعض إلى أن حالة الطوارىء قد انتهت اعتبارا من 19 سبتمبر الماضي،

وذلك استنادا إلى المادة 59 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس سنة 2011م. فوفقا لهذه المادة، «يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأي مجلس الوزراء، حالة الطوارئ على الوجه المبين في القانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال السبعة أيام التالية ليقرر ما يراه بشأنه، فإذا تم الإعلان في غير دور الانعقاد وجبت دعوة المجلس للانعقاد فورا للعرض عليه وذلك بمراعاة الميعاد المنصوص عليه في الفقرة السابقة، وإذا كان مجلس الشعب منحلا يعرض الأمر على المجلس الجديد في أول اجتماع له، وفي جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر ولا يجوز مدها إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك». وبناء على ما ورد في عجز هذه المادة، يرى البعض أن حالة الطوارئ تعد منتهية حتما بانقضاء يوم 19 سبتمبر 2011م. إذ تضع هذه المادة حدا أقصى لحالة الطوارئ، بحيث يكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ستة أشهر، ولا يجوز مدها أكثر من ذلك إلا بعد استفتاء الشعب وموافقته على ذلك. وبما أنه قد تم إعلان نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 20 مارس 2011م، وكانت حالة الطوارئ قائمة، فإنه في 19 سبتمبر تكون قد انقضت فترة الستة أشهر، وانتهت معها حالة الطوارئ. ولما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يلجأ إلى إجراء استفتاء شعبي على مد حالة الطوارئ، فإن المجلس الأعلى لا يملك بالتالي سلطة مد حالة الطوارئ (المستشار طارق البشري، انتهاء حالة الطوارىء، جريدة الأهرام، 24 سبتمبر 2011م، صفحة قضايا وآراء).

خلافا لذلك، يؤكد بعض الفقهاء أن حالة الطوارئ لم تنته رغم مرور فترة الستة أشهر على إعلان نتيجة الاستفتاء على التعديلات الدستورية. ويستند هذا الرأي إلى المادة 62 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011م. فوفقا لهذا الرأي، فإن المادة المذكورة تفسر المادة 59 من الإعلان الدستوري، وتحدد لها نطاق تطبيقها. إذ تنص المادة 62 على أن «كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الإعلان الدستوري يبقى صحيحا ونافذا، ومع ذلك لا يجوز إلغاؤها أو تعديلها وفقا للقواعد والإجراءات المقررة في هذا الإعلان». فالإعلان الدستوري – شأنه في ذلك شأن كل دستور جديد – يحرص على عدم الانقطاع التشريعي الفوري بين الماضي والحاضر. فالقوانين وسائر النصوص الدستورية السابقة تبقى نافذة حتى تلغى أو تعدل. والقول بغير ذلك يحدث على الفور فراغا تشريعيا رهيبا تستحيل معه الحياة في الدولة. فالنصوص السابقة تستمر إلى أن تلغى أو تعدل طبقا للنصوص الجديدة. وعدم الانقطاع الدستوري والتشريعي بين الماضي والحاضر يحرص عليه كل دستور جديد. وفي ضوء هذا الأصل العام، ينبغي تفسير ما جاء في قانون حالة الطوارئ. فقد صدر هذا القانون بموجب القانون رقم 162 لسنة 1958م. وفي المرة الأخيرة، أعلنت حالة الطوارئ عقب اغتيال الرئيس الراحل «أنور السادات». إذ أصدر رئيس الجمهورية المؤقت القرار رقم 560 لسنة 1981م بإعلان حالة الطوارئ، وتجدد إعلانها مرة بعد أخرى إلى أن حدث التعديل الأخير، وكان ذلك بقرار رئيس الجمهورية رقم 126 لسنة 2010م، والذي نصت المادة الأولى منه على أن «تمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية المؤقت رقم 560 لسنة 1981م المشار إليه لمدة سنتين اعتبارا من أول يونيو 2010 حتى 31 مايو 2012م». وهذا الذي قررته هذه المادة يبقى صحيحا ونافذا طبقا للمادة 62 من الإعلان الدستوري إلى أن يعدل وفقا للقواعد والإجراءات الواردة في الإعلان الدستوري. وقد دعت الضرورة إلى تعديل المادة الثانية من هذا القرار الجمهوري الأخير رقم 126 لسنة 2010، فصدر قرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة رقم 193 لسنة 2011م بتعديلها، بحيث غدا نصها كالآتي: «تطبق الأحكام المترتبة على إعلان حالة الطوارئ خلال مدة سريانها على حالات مواجهة حدوث اضطرابات في الداخل وجميع أخطار الإرهاب والإخلال بالأمن القومي والنظام العام للبلاد أو تمويل ذلك كله وحيازة الأسلحة والذخائر والاتجار فيها وجلب وتصدير المواد المخدرة والاتجار فيها. وكذا على حالات مواجهة أعمال البلطجة والاعتداء على حرية العمل وتخريب المنشآت وتعطيل المواصلات وقطع الطرق وبث وإذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة». وهكذا، ينتهي هذا الرأي إلى أن حالة الطوارئ لم تلغ، بل لقد دعت الضرورات ومصلحة الشعب – بحق – إلى اتساع مجال تطبيقها (الدكتور مصطفى أبو زيد فهمي، حالة الطوارىء لم تنته، صحيفة الأهرام، 6 أكتوبر 2011م، صفحة قضايا وآراء).

