رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

رجال مبارك العائدون للحكم!

نحن الآن أمام وضع نموذجي لعودة رجال مبارك للحكم، كما يرسمها واقع يتحقق في أحلي صورة يريدها خصوم الثورة وفلول النظام.

أثناء توديعه لسجن طرة بعد الإفراج عنه علي ذمة مشاركته في موقعة الجمل وقف الرجل يلقي نظرة أخيرة علي الليمان الذي أودع فيه لبعض أسابيع، ويقسم أمام من حوله أنه لن يعود إليه مطلقاً، بل سيعمل علي إخراج كل من كانوا معه.. وصمت الرجل برهة وقال: أتعتقدون أن رجال مبارك سيسكتون علي ما فعلوه بنا.. أبداً أبداً لن يكون، سنعود بعد أسابيع أو أشهر للحكم كي يشهد هؤلاء الذين وضعونا في السجون أننا لن نتخلي عن حكم البلد وإعادة كل شيء علي ما كان عليه!

كانت وقفة الرجل شديد الثراء والذي أنفق الملايين لتمويل حملات دعم مبارك في الحكم قبل سقوطه بأيام، وأنفق مثلها أخري لتجميع الآلاف في ميدان مصطفي محمود، في مظاهرات »آسفين يا ريس«، ومن الضالعين في معركة الجمل الشهيرة، أشبه بما فعله فؤاد المهندس في فيلم »أخطر رجل في العالم«، حيث يظهر في نهايته متقمصاً شخصية فتي الكاوبوي الشرير »مستر إكس« ليقول: »إكس.. لن يموت أبداً!«.. مر المشهد الغريب في جولة الرجل قبل أن يستحم من رائحة العرق الذي تصبب عليه لأول مرة بعد أن كان يتعرق في الياسمين والفل الذي يتقن صنعته، منذ عشرات السنين، وعندما وصل إلي بيته الوثير ردد نفس الكلمات علي مسمع من المقربين من حوله، خاصة بعض المسئولين الذين اعتادوا علي العمل بإشارة منه، ولحساب رجال الحكم.

حسبت في البداية أن كلمات الرجل التي تسربت من أفواه بعض معارفه، مجرد تهديد ووعيد من شخص مجروح في كرامته، ومازال يتشبث بتلابيب الماضي، الذي عاش منعماً في ظله وانتقل من خانة أصحاب الآلاف إلي جمع المليارات، لقربه الشديد من نجل الرئيس السابق الذي جاوره في محبسه بليمان طرة، فإذا به خلال أيام قليلة، يجمع رجاله ويستعد لمعركة العودة للحكم من جديد.. عرف الرجل طريقه للشارع، وعلم أن العودة لن تكون هذه المرة من خلال ركوب الجمل ولا الخيول، وإنما من خلال الصناديق الانتخابية التي يتعارك حولها الجميع.. أيقن الرجل أن المعركة بين الثوار الجدد والأحزاب السياسية القديمة والقوي الوليدة لن تتوقف، لأن قلوبهم شتي وأيديهم متفرقة وكل طرف سيفه في الآخر، بينما المواطن صاحب البلد والصوت المطلوب السيطرة عليه، بعيد عن تلك المعارك، وكل يوم تمر فيه البلاد بأزمة تزداد حالته سوءاً.

هنا أقسم الرجل أن الشعب الذي ثار علي نظامه، هو الذي سيعود بهم إلي مقاعد الحكم، خاصة أن رجاله، مازلوا يسيطرون علي قواعد اللعبة الانتخابية، من بدايتها إلي نهايتها.. فالمجالس المحلية التي تدير الانتخابات مازالت تابعة للحزب الوطني المنحل، حيث يوجد جيش مدجج بكل تجارب الغش والخداع يتكون من 50 ألف شخص، جلهم كانوا خداما للحكم السابق، ومنفذين لكل وسائله في التزوير وسرقة الصناديق وأصوات الناس.. والأجهزة الإدارية في الدولة التي تشكلت في السنوات الأخيرة، تضم في أغلبها، شخصيات دخلت الحزب الوطني طواعية وطمعاً في المزيد من المراكز والامتيازات المالية والاجتماعية التي كانت توزع علي هذه الفئة دون غيرها من البشر.. ويجلس بجوار هؤلاء حزمة كبيرة من العمد ومشايخ البلد ورجال الأمن والبلطجية الذين يتحسرون علي المهابة التي صنعها لهم نظام فاسد حكم الناس بالحديد والنار.

