عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

القضاء بين الضمير والقانون

ما هى علاقة الضمير بأحكام القضاء؟، هل ضمير القاضي يؤثر على أحكامه؟ ولماذا يعلق أغلب أو بعض القضاة العدالة على ضمير القاضي؟ وهل لو غاب الضمير غابت العدالة عن الأحكام؟

بداية نشير إلى عدم وجود تعريف جامع مانع لما سمى بالضمير، ولا يوجد اتفاق حول مكان الضمير، البعض يرى أن موضعه الدماغ بالعقل، والبعض الآخر يراه داخل القلب، والضمير فى تعريفه المبسط هو آلة أو أداة أو ميزان يقيم أو يثمن بها الإنسان أفعاله، وهذه الآلة أو الأداة تتشكل عبر الزمن، يتم تغذيتها منذ الصغر، يشارك فى عملية التغذية الأسرة والبيئة المحيطة والمدرسة والمسجد والكنيسة والجامعة والشارع ووسائل الإعلام، وهذا الضمير قابل للشحن وللتطوير والتعديل عبر الزمن، لأنه ابتداء من سنوات التمييز يعتمد عليه الإنسان فى تصنيف وتقييم وتثمين أفعاله: الصح والخطأ، الحلال والحرام، الخير والشر، الأخلاقي وغير الأخلاقى، الجميل والقبيح..والضمير يختلف من إنسان لإنسان حسب ما تلقاه من عادات وتقاليد وثقافة وقيم دينية، ما يتم تحريمه فى ديانة يباح فى أخرى، وما يجرم أخلاقيا فى بلدة يعد مألوفا فى أخرى، ويقال إن الضمير يختلف من إنسان لآخر ليس على حسب الجغرافية ودرجة التعليم فقط، بل يمكن أن يختلف بقدر بين الطبقات الاجتماعية.
هذه الآلة أو الأداة ما دخلها بأحكام القضاء؟ وهل اختلاف الضمير من قاض لآخر يؤثر على أحكامه؟، وهل القاضى يحكم ضميره أم يحكم القوانين؟، وهل تحكيم الضمير هو الذى يحقق العدالة فى الأحكام؟
المتفق عليه أن القضاء يحتكم إلى القوانين فى استصدار أحكامه، وأن القوانين لا تحقق بالضرورة العدالة، حتى الأحكام الشرعية لا توفر بالضرورة العدالة، لأنها تخضع لتقدير المفتى، فيعود إلى القرآن والسنة والإجماع ويقيس المسألة التى ينظرها على ما يشابهها فى الموروث، وفى النهاية يقدر حكمه، قد يخطئ فى فهم أحد النصوص أو الأقوال، وقد يكون له رأيه المخالف فى تفسير آية أو مأثور، فتتأثر تقديراته، نفس الشىء فى القانون، قد يكون القاضي غير ملم بجميع المواد التى تعينه على التقدير، وقد يخطئ فى تفسير بعض النصوص، وقد يأخذ بظاهر النصوص، وقد يكون له تفسيره الخاص، وقد تكون القوانين بها عوار، فى النهاية تتشكل قناعة القاضى ويصدر حكمه، وقد تكون الأحكام متوافقة مع منطوق النصوص، وقد يكون بعضها بعيدا عن مفهومها، فالأحكام كما سبق وذكرنا تقديرية، تخضع لحرفية القاضى ومدى إلمامه بالقوانين وفهمه لنصوصها وللقضية المنظورة، فهى ليست عملية حسابية،

المدخلات تفضى بالضرورة إلى مخرجات بعينها، لهذا اختلفت درجات التقاضى، ما التبس على قاضى الدرجة الأولى ينبه إليه قاضى الاستئناف، وما غاب عن قاضى الاستئناف حضر أمام قاضى النقض، الخطأ وارد لأن الأحكام تخضع لتقدير القاضى والمفتى، والخطأ وارد لأن المرجعية فى القضاء القوانين التى وضعها مشرع، والخطأ وارد لكثرة القوانين وتعديلاتها.
إذا كان الأمر على ما وضحنا، ما هو دور الضمير هنا؟، وهل هو الذى يساعد القاضى أو المفتى على فهم النصوص؟ وهل اختلاف الأحكام يعنى بالضرورة اختلاف الضمائر؟، هل سوء تقدير قاضى الدرجة الأولى يعنى أن ضميره غائب أو باهت أو ضعيف أو أنه خالف ضميره؟ بالطبع الإجابة بالنفى، فالضمير ليس له محل من الإعراب، ومن يخالف ضميره فى القضاء مثل من يخالف ضميره فى الصحافة والطب والهندسة والشرطة والجيش والوزارة والوظيفة، وهذه المخالفة فى حد ذاتها خروج علي القانون وليس خروجا علي الضمير، فعندما نقول فلان(الصحفى، القاضى، الضابط، الطبيب ..) قد خالف ضميره، نعنى أنه خالف القوانين المعمول بها فى وظيفته، وما يقال إن القاضى راعى ضميره فى الحكم، هو كلام مجازى ليس له محل من الإعراب، لأن المفترض فى القاضى أو الضابط أو الصحفى أو الاعلامى أو الموظف أو الوزير أن يعمل بضمير، وألا يخالف شروط وقوانين وظيفته، إذا خالف القاضى ضميره يعنى انه خالف قوانين وظيفته، وإذا حكم ضميره يعنى أنه التزم بقوانين وظيفته، الضمير مجرد آلة أو أداة لتثمين الأفعال الإنسانية، وليست أداة تعين القاضى على فهم النصوص أو تقدير الأحكام، وحضور الضمير أو غيابه ليس له علاقة بالأحكام ولا بصحتها.

[email protected]