رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

وداعاً ديليسبس..صحفي محترف ضد الفساد

 

في بداية شهر يونيو 2007 تقدمت ومعي مائة نائب معارض في مجلس الشعب بعريضة اتهام سياسي وجنائي ضد الدكتور يوسف بطرس غالي لاخفائه اكثر من ثلاثة عشر مليار جنيه من حصيلة الخصخصة.

 

وكالعادة قمت بتوزيع عريضة الاتهام علي جميع المحررين البرلمانيين في مجلس الشعب، تابعت الصحف في اليوم التالي فوجدت ان الموضوع قد تم تناوله من جانب العديد من السادة الصحفيين وكان لافتا للنظر تغطية متميزة ومحترفة تنبئ عن فهم عميق للاتهام والأسس التي بني عليها بأسلوب السهل الممتنع والذي يصل بالفكرة الي القارئ العادي غير المتخصص وأعجبت جداً بالصحفي الذي حرر الخبر فأعدت قراءة اسمه ومن يومها حفر الاسم في ذهني انه محمود مسلم ولم أكن أعرفه قبل تغطيته هذا الموضوع، وبدأت أتابع تغطياته الصحفية البرلمانية وحواراته ومقالاته فشعرت انه صحفي معارض بامتياز.

وتوطدت علاقتنا فاكتشفت فيه مدي اخلاصه ونقائه وتفانيه من اجل المصلحة العامة مع تحليه بالشجاعة والمصداقية والاستغناء عن أي مصالح أو منافع في سبيل اداء واجبه الوطني من خلال محراب الصحافة الوطنية المخلصة، ولن أنسي حديث الصحفي والاعلامي الرائع المرحوم مجدي مهنا عن محمود مسلم اثناء لقائي به - رحمه الله - في احدي حلقات برنامجه التليفزيوني، بعد المداولة والذي كان يذاع علي القناة الثانية بالتليفزيون المصري، وكان معي النائب الثائر دائما محمد عبد العليم داوود - حيث تحدث مجدي مهنا عن محمود مسلم حديثا لا يملك المستمع له إلا ان يحترم ويقدر هذا الصحفي بالغ الاحترام.

وتوالت الخبطات الصحفية التي سببت متاعب جمة لمحمود مسلم لأنها كانت تضرب مصداقية الحزب الوطني في الصميم وتظهر مدي تواطئه مع الحكومة علي إفساد الحياة السياسية في مصر، وأذكر هنا علي سبيل المثال فضيحة الحكومة والحزب الوطني في قضية الرشاوي السياسية لنواب الحزب الوطني بمجلس الشعب، فحين حصلت - بالأسماء والمستندات والارقام - علي من حصلوا علي هذه المبالغ والتي وصلت الي 100 الف جنيه لكل نائب من نواب الحزب الوطني لصرفها علي دوائرهم وثبت من المستندات ان نواب الحزب الوطني قد صرفوها في رحلات اليوم الواحد وشراء عجل اطفال والمساهمة في تجهيز العرائس ومبالغ نقدية للمواطنين وكانت كل هذه المبالغ من ميزانية الدولة، حين حصلت علي ذلك لم أجد أي صحيفة مستعدة لنشر هذه الفضيحة بالرغم من وجود المستندات واشفقت علي محمود مسلم من ان يتولي هو نشر هذه الفضيحة لانه كان عضواً بالحزب الوطني إلا انني عرضت عليه الامر ففوجئت بموقف اذهلني باستعداده الكامل للنشر وتحت مسئوليته بل أصر هو علي عدم الافصاح عن مصدره بالرغم من انني كنت نائبا في مجلس الشعب وأتمتع بالحصانة.

وبالفعل قام محمود مسلم بنشر الاسماء كاملة للنواب المنتفعين بهذه الاموال وأنا أعلم مقدار ما ناله من غضب خاصة من امين تنظيم الحزب الوطني احمد عز حيث كان النواب الحكوميون يستظلون بنفوذه وجبروته لوأد أي محاولة لنقد نواب الحزب الوطني ومع ذلك فعلها محمود مسلم ولم يبال لايمانه بأن فضح هذه الممارسات تصب أساسا في مصلحة الوطن وإن كانت تعارض مصالحه او تعرضه للخطر.