والواقع أن هذا الرأي الأخير ينطوي على خلط بين قانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958م، وبين إعلان حالة الطوارئ والذي يصدر على النحو ووفق الإجراءات المنصوص عليها في القانون رقم 162 لسنة 1958م. وإذا كان نص المادة 59 من الإعلان الدستوري يتعلق بإعلان حالة الطوارئ، فإن نص المادة 62 إنما ينصرف إلى القوانين واللوائح والتي يندرج بينها القانون رقم 162 لسنة 1958م بشأن تنظيم حالة الطوارئ. ومن ثم، يكون لكل مادة من المادتين نطاق تطبيقها المختلف عن نطاق تطبيق المادة الأخرى، فلا تفسر إحداهما الأخرى أو تحدد نطاق تطبيقها.

من ناحية أخرى، يطالب البعض – من حين لآخر – بإعلان الأحكام العرفية، متعجبا من المطالبة بإلغاء حالة الطوارئ، ومؤكدا أنه قد تتطلب حقيقة الأمر مع تزايد الأحداث فرض الأحكام العرفية، حتى يمكن للنظام الحاكم كسر شوكة الإجرام والبلطجة والقضاء على جميع صور الانفلات بكل أحجامه وأشكاله وألوانه، سواء كان باستخدام السلاح في القتل والسطو والترويع، أو بقيادة وسائل النقل على اختلاف أنواعها بنزق وتهور واستهتار واستهانة بالأرواح البريئة (جريدة الأهرام، 15 أكتوبر 2011م، بريد الأهرام، مقال تحت عنوان «بل والأحكام العرفية»). وعلى إثر وقوع أحداث ماسبيرو يوم الأحد التاسع من أكتوبر 2011م، قام مؤسس أحد الأحزاب الجديدة – ويدعى الحزب الاجتماعي الحر – بنشر إعلان مدفوع في إحدى الصحف المسماة بالقومية، في صورة بيان إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، يطالب فيه بإعلان الأحكام العرفية فورا. ووفقا لما ورد في البيان، يستند الطلب إلى ما للجيش من وظيفة أساسية، تكمن في حماية الحدود الخارجية وتأمين الجبهة الداخلية للوطن من مفسديها، مما يجعل الجيش يحمل على كاهله أمانة الجبهة الداخلية والجبهة الخارجية، لابد أن يتفرغ لها كاملة (جريدة الأهرام، 14 أكتوبر 2011م، الصفحة التاسعة).

