عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

السادة نواب الردح (2)

عجيب أن يشهر مجلس الشعب قانون العقوبات في وجه من يصفه بسوء السمعة، ويتجاهل أن كثيرا من نوابه داسوا بأقدامهم الدستور والقانون عندما احتلوا مقاعدهم بالتزوير والبلطجة وسبّ القضاة وبعضهم صدر في حقه احكام في قضايا مخلة بالنزاهة والشرف.

السُّمعة الحسنة لا تصنعها قوانين ولا وقوة المدافع. وتكتسب السُّّمعة الحسنة، عبر الزمن ومواقف تصهر الفرد أو المؤسسات والدول بما يجعل ميراث هذه السمعة أغلى من كنوز الدنيا.

ويدرك الساسة على وجه التحديد قيمة السُّمعة الحسنة، سواء المتعلقة بشخوصهم أو المجالس التي يتنتمون إليها. لذا عجبنا أن يثور قادة الحزب الوطني عندما بدأت أصوات تطارد مجلس الشعب الجديد وتصفه بأنه سيّءالسمعة، ويهددون ويتوعدون كلَّ من يذكر أنه برلمان جاءه عشرات النواب من أرباب السوابق والمزورين ومستخدمي البلطجة بداية من الردح وشتائم الخصوم، امتدادا إلى" تقفيل" اللجان وتسويد أوراق الاقتراع ونهاية بإطلاق النار.

قد كان عجيبا أن يشهر مجلس الشعب سيف "قانون العقوبات" ويهدد من يمسّ أفراده بالسجن والغرامة، في الجلسة الأولى لأعمال المجلس، قبل أن ينظر في مدى صلاحية النواب الذين اقتحموا أسواره واحتلوا مقاعده رغم وجود أحكام قضائية تبطل عضوية العشرات منهم، وتصيب كيان المجلس ببطلان.

وكان غريبا أن يسرع المجلس بمنح حصانة لسيدة شتمت القضاة مما جعل النيابة العامة تسرع بالتدخل لحماية القاضي الذين أهين على صفحات الجرائد، بينما المجلس منحها الحصانة البرلمانية، كي تلتحف بها وتخرج لسانها للجميع، ومن العجيب أن يكون المنافس الوحيد على منصب رئيس مجلس الشعب شخص متهم في قضايا أخلاقية خطيرة، منها تصويره لأفلام مخلّة بالآداب وابتزازه لرموز مهمة في الدولة، وأدانه القضاء حتى درجة الاستئناف وسجن لارتكابه ذلك الجرم، وقبل أن يحدد القضاء مصيره يوم 30 ديسمبر الحالي، في درجة النقض، يصبح عضوا في البرلمان، وينافس قامة كبيرة مثل الدكتور فتحي سرور، ويصبح مؤهلا قانونا لمنافسة رئيس الجمهورية في الانتخابات المقبلة

أي سُمعة تلك التي يملكها مجلس الشعب، وعشرات النواب جاءوا بالتزوير الفاضح، ومنهم من شاركت أجهزة أمنية ورسمية في تسويد البطاقات لصالحهم، بل بلغ الفساد بأن دفع الحزب الوطني ببعض مرشحيه الاحتياطيين غصبا للانضمام إلى أحزاب محسوبة على المعارضة، بعد أن انسحب حزب الوفد من مهزلة الانتخابات الأخيرة، كي يخلق الحزب الحاكم معارضة كرتونية، يستطيع تحريكها كما يشاء على خشبة البرلمان، لاسيما أنه يجهز لمسرحية هزلية قادمة، سيطلب من الأحزاب أن تشارك فيها بمرشح لمنافسة الرئيس.

إذن سوء سمعة مجلس الشعب لم يصنعها الناس وإنما أصبحوا شهودا عليها، وكل دورهم أنهم يرددون ما اطلعوا عليه بأعينهم ، بل هناك من شارك في صناعة هذا السوء وبعد أن خرج من المولد بلا حمص، اعترف بجريمته علنا، إما ندما على ما فعل أو يريد الصاق الجرم بالذين غرروا به وأوقعوه في الجريمة.

وليس من المقبول من أجهزة الإعلام، أن تشاهد مجتمعا بأسره يتكلم في جريمة كبرى، ولا تكشفها أو ترصد ما تلوكه الألسن وتسجله كاميرات المشاهدين والمشاركين في مهزلة الانتخابات، وإلا سيلحق العار بها إلى الأبد، لأنها تخلّت عن تسجيل واقع المجتمع المصري في أسوأ حالاته عبر التاريخ.

قد يكفر الحزب الوطني الصحافة، ويستشهدون بمقولة الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب الشهيرة:" ناقل الكفر أمام القانون كافر"، ولكن عليهم أن يحذروا من اطلاق اللفظ على عواهنه، لأن الصحافة التي تكتب أقوال من يذكر أن مجلس الشعب سئ السمعة، هي التي تنشر للمسئولين تصريحات يعلم الناس أن كثيرا منها يدخل في إطار الأحلام الوردية أو الكذب الصريح والمباح، وهي التي يهلث وراءها كثيرا من المسئولين طلبا للشهرة أو رغبة في تثبت مقاعدهم أو تقربا لحاكم وتزلفا عند المواطنين.

