عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

بطاقة حمـراء

حملت بطاقة الانتخاب فى يدى ووقفت على باب اللجنة بشكل تمثيلى أقرأ فى اللافتات المعلقة والأسماء المرشحة، كان الاقتراع فى حجرة ناظر مدرسة الأقباط الاعدادية، كانت هى مرتى الأولى التى اشارك بها فى الانتخابات، أذكر بعض تفاصيل هذا اليوم جيدا، منذ 35 سنة كنت طالبا فى المرحلة الثانوية، طرق باب المنزل أحد الأشخاص لا أذكر هويته جيدا، قال إنه يتبع قسم شرطة أول طنطا،

سلمنى كارنيه أحمر، وقعت فى كشف بالاستلام وعرفت منه أن الكارنيه هو بطاقة الانتخاب، سعدت جدا بها وشعرت أننى أصبحت بالفعل من الرجال، هذا الشعور سبق وأحسست به لكن بسعادة أكبر عندما استخرجت أول بطاقة شخصية، عرضت بطاقة الانتخابات على جميع أصدقائى وجيرانى، كانت البلاد على وشك الدخول فى انتخابات مجلس الشعب وربما المحليات، وكانت المحامية أمال أبوزيد(على ما أتذكر اسمها) تعتزم خوض الانتخابات عن حى الصاغة الذى كنت أسكن به فى مدينة طنطا، وكانت أمال شقيقة أحد زملائى بالمدرسة، وسمعت أيامها أن المرشحين هم الذين يسعون إلى اصدار البطاقات الانتخابية للشباب لكى يدفعوهم للتصويت إلى جانبهم، وهذه الحكاية احبطتنى جدا حيث كنت اتفاخر بأننى الوحيد الذى يحمل بطاقة حمراء من بين زملائى وأصدقائى وأشقائى، قيل إنهم يذهبون إلى قسم الشرطة ويتطلعون على كشوف أسماء أبناء الحى الذين بلغوا سن الاقتراع، ويدفعون رشوة للصول (مساعد الشرطة) أو الشاويش المسئول ويستخرجون البطاقات، تغاضيت عن هذه الظنون ووصفتها بمبررات الحاقدين، عندما أوشكت الانتخابات سألت: ماذا أفعل داخل اللجنة؟، شرح لى بعض من سبقونى فى حمل البطاقة خبرتهم السياسية فى الانتخابات، الليلة السابقة ليوم الاقتراع تقمصت شخصية السياسى المحنك، وفرضت موضوع الانتخابات على حديثى فى البيت مع اخوتى وفى الشارع مع أصدقائى، لدرجة أصابتهم بالملل من التكرار واللت والعجن، فى المساء أعددت الملابس التى سوف أذهب بها إلى اللجنة، جلست ألمع الحذاء بعناية فائقة، وفى السرير أخذت أرسم لنفسى عدة سيناريوهات لدخولى اللجنة ولكيفية تصرفى، حاولت أن أضبط بعض الجمل التى سوف أقولها، وقررت أن أتجنب الدخول فى حوارات جانبية حول أهمية أو أفضلية أو برامج المرشحين، نصحونى بالصمت، أكدوا أن فيه وقارًا وهيبة، فى الصباح دست على القميص والبنطلون بالمكواة مرة أخرى، وأعدت

بالفرشاة على الحذاء، ارتديت ملابسى أمام المرآة وأخذت أتطلع فى الشخصية السياسية الوقورة التى اتقمصها، فى الطريق حاولت بقدر الإمكان ألا تفلت هذه الشخصية منى وأظل ممسكا ومتقمصا لها حتى انتهائى من عملية التصويت، على باب اللجنة وقفت أتطلع بكل ثقة ووقار فى اللافتات، انصار المرشحين يملأون المكان، أخرجت البطاقة الحمراء من جيبى واتجهت بتؤدة منتفخا إلى اللجنة، على الباب نشب خلاف بين الأنصار لسبب لا أعرفه ولم أعرفه حتى اليوم، تحولت المشادة إلى مشاجرة، استخدمت فيها الشوم والكراسي، حاولت أن أتسلل بعيدا عن المشاجرة وأدخل إلى اللجنة أدلى بأول صوت لى فى الانتخابات، المشاجرة تغلق مدخل اللجنة، دفعت برفق بعض المتشاجرين لكى أفسح لنفسى ممرا، ملابسى كادت تتمزق من شدة الزحام والتدافع، قررت التراجع والابتعاد: ملابسى اتبهدلت، التقهقر أصعب من التقدم، بعد فترة من التدافع والشد والجذب، انتبهت إلى نفسى ملقى على الأرض، وقميصى الأبيض متسخا وممزقا، ضربت بطرف عيني: البطاقة الحمراء تحت الأقدام، مددت يدى وسحبتها من أسفل حذاء أحدهم، نهضت وأنا أنفض عنى التراب والشخصية التى تقمصتها منذ الصباح الباكر، خلال عودتى للمنزل كنت أسب وألعن المرشحين والناخبين، فى البيت أقسمت ألا أذهب مرة أخرى للجنة طوال حياتي، تذكرت هذه الواقعة أمس وأنا أقف فى طابور طويل انتظر دورى لكى أدلى بصوتى لأول مرة فى حياتى بمناسبة قيام الثورة، تطلعت فى البطاقة: لونها اخضر وليست حمراء، تفاءلت وقلت: هانت كلها ساعة وأدلى بصوتي.
[email protected]