ومرة أخرى، يختلف الفقه بشأن حالة الأحكام العرفية (L'état de siège)، وما إذا كان المراد بها هو حالة الطوارئ (L'état d'urgence)، أم أنهما أمران منفصلان ومختلفان.

ونرى أننا لسنا بحاجة للخوض في هذا الخلاف الفقهي، سواء فيما يتعلق ببقاء حالة الطوارئ من عدمه، أو فيما يتعلق بمدلول الأحكام العرفية وما إذا كانت تعني حالة الطوارئ أم أن المراد بها شيئا آخر. فرجل القانون ينبغي ألا ينفصل عن الواقع وألا يعيش في كنف الفكر القانوني المجرد دون أن يراعي أو يعي الظروف الكائنة في المجتمع. إذ يتناسى كل هؤلاء أن تطبيق القانون – أي قانون – وسواء كان هو القانون العادي أو القانون الاستثنائي أو الأحكام العرفية، إنما يحتاج إلى توافر الإرادة لإعلاء كلمة القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء وعلى نحو موضوعي. ولم تعرف مصر – طوال سنوات حكم الرئيس المخلوع – إعلاء كلمة القانون وتطبيقه على الجميع. فقد كان النظام البائد يسهر على تزوير الانتخابات بما يعنيه ذلك من إهدار لإرادة الشعب وإهدار لأحكام القانون في ذات

الوقت، ويهدر شرعية المجالس النيابية المنوط بها مهمة التشريع. كذلك، كان الطريق العام يعيش في حالة من الفوضى وبحيث كان قانون المرور غائبا في الكثير من الأحيان. كذلك، استشرى الفساد والمحسوبية والرشوة. وفي قضية «عبارة الموت»، والتي قتل فيها أكثر من ألف إنسان غرقا في مياه البحر الأحمر، وأتت إدانة مالكها في كل من تقارير لجنة تقصي الحقائق وهيئة السلامة البحرية والطب الشرعي وتحقيقات النيابة، سمح النظام البائد بهروب مالك العبارة رجل الأعمال «ممدوح إسماعيل» إلى خارج البلاد، مستغلا صداقته وعلاقته بأحد أركان النظام البائد.

وهكذا، لم يكن النظام البائد حريصا على تطبيق القانون العادي، بينما يتذرع بقانون الطوارئ لهدف واحد، وهو التنكيل بالخصوم السياسيين وتزوير الانتخابات. وأود هنا أن أذكر واقعة طريفة حدثت معي في سجن طره، حيث كنت مخولا بالإشراف على لجنة امتحانات خاصة بالمسجونين والمعتقلين المنتسبين للدراسة بكلية الحقوق جامعة القاهرة. فقد كنت ألحظ أن المسجون الجنائي يبادر إلى القول بأنه مسجون في قضية جنائية، معتبرا أنه أفضل حالا من السجين السياسي. وهكذا، كان أرباب الجرائم يعتبرون أنفسهم أفضل حالا وأعلى شأنا من معتقلي الرأي وذوي التوجهات السياسية المناهضة للنظام البائد!!!

وبعد قيام ثورة 25 يناير، ورغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على سقوط النظام البائد، ما زلنا نعيش في حالة من الانفلات الأمني والغياب شبه التام للشرطة وانعدام الإرادة لإعلاء كلمة القانون وتطبيقه على الجميع. ويكفي هنا أن نتذكر العديد من الحوادث التي وقعت دون أن تجد رادعا أو رغبة صادقة في تطبيق القانون على الجناة. والمقصود هنا هو القانون العادي بطبيعة الحال. فلعلنا نذكر جميعا حادثة هدم كنيسة «صول» بمركز «أطفيح»، والتي انتهى الأمر فيها صلحا واكتفت الدولة بإعادة بناء الكنيسة، دون أن تقدم الجناة إلى المحاكمة. ولعلنا نتذكر أيضا واقعة قيام البعض بقطع أذن أحد الأقباط، في صعيد مصر، دون أن تحرك الدولة ساكنا، والاكتفاء بالصلح بين الأطراف. وأرجو ألا ننسى واقعة هدم الأضرحة بحجة أنها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية. والقائمة تطول من الحوادث التي غابت فيها الدولة، وسعى البعض إلى أن ينصب من نفسه وليا للأمر وقاضيا ومنفذا. وأخيرا، وعلى إثر تصاعد الدعوات المطالبة إلى تطبيق قانون الغدر، اجتمع بعض القيادات من فلول الحزب الوطني المنحل بإحدى القرى في صعيد مصر، حيث هددوا باحتلال أجزاء من مصر، وقال أحد أعضاء مجلس الشعب السابقين عن محافظة القليوبية بأنه سيقتل بمسدسه كل من يطالب بتطبيق قانون الغدر على أعضاء الحزب الوطني. ومرة أخرى، ظلت كلمة القانون في سبات عميق.