وهي التي نشرت اعتراف رئيس الجمهورية أمام الهيئة البرلمانية للحزب الوطني الأسبوع الماضي، بأن الانتخابات شابها كثير من الممارسات السيئة، والتي تشمل ضمنا البلطجة، والتزوير.وكانت جريدة "الوفد" أول من حذرت منذ 3 أشهر، أن تكون انتخابات مجلس الشعب سوقا رائجة للبلطجية، بما يهدد كيان الدولة وأمنها القومي. وهالنا أن تكون نتيجة الدراسة التي انفردنا بنشرها نقلا عن الخبير الجنائي اللواء رفعت عبد الحميد أستاذ العلوم الجنائية بالاسكندرية، هي نفس النتيجة التي خرجنا بها بعد الانتخابات.

أشارت الدراسة الأولى إلى رواج سوق البلطجية خاصة من الجنس الناعم لحماية نائبات الكوتة، وها هي النتائج تكشف عن تحوّل بعض النائبات إلى فتوات في مواجهة السلطة القضائية برمتها، وبلطجيات

يعرضن خدماتهن على الوزراء والنواب علنا، وتبين الدراسة الجديدة التي انفردنا به أيضا الخميس الماضي، أن كثرو الطلب على سوق البلطجية أنعش عائلات كادت تنسى من التطور المدني حياة البلطجة، فعادت إليها لتربح الملايين، ويتحول المرشحون بالنسبة إليهم إلى مصدر لنهب أموالهم بأمزجتهم، خاصة أن أغلبتهم من رجال الأعمال وكبار العائلات.

وتراوحت الزيادة في أسعار البلطجة ما يفوق 20% عن الأسعار المحددة قبل الانتخابات، وطبقا للدراسة فإن الطلب على بلطجية يتولون الردح للسادة للخصوم وإظهار قلة الأدب كان الأكثر من نوعه، ويليه تجهيز فتوات لمنع الخصوم من الإدلاء بأصواتهم، أو دخول اللجان وفي أغلب الأحيان كان هؤلاء يشرفون على تسويد بطاقات الاقتراع بالاتفاق مع رؤساء اللجان الفرعية من الموظفين أو تهديدهم بالسلاح و"مية النار"في ظل تغاضي أجهزة الأمن عن هذه الممارسات وضعف إمكانات الرقابة للجنة العليا للانتخابات.

أظهرت الدراسة التي أجراها خبيرٌ عمل في المباحث الجنائية نحو 30 عاما أن البلاد ستجني ثمارا تغاضي السلطة والقانون عن أعمال البلطجية، ووصول نواب يمارسون البلطجة إلى البرلمان، بما يجعلهم في خدمة أصحاب الفضل عليهم من البلطجية، الذين ينتظرون منهم ردّ الجميل بأفضل منه، لاسيما أن اللعبة تتجدد كل 5 سنوات واللاعب يريد أن يستمر في مقعده بشتى السبل.

وتوضح الدراسة أن الحكومة تغافلت عن تعديل قانون العقوبات رقم رقم 6 لسـ 1988 ـنة بعد أن حكمت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته في القضية رقم 83 لسنة 23 قضائية دستورية، لأسباب شكلية تتعلق بعدم مروره على مجلس الشورى، مما أوجد حالة من الفراغ التشريعي لمواجهة البلطجة. وتشير إلى أن حالات العنف داخل المجتمع زادت لأن القانون قاصر في مواجهة هذه الظواهر الجديدة، لدرجة أن يد البلطجية أصبحت تطال قادة الدولة وأجهزة الأمن، لأننا نخضع لقانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 بالمادة 375 مكرر الذي لا يفرق بين شهرالسيف والقلم في وجه مسئول أو مواطن.

إذا كان مجلس الشعب يريد تصحيح صورته التي يراها الناس سيئة السمعة، فعليه أن يبدأ أولا بلفظ نوابه من المشبوهين أو التي صدرت ضدهم أحكام ولو ابتدائية في قضايا تمس صحة العضوية أو الشرف والنزاهة، فحُسن السمعة من المؤهلات الأوليّة لشغل أية وظيفة عامة أو خاصة، فما بالنا إذا كان الأمر يتعلق بنواب يشرّعون للشعب قوانين تحكم يومه وتخطط لمستقبله.

بدون هذه الخطوط ستظل سمعة البرلمان على المحك ولن تحسّنها تهديدات الناس بالحبس ولا الغرامة. فما يمنعه البرلمان من الذكر علنا سيراه على الانترنت والفضائيات وأروقة الشائعات وخلف الكواليس. فكتم الأنفاس لم يعد يجد، في عالم مفتوح أصبح كقرية صغيرة، وكما أنّ وصم المرء بسوء السمعة لا يأتي من جرم واحد، فإن محو عار المجلس لا يذهب بجهد فرد أو عمل وحيد، بل يحتاج إلى أعمال كثيرة تعيد ثقة الناس في مجلس كانوا يطلقون على أعضائه "حضرة النائب الموقر".

[email protected]