رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هجرة الأقباط بين وثيقة «الدهبى».. ونابشى الدستور!

الجدل المتصاعد حول حقوق «المواطنة» ومن بعدها المادة الثانية من الدستور لن يهدأ طالما تسلل بين مسلمى وأقباط مصر من يطلق عليهم الطرف الخفى أو «نابشو القبور» الذين لا تعنيهم حقوق مواطنة ولا ثمار وحدة بقدر ما تشغلهم غنائم وضع مرتبك وتنفيذ أجندات خاصة حتى لو أدى ذلك السير على جماجم الشهداء ونهش مكتسبات الثورة،

وإلا لماذا لم تثر هذه الفتنة، أقصد فتنة مسلم ومسيحى، شريعة أغلبية وحقوق أقلية، فى ثورة 1919 التى احتضن فيها الهلال الصليب وسط ظروف حالكة ومناخ استعمارى يشجع على الفرقة والتقسيم وتنفيذ أجندات خاصة لتفتيت الدول وتأجيج المنطقة مثلما حدث بعد ذلك فى فلسطين.
أقول هذا ويعتصرنى الألم بشأن ما يثار حول هجرة الأقباط مخافة التهميش، ورغم تشجيع الغرب وفى مقدمته هولندا لتفريغ مصر من الإخوة الأقباط والتلويح بمنحهم حق اللجوء السياسى، الآن الأمر يحتاج وقفة من الجميع، رسائل اطمئنان من الإخوان والسلفيين ورسالة تهدئة من القيادات المسيحية لأن المصير واحد والخسارة ستطال الجميع.
والفرق شاسع بين دعاة تغيير الدستور الذين ينطلقون من رحم الثورة التى وضعت الشعب والبلاد على الطريق الصحيح للديمقراطية وبين نابشى القبور الذين يسعون للانقلاب على الثورة والزج بالبلاد فى أتون حرب أهلية وفوضى دائمة تتعطل فيها الحياة السياسية ولا تصلح معها دساتير الدنيا ولعلنا نستفيد من دروس شقيقتنا لبنان التى اكتوت ولاتزال بلهيب هذه الحرب.
الحالة اللبنانية بدأت بمطالبات طائفية، لكل الطوائف على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، وتحولت إلى مسرح للصراعات الإقليمية والتدخلات الدولية، نعلم أن الحالة المصرية كما يحلو لنا دائماً أن نردد لها خصوصيتها، ولكن ما يحدث الآن على الساحة السياسية ينتزع منها هذه الخصوصية تلك الخصوصية التى عشنا فى كنفها آلاف السنين لا فرق بين مسلم ومسيحى، تجمعنا الثورات ولا يهزمنا استعمار.
ومن ثم فالجدل المتشنج الآن حول تعديل المادة الثانية من الدستور قد يعجل بإجهاض الثورة الوليدة التى تحتاج إلى بعض الوقت لالتقاط الأنفاس وترتيب الأوراق والأولويات، وكل المطلوب هو إخضاع هذا الجدل إلى حوار عقلانى هادئ يقود فى النهاية إلى استقرار البلاد لا إلى تفتيتها، وما نحتاجه خلال هذه المرحلة العصيبة هو إعلاء راية العدل للجميع ولو دققنا لوجدنا أن هذه الراية تحققها «التعددية فى المجتمع الإسلامى»، هذا ليس كلامى ولا كلام علماء المسلمين وحدهم، وإنما هى شهادة بمثابة وثيقة قدمها عالم ومفكر مصرى مسيحى مستنير فى مؤتمر إسلامى عالمى عقد فى مصر فى منتصف التسعينيات من القرن الماضى هو المستشار الدكتور إدوار غالى الدهبى رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق ورئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشعب بعد ذلك، هذه الرؤية المستنيرة والمنصفة قد تساعدنا على اجتياز منعطفات المرحلة الراهنة، لحين إعادة ترتيب البيت المصرى من الداخل فى أجواء أكثر أمناً وأماناً، وثيقة المستشار إدوار الدهبى تكشف عن عدد من الحقائق المهمة نوردها بدون تدخل، أى كما خطها حرفياً بخط يده وتتمثل فى:
- إن أول وثيقة مكتوبة فى تاريخ الإسلام، التى حررها النبى ــ صلى الله عليه وسلم ــ وهو يرسى أسس المجتمع الإسلامى فى المدينة، والتى عرفت باسم «الصحيفة»، تضمنت نصاً اعتبر اليهود مع المسلمين «أمة واحدة» بحيث عوملوا كمواطنين فى الدولة الإسلامية الوليدة، ولم يعاملوا كأجانب أو رعايا من الدرجة الثانية.
- هذه الوثيقة جعلت غير المسلمين المقيمين فى دولة المدينة مواطنين فيها، لهم من الحقوق مثل ما للمسلمين، وعليهم من الواجبات مثل ما على المسلمين.
- هذه الوثيقة ـ والكلام للدكتور الدهبى ــ تعد مفخرة من مفاخر الإسلام، لأنها سبقت المواثيق العالمية والدساتير الوطنية