وتأتي الخبطة الثانية حين اجري محمود مسلم حديثا مع المستشار مقبل شاكر في برنامجه "منتهي السياسة" حيث قرر رئيس محكمة النقض ان عدد الطعون المقبولة والتي تم إرسالها الي مجلس الشعب بلغ 120 طعناً تقريبا واستندت لهذا الحديث بالجلسة العامة لمجلس الشعب حيث لم تعرض علينا اي تقارير ولم تعرضها اللجنة التشريعية والتي كنت عضوا فيها حتي انني سألت الدكتور احمد فتحي سرور إن كان يوجد برلمان غير مجلسنا هذا؟ فرد علي محمود مسلم عبر رسالة قصيرة ساخراً بأنه يوجد برلمان الشباب وربما ان التقارير قد ارسلت اليه، وطالبت المجلس ورئيسه ورئيس اللجنة التشريعية بأن نطلع علي هذه التقارير دون جدوي.

فحصلت من مصادر خارج المجلس علي قائمة كاملة بأسماء هؤلاء الأعضاء وكان منهم نواب من الحزب الوطني ومن المستقلين ومن الاحزاب وحين اكتملت الاسماء وصور التقارير والاحكام تقابلت مع محمود مسلم في مكتبي وعرضت عليه الأمر فرحب بنشر الاسماء وكانت لـ 77 نائباً بمجلس الشعب وقرر لي انه مستعد لحجب المصدر كما حدث في قضية الرشاوي السياسية فتملكتني الغيرة من هذا الموقف الوطني فقلت له هذا موضوع سيقلب المجلس والدوائر الانتخابية عليك ولم أقبل إلا ان تنشر الاسماء بالكامل مع التأكيد علي أنني مصدر هذه الوثائق والمستندات، وبالفعل تم النشر في جريدة "المصري اليوم" عن هذه الفضيحة المدوية لتستر المجلس ومكتب اللجنة التشريعية علي نواب تم انتخابهم بالتزوير.

وكما توقعت فبعد النشر ثارت ثائرة النواب وعلي رأسهم احمد عز وتباري النواب - خاصة نواب الحزب الوطني - في كيل الشتائم لمحمود مسلم ولجريدة المصري اليوم ولشخصي وكنت قد تأخرت عن هذه الجلسة الساخنة لتسلمي باقة مستندات رسمية تؤكد صحة ما تم نشره، وحين حضرت للمجلس ذهبت الي غرفة التسجيلات لسماع ما دار في الجلسة اثناء غيابي للرد، وعدت حيث قلت إنني أتحمل منفردا مسئولية ما تم نشره من اسماء وردا علي طلبات النواب بإحالتي الي لجنة القيم طلبت صراحة بأن يتوجه أي نائب ورد اسمه ولم يكن صحيحا ان عضويته باطلة ان يتوجه فورا الي النائب العام وأنا مستعد للتحقيق ورفضت تماما موضوع لجنة القيم وبعد جلسة ساخنة استمرت لأكثر من ثلاث ساعات قرر المجلس ان تجتمع اللجنة العامة للمجلس صباح اليوم التالي لتقرر ما تراه بشأني وانتهي الامر بتوجيه اللوم لي لنشر هذه البيانات وليس

لعدم صحتها وأذكر ان الدكتور سرور قال بالجلسة العامة، احمد ربنا دول كانوا عايزين يدبحوك، ولا شك ان شجاعة محمود مسلم وإقدامه علي نشر هذه القضية كانت هي السبب الرئيسي في تفجيرها، ثم كانت معركتنا الكبري - محمود مسلم وأنا - ضد فساد وزير الاسكان الاسبق محمد ابراهيم سليمان.

