رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مشاهد من الذاكرة



رفعت عن وجهها الغطاء، حدقت في وجهها لفترة، لم يعد هو الوجه الذي كنت أراه في طفولتي وصباي، أصبح شاحبا ونحيلا وداكنا ومترهلا، التجاعيد في جبهتها وأسفل عينيها وحول أنفها، لا أذكر لون عينيها، فكرت في أن أرفع جفنها، ربما كان عسليا أو أسود، حاولت أن أستدعى من ذاكرتي مشاهد كانت تنظر فيها لى ربما تذكرت لون عينيها، جميع المشاهد التى استدعيتها كانت تتكلم فيها وهى منشغلة في المطبخ أو تغسل ملابسنا: ترفع غطاء الحلة، تمسح دموعها من البصل، تدعك بقوة ياقات القمصان.. وضعت يدي على كتفها، طبطبت عليها:

ــ مش هتصحى بقي؟، أنا هنا من فترة؟
تعرفي الطريق كان زحمة جدا، طوال الطريق كنت بفتكر أيام زمان، فاكره لما كنت بدهن وشى أسود وألبس جلبابك الأسود وأخوف اخواتى، كان صراخهم تسمعيه من آخر الدنيا، وفاكره لما كنا نتلم جنب الراديو علشان نسمع مسلسل خمسة وربع، فاكره لما سمعنا شفيق نور الدين وهو يأكل الزلابية في مسلسل المماليك، طلبناها منك واتجمعنا حولك وأنت بتعمليها، تعرفي أنى افتكرت يوم وأنا راجع وش الفجر من أول إجازة من الجيش، فاكره الأيام دى، كنت كل ما أروح علشان يجندونا يتأجل الموعد، وأخر مرة رحت بدون فلوس ولا ملابس وأخذونا على مرسى مطروح عدل، وضعت يدى على جبهتها باردة جدا:
ـــ أيه الحكاية أنت مابترديش على ليه؟.. طيب هقولك حاجه تضحك، فاكره في عيد الأم لما كنا كلنا بنجبلك مناديل بريحه، وفى مرة الريحة كانت وحشة وقعدنا نعطس كلنا.
ـــ ماما هو أنت صحيح مت؟، أوعى تكوني بتعملى ميته؟، هاتى أيدك أأومك، هحطلك مخدة ورا ضهرك اسندي عليها.. بقولك إيه كفاية بقى واصحي، أنت زى الفل أهه، أيه يعنى جسمك بارد، ومافيش نفس، بس أنت زى ما أنت ... ماما، ماما، أنت مت بجد؟، مش معقولة إنك مت، هم اللى بيعيطوا بره

بيعيطوا عليك، طيب مت ليه؟.
يقال إن عمرها عندما ماتت كان 66 سنة، وفى رواية أخرى 63 سنة، لا أحد منا يعرف عمرها على وجه التحديد، وحكوا أن عمرها المثبت في شهادة الميلاد لم يكن حقيقيا، لم أحتفظ لها بصورة، ربما لأنني أشعر دائما بأنني فى ترحال، على سفر، وربما لأنني قد غادرت كثيرا ومازلت أشعر أنه حان وقت السفر، وربما لأنني أعيش الغربة، لكن الذي أتذكره جيدا أن صورها كانت قليلة.
كانت تفتخر بأن والدها كان عمدة شبرا النونة مركز ايتاى البارود فى محافظة البحيرة أيام الملك وأوائل ثورة الجيش، كانت تحكى لنا عنه بعزة كيف كان قاسيا في الحق وحليما مع الفقراء، قصصه لم تنقطع عن منزلنا.
اسمها لطفية، وكثيرا ما كانوا يخطئون فى كتابته فى الأوراق الرسمية، وفى آخر بطاقة شخصية استخرجناها لها، كتبوا اسمها «لطيفة»، أشقاؤها كانوا ينادونها: «عجورة»، لحبها في العجور، كما كانوا يسمونها «فوكيه» نسبة للفاكهة، حكي لنا خالي فتحي(أخ لها غير شقيق مات هو الآخر) أنها كانت تأكل طوال النهار من أشجار الفاكهة بالحديقة المحيطة لمنزل والدها، شاهدتها تقف أمام المرآة ونحن حولها صغارا، كانت تعتقد أنها الخالق الناطق نجاة الصغيرة، وكلما فتحت السيرة نضحك ونغنى لها: لا تكذبي ..

[email protected]