بقرون عدة فى مجال تطبيق مبدأ الحرية الدينية فى ظل ظرف الأمن والسلام الاجتماعى القائم على مبدأ الوحدة الوطنية بين ذوى العقائد الدينية المختلفة.
- يتضح البعد التقدمى والحضارى لصحيفة المدينة إذا لاحظنا أن المبدأ الذى كان سائداً فى العالم فى ذلك الوقت، هو إكراه الرعايا على اعتناق دين ملوكهم، فالصحيفة رفضت الأخذ بهذا المبدأ الذى كان سائداً فى دولتى الروم والفرس، وقررت أن من حق الشعوب الخاضعة لسلطان الدولة الإسلامية الوليدة أن تحافظ على معتقداتها وتقاليدها وطراز حياتها.
- على الرغم مما سجله القرآن الكريم من انتقادات لعقائد اليهود فإن ذلك لم يحل دون الاعتراف بهم فى الصحيفة وأنهم يعتبرون مع المسلمين «أمة واحدة»، ولكن الموقف العدائى الذى وقفه اليهود من الإسلام والمسلمين، وعدم التزامهم بالعهود، وتحالفهم مع أعداء المسلمين، كل هذا دفع المسلمين إلى أن يغيروا نظرتهم إليهم.
ويعلق أحد كتاب الغرب المنصفين، على حد وصف المستشار إدوار الدهبى ــ على ذلك بقوله: كم كان يمكن أن يتغير تاريخ البشرية، لو أن اليهود ــ وهم أصحاب ديانة توحيدية ــ أمكنهم أن يصالحوا المسلمين ويتعاونوا معهم؟
لم يكتف المستشار إدوار الدهبى بهذا الطرح الجرىء، بل راح يسلط الضوء أكثر فأكثر على التعددية الواردة فى صحيفة المدينة، موضحاً أنها تأتى تطبيقاً لمبادئ أساسية يرتكز عليها الإسلام، لخصها فى 3 مبادئ هى:
- إن الله سبحانه وتعالى رفع من شأن الإنسان، بأن كرمه واستخلفه فى الأرض وحمّله الأمانة والملاحظ أن الآيات القرآنية التى تمجد الإنسان وتعلى مرتبته فوق كل المخلوقات تتناول الإنسان لذاته لا لاعتقاده، ومن حيث هو تكوين بشرى، وقبل أن يصبح مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بوذياً.
والنصوص القرآنية شديدة الوضوح فى هذه النقطة بالذات، فهى تارة تتحدث عن الإنسان، وتارة تتحدث عن «بنى آدم» ومرات أخرى توجه الحديث إلى «الناس» وهذا التعميم لا تخفى دلالته على أى عقل منصف مدرك للغة الخطاب فى القرآن الكريم، التى تستخدم موازين للتعبير غاية فى الدقة، فتبين متى يكون الخطاب للإنسان والناس عامة، ومتى يوجه الكلام للمؤمنين والمسلمين قبل غيرهم.
هذه النظرة السامية للإنسان ــ لمجرد كونه إنساناً ــ يقود إلى تأكيد حقيقة ثابتة، وهى أن الإسلام يساوى بين الناس جميعاً، بل إن هذه المساواة لا تقتصر على كونها «حقاً» للإنسان، بل تتجاوز ذلك إلى إدخالها فى إطار «الواجب».
وللحديث بقية..

[email protected]