رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

موسم الهجرة إلى الشمال

ظاهرة الطوابير الطويلة أمام السفارات الأجنبية، للحصول على تأشيرة سفر للهجرة أو العمل الطويل، تحولت إلى مشهد متواصل هذه الأيام. رغم فرار أكثر من 150 ألف مصري أغلبهم من المسيحيين عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011، إلى أوروبا والولايات المتحدة واستراليا، كانت ظاهرة الهجرة قد بدأت في الانخفاض التدريجي، عما كانت عليه قبل الثورة، بل أقبلت مئات من الأسر المقيمة في الخارج على البلاد، أملا في أن يكون لها دور في صناعة مستقبل الدولة التي أعلنت رفضها للفساد وفتحت أبوابها لكل المصريين ليشاركوا في صناعة القرار السياسي ووضع الخطط لبلدهم.

ما