رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

العيشة بقت مرة

أتذكر هذا اليوم جيدا، كأنه الأمس، يوم الاثنين 17 يناير 1977، منذ سبع وثلاثين سنة، كان عمرى 19 سنة، كنت فى قطار أبوقير بمدينة الإسكندرية عائدا من زيارة أحد الأصدقاء، قبل دخولنا محطة مصر، فوجئت بفزع وهرج فى القطار:
- إيه، فيه أيه؟

- بيرموا القطار بحجارة.
- مين؟
- مظاهرات، الناس كلها فى الشوارع.
توقف القطار ونزلت إلى الشوارع المحيطة، آلاف من الشباب والرجال يهتفون: «عايزين حكومة حرة العيشة بقت مرة» .. «سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه» .. و«هو بيلبس آخر موضة وإحنا بنسكن عشرة ف أوضة».. «همه بياكلوا حمام وفراخ واحنا الفول دوخنا وداخ».
قررت العودة إلى طنطا محملا ببعض الحكايات، أقف وأفاخر بين أهلى وجيرانى وأصدقائى بمشاركتى فى مظاهرة كبيرة، دخلت وسط الزحام، صوتى تحشرج، دموعى بدأت تتساقط، هتفت معهم: العيشة مرة، لم أكن أعرف لماذا خرجوا، استمعت لبعض ما يقوله الشباب، فهمت أنهم خرجوا بسبب رفع الحكومة أسعار بعض السلع: رغيف العيش والسكر والشاى والأرز، والأجهزة الكهربائية والأقمشة المستوردة، والبنزين والغسالات والسخانات والمراوح والأقمشة والأفران والثلاجات والسجاد وأجهزة التسجيل.
تذكرت والدى وهو يقول:
- الدنيا غليت.
هتفت بأعلى صوتى: عايزين حكومة حرة العيشة بقت مرة، انتبهت لبعض الأشخاص يقودون المتظاهرين، أحدهم كان طويل القامة، شعره مجعد وطويل، كان ينسق مع البعض فى جهات أخرى من المظاهرة، بعض المتظاهرين كانوا يحطمون المحلات والسيارات، شاهدت بعض الأتوبيسات وهى تتهشم، وقفوا أمام كشك شرطة، تم تحطيمه عن آخره، وأشعلوا النار فى سيارته، سمعت أحد الشباب يصرخ:
- احنا بنحرق بلدنا، دى حاجتنا.
- صرخ آخر بأعلى صوته: مصر، مصر، تحيا مصر.
شعرت بقشعريرة وانهرت فى البكاء، رددت خلفه الهتاف، غنينا: بلادى بلادى لك حبى وفؤادى، قوات الأمن تهاجم بقنابل مسيلة للدموع، سحابة من الدخان الحارق تغيم على الشوارع، النساء فى الشرفات يهتفن ويلقين بمياه على المتظاهرين لحمايتهم من آثار الغاز والقنابل، الهراوات، والعصى تنزل على أجسادنا، ظهرى يؤلمنى بشدة من كثرة الضربات التى

تلقيتها، نسيت بلادى ونسيت العيشة بقت مرة، وقلة حيلة أبى، انشغلت بالوجع والهروب، خفت من التوقف أشبع ضربا، كنا نجرى كالفئران فى متاهة، دخلت إحدى العمارات رجلى اليمنى تؤلمنى بشدة، كانت إحدى العلب الصفيح قد سقطت عليها، أكدوا لى ساعتها أنها القنبلة المسيلة للدموع، صرخ احدهم:
- العساكر جايين.
خرجت من مدخل العمارة مفزوعا، المئات يحطمون الرصيف ويقذفون الجنود بالحجارة، فكرت فى الرحيل والاكتفاء بهذه الحكايات، أخذتنى الزحمة إلى موقع فى مواجهة قوات الأمن، الجنود تتقهقر وتحتمى فى الدروع، أحد الضباط يأمرهم بعدم إحكام الحصار، وطالبهم بترك منافذ يهرب منها المتظاهرون، تجدد الضرب بالهراوات، تلقيت واحدة لا أعرف من أين؟، جريت دون توقف، الضرب ينهال على جسدى، أصرخ وأتألم وأجرى وأجرى، العديد من الشباب سقطوا على الأرض، الجنود يضربون بقسوة، الشباب يردد: مصر، مصر، ظهرى يؤلمنى بشدة، أجرى كالفأر فى المتاهة، لا أعرف متى سأخرج من الدائرة، لم أعد قادرا على الجرى، لجأت لأحد الحوائط خلف سيارة أحتمى من الهراوات والقنابل المسيلة للدموع، جلست على الأرض نظرت خلفى، الشوارع خالية وأصوات الهتافات والألم تأتى من بعيد، تفقدت الشوارع الجانبية، سألت احدهم عن محطة القطار، قال لى: خلفك، دخلت المحطة وركبت القطار العائد إلى طنطا، فى اليوم التالى سمعت الرئيس السادات يصف المظاهرة: انتفاضة حرامية.

[email protected]