هذه الفئة التي نطلق عليها فلول النظام مازالت موجود وقوية الشأن بينما انهمك بعض الثوار في التنظير ومحاربة القوي السياسية الأخري، واعتقدوا أن حرق مقر الحزب الوطني، والحكم بإعدامه قانونياً أنهي قواته الموجودة حالياً في كل شق في المدن وكل قرية ونجع.. وبينما تتشرذم قوة الثورة، التفت الفلول علي بعضها، فها هو الملياردير العائد من السجن، يقسم بأنه سيدفع كل أمواله لمن يشاركه في إعادة رجال مبارك إلي السلطة.. وهناك من سار علي نهج الرجل علي وجه السرعة، فها هو رجل أعمال آخر وعضو بارز في الحزب الوطني المنحل يجمع رجاله

من الصحفيين والإعلاميين الذين كانوا يشكلون الرأي العام في التليفزيون المصري أو القنوات الخاصة، ليصنع لهم قناة رأسمالها نحو 200 مليون جنيه، كي يصبح للحكم البائد صوت عال.. ومن العجب أنه أستعان بنفس الأراجوزات التي كانت تحرك الإعلام بتوجهات شخصية من جمال مبارك وأجهزة الأمن، ويسوق فكرته علي أنه فتح جديد في دنيا الصحافة والإعلام، وأن بعض المشاركين في الثورة يلهثون خلفاً طلباً للمال والشهرة، وهم لا يشعرون أنه يجرجرهم إلي شق الثعابين مرة أخري.

ولا عجب أن نري مجموعة تطلب مساهمة المصريين في إنشاء قناة فضائية جديدة اسمها »مبارك« والناس هدفها الرد علي »المزاعم« التي يرددها البعض عن ثروات الرئيس وآله، و»تفضح« الخصوم السياسيين له الذي انقضوا علي الحكم. وليس بخاف علي أحد أن هناك قناة تنسب نفسها للفراعنة العباقرة، تخصص صاحبها في الدفاع عن العهد البائد، وزاد في تطاوله علي كل القوي السياسية القديمة والحديثة لدرجة أثارت دهشة الناس، الذين يعلمون أنه كان يتحرك بأمر مباشر من سيده السابق صفوت الشريف، وأمن الدولة، وجعلت الشعب يسأل بأي قوة رجال أو أجهزة يقاتلهم هذا الفرعون علي الملأ الآن؟!

تحركات أشاوس الحزب الوطني المنحل واكبها، صيحات عالية من بعض رجال الأعمال تطلب وقف محاكمة أصدقائهم، بحجة عدم التأثير علي حركة السوق، ولم يتوقف أي منهم، علي ما يحدث في اليونان من مشاكل، ولا في أوروبا وأمريكا من مساءلات تطال رؤساء البنوك والشركات والوزراء والرؤساء، دون أن تتعطل ولا تهتز الأسواق، لأن دولة القانون هي الحصن الحصين لأي مستثمر والحامية لرأس المال.. وتدخلت أقلام وصحف لتثير الفزع في قلوب الشعب، خاصة الشباب منهم، كي يهتم الناس بلقمة العيش، ويتلهون في حياتهم اليومية، كما كانوا يأتمرون بذلك في الماضي، ويظل الباب مفتوحاً أمام رجال الوطني للعودة للحكم من أوسع أبوابه.

نحن الآن أمام وضع نموذجي لعودة رجال مبارك للحكم، كما يرسمها واقع يتحقق في أحلي صورة يريدها خصوم الثورة وفلول النظام.. فنعلم أن هناك أموالاً تجهز للإنفاق منها علي البلطجية والمزورين والفاسدين لإجهاض ثورة رويت بدماء الشباب، ومع ذلك نري قتالاً بين القوي السياسية الأخري، وتكالباً من البعض علي تمويل أعمالهم من الخارج أو الاستقواء ببعض السفارات والمنظمات، بينما هموم الشعب اليومية غائبة ومستقبله ملبد بالغيوم.. قد لا يلتفت هؤلاء إلي أقوال صنديد في الحكم السابق، ولا يرون ما تجهزه فلول النظام في أجهزة الإعلام و المحليات، وأخشي ما نخشاه أن نصحو يوماً ونجد مبارك وقد عاد علي أكتاف رجاله إلي القصر الجمهوري، عبر صناديق فارغة وأصوات مدفوعة الأجر، بعد أن أنشغلنا عنه بالأمور التافهة والعقول المتأرجحة.