رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورات المياه بعد ثورة الخبز

يبدو أن ثورات الربيع العربي لن تخمد حتى لو تحققت شعاراتها المعلنة المرتبطة بحرية التعبير ولقمة العيش، فرغم تطاير هذا الشعار من سماء تونس ومصر الى سوريا واليمن وليبيا، إلا أن ما جرى مؤخرا من زحف الحوثيين إلى باب المندب وسعيهم - ومن خلفهم ايران - للوصول الى مياه البحر الأحمر، أمر مريب يفيد أن ثورات الربيع العربي انتقلت من المخاض المحلي إلي مرحلة الصراع الاقليمي، ويتأكد هذا الطرح بمخاوف اسرائيل من تداعيات الثورة السورية على مستقبل هضبة الجولان التي تشكل موردا مائيا وجغرافيا مهماً لها، ولا ننسى أيضا الدور المشبوه الذي تلعبه اسرائيل في منطقة أعالي النيل، وكذلك قناة أشدود التي تعتزم اسرائيل إنشاءها بتمويل غربي لضرب مشروع قناة السويس الجديد.  
يذكرنا هذا بما سبق أن حذر منه خبراء المياه العرب في مؤتمر الأمن المائي العربي الذي شهدته القاهرة قبل هبوب رياح الربيع العربي بعشر سنوات كاملة من أن الاحتلال المنظم الذي تمارسه إسرائيل للمياه العربية لا يقل خطورة عن احتلالها الأرض، مؤكدين أن التسويات السياسية المقترحة للشرق الاوسط ستكون قد فرغت من مضمونها فيما لو ركزت على استعادة الأرض دون أن تتطرق إلى حلول مستقرة لقضية المياه.

وفي أعقاب ذلك، حذرت دراسة عربية أخرى أعدتها المنظمة العربية للتنمية الزراعية التابعة لجامعة الدول العربية من محاولات بعض الأطراف الدولية والإقليمية ترويج مبدأ تسعير المياه وبيعها في المنطقة العربية من خلال تسويقها عبر مشروعات يروج لها البنك الدولي وإسرائيل وانشاء صندوق مشترك لكل الدول المتشاطئة لمجرى مائي دولي، يسجل فيه ثمن الماء الذي لديها على أساس أن قيمة المتر المكعب تعادل أرخص قيمة ماء بديلة، على أن تدفع كل دولة قيمة الماء الذي تستهلكه أو تطالب بالحصول عليه، وتحتسب هذه القيمة من حصة الدولة في الصندوق المشترك الذي يكون إما سالباً فتدفع الدولة الفرق، أو موجباً فتحصل الدولة على الفرق، ولتسهيل عملية البيع والشراء لا تطبق تلك العملية على مجموع المياه بل

على الحصص المختلف عليها فقط.
وحسب الدراسة التحذيرية فإن الدول العربية التي تحصل على حصتها وفقًا للاتفاقيات الدولية بين الدول المتشاطئة على الأنهار المشتركة مثل النيل «مصر والسودان» ودجلة والفرات «العراق وسوريا» عليها أن تسدد في حالة تطبيق هذا المبدأ الخطير مبالغ تتراوح قيمتها بين 11 و 28 مليار دولار سنويًا كقيمة للماء الذي تستهلكه أو تطالب بالحصول عليه، وفقًا للحصص المتفق عليها سابقًا.
وأضافت الدراسة التي جاءت بعنوان: «تسعير المياه الدولية وأثره على المنطقة العربية» أن الهدف المراد من ترويج مبدأ تسعير المياه وبيعها في المنطقة هو خدمة إسرائيل، وذلك بإيجاد مخرج للطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات متعددة الأطراف، والخاصة بالتعاون الإقليمي حول قضايا المياه. وبينت الدراسة أن مصر والسودان وسوريا والعراق ومعها موريتانيا ستكون الدول الأكثر تضررًا من الآثار السلبية لعملية تسعير وبيع المياه، وتضم هذه الدول حوالي نصف سكان الوطن العربي، ويمثل إنتاجها الزراعي نحو ثلثي الإنتاج الزراعي العربي.
هذا التحذير أطلق منذ أكثر من عقد ورصدت أذنابه في أكثر من مكان وللأسف تجاهلته كافة الحكومات العربية، واليوم تسلمت الميليشيات المسلحة هذا الملف الخطير وسط صمت شعبي عربي هذه المرة، وكأن الشعوب العربية الثائرة كان يعنيها فقط إسقاط الأنظمة الحاكمة المستبدة أكثر من إسقاط الدول نفسها وتغيير وعيها الجغرافي والاستراتيجي لصالح المغامرين والمتآمرين.

[email protected]