لقد ارتفعت الأصوات مطالبة بتطبيق القانون على كل الحوادث آنفة الذكر، دون أن تجد هذه الأصوات أذنا صاغية. ومع ذلك، نجد من ينادي بتطبيق القوانين الاستثنائية والأحكام العرفية. ولكل هؤلاء، نقول أن المشكلة ليست في نوع القواعد المطبقة، وإنما في توافر الإرادة المخلصة لتطبيق القانون. ولا يجوز المناداة بتطبيق القانون الاستثنائي أو الأحكام العرفية إلا إذا ثبت عدم جدوى تطبيق القانون العادي. أما إذا فرطت السلطات الحاكمة في تطبيق القانون العادي، فلا يجوز لها أن تدعي أو تتذرع بالحاجة إلى تطبيق القانون الاستثنائي. فالفوضى التي نعيشها إنما تنجم عن غياب القانون العادي ذاته، وعدم وجود الإرادة لتطبيقه وإنفاذ أحكامه، والانتقائية في هذا التنفيذ. وصدق الرسول الكريم إذ يقول: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد» (رواه البخاري).

وفي العبارة الشهيرة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة» تفسير لحالة الاستقرار التي تنعم بها العديد من الدول غير الإسلامية في أوروبا وأمريكا وآسيا، وحالة الفوضى والفتن التي تعيشها أغلب بلاد المسلمين. كذلك، تفسر لنا هذه العبارة الفارق الهائل والبون الشاسع بين حال الدول الإسلامية في الماضي السحيق وبين حالة البلدان الإسلامية في الأزمان المعاصرة. فقد ذكرت كتب التاريخ أنه لما استُخلف «عمر بن عبد العزيز»، وفد عليه قوم من أهل «سمرقند»، شاكين إليه أن «قتيبة» - قائد جيش الفتح الإسلامي – دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين على غدر، فأمر الخليفة العادل بعقد محكمة للنظر في تلك الشكوى، يكون مقرها «سمرقند» نفسها. وانعقدت المحكمة، وأصدر القاضي المسلم حكما بإخراج المسلمين من «سمرقند» لأنهم دخلوها ولم يخيروا أهلها بين الإسلام أو الجزية أو الحرب، ليذهل أهل «سمرقند» من هذا العدل، ولتكون عاقبة هذا العدل الإسلامي دخول أهل «سمرقند» في الإسلام. وفي ظل هذا الجو من العدل، كان من الطبيعي أن يسود الأمن والأمان وتعم الطمأنينة في أرجاء دولة الخلافة الإسلامية، وأن يقوم الذئب بحراسة الغنم.

لكل ما سبق، نطالب فحسب بتطبيق القانون العادي على الجميع، متمنين أن تتوافر الرغبة الصادقة في إعلاء كلمة القانون وإنفاذ أحكامه على الجميع، دون استثناء. وعند توافر هذه الإرادة، لن نكون بحاجة إلى تطبيق القوانين الاستثنائية أو تطبيق الأحكام العرفية. والذي يملك القدرة على تطبيق القوانين الاستثنائية، يمكنه أيضا تطبيق القوانين العادية أو الطبيعية.

----------
أستاذ القانون الجنائي المساعد بجامعة القاهرة