فمنذ سقوط النظام السابق، لم أسمع خبراً أسعدني مثل خبر القبض علي محمد ابراهيم سليمان والذي اتهمته بتضخم ثروته والتربح واستغلال النفوذ وإهدار المال العام وساندني في ذلك بقوة وشجاعة منقطعة النظير محمود مسلم الذي نشر المستندات الرسمية الدالة علي فساد الوزير السابق واستضافني في برنامج "منتهي السياسة" وقناة "الحياة" لشرح الوقائع وعرض المستندات وكانت شجاعة متمثلة في اننا كنا نعلم - محمود وأنا - أن ابراهيم سليمان تحت حماية الرئيس السابق مباشرة فهو رجل الرئيس ورجل الاسرة ورجل كل المسئولين فهل كان من السهل فضح الرجل المقرب من مبارك واسرته ووزير داخليته؟

لقد عاش معي مسلم لحظات الفرح بالحصول علي مستندات تدين سليمان وساعد من خلال علاقاته بالتأكد من بعض المعلومات، وكان دقيقا ونزيها في النشر، كما عاش معي "مسلم" لحظات الاحباط التي مرت بها هذه الحملة عندما كان النظام بكل جبروت يحمي سليمان ويتحدي الشعب.. فكان "مسلم" الوحيد الذي يشد من أزري ويدفع في الأمل للاستمرار والمقاومة بالرغم التهديدات والضغوط التي تعرضنا لها سويا ولم نفقد الامل في الله سبحانه وتعالي بعد ان فقدناه في أجهزة كثيرة ومسئولين كبار كانوا يحمون سليمان وطوعاً أو كرهاً، لم ترعبنا تهديداته وضغوطه والحكايات والأساطير حول نفوذه ولم تفلح معي محاولات سليمان للصلح كما لم تفلح مع "مسلم" الضغوط بل والاغراءات كي يتوقف عن الحملة.

ولن أنسي لـ "مسلم" خبطاته الصحفية التي أجراها ولم أكن مشاركا فيها، لكنني كنت فرحاً  به، مثل كشفه تفاصيل عقد مدينتي لأول مرة، وكشفه تزوير اللجنة التشريعية بمجلس الشعب لاحد اجتماعاتها وتهديد أحمد عز لـ "مسلم" امامي بسبب اثارته هذا الموضوع، ومقالاته ضد فساد "ممدوح اسماعيل" وحادث العبارة وعلاقة "ممدوح اسماعيل" بـ "زكريا عزمي" في قمة سلطاته ومقالاته ضد حكومة احمد نظيف وانس الفقي وتزوير الانتخابات ودفاعه عن المعارضة ونوابها ومهاجمة احمد عز صراحة في عدة مقالات وهي امور استحق عليها - بحق - الحصول علي جائزة نقابة الصحفيين مرتين.. حتي حواراته التي دائما ما تثير الجدل، مع د. مصطفي الفقي ود. فتحي سرور الذي باغته مسلم بأسئلة استطاع بها إخراج اسرار حول مواقف مهمة لم تعلن من قبل بعدها فاجأنا "مسلم" بحوار آخر مع مقدم الرقابة الادارية المحترم والشجاع "معتصم فتحي" حكي فيه بالتفاصيل اسماء المستفيدين من ابراهيم سليمان.

هذه شهادة حق عن صحفي بارع ومحترف ومحترم لعب دوراً خطيراً في كشف الفساد ومواجهة المفسدين، عاشرته في كثير من المواقف والازمات وسعدت بمعرفته عن قرب مدافعا عن الحق بكل قوة ودقة وامانة ووطنية في ظروف كانت صعبة ومرعبة.

أتذكر اننا كنا نتحدث بالاشارة تجنبا لمراقبة التليفونات ولعدم إحباط ما ننوي نشره، فكنت أتقدم بالبلاغ الي النائب العام او لجهاز الكسب غير المشروع ويكون البلاغ مع "مسلم" قبل أن أتقدم به وعقب خروجي من جهة التحقيق أحادثه تليفونيا وأقول له كلمة واحدة "ديليسبس" ومعناها ان ينشر البلاغ حتي نلحق بالطبعة الأولي او ان أقول له "ذيع" كاشارة اخري اتفقنا عليها تعني الاذاعة في برنامج "الحياة اليوم".

ولكننا الآن وبعد ان دخلت الحكومة كلها السجن اقول للصديق المحترم "محمود مسلم" لقد تنفسنا مع نسيم الحرية وذقنا طعم النصر فانتهي عصر "ديليسبس" وبقي تقديري واحترامي واعتزازي لصحفي جرئ ومحترم وشريف اسمه محمود محمد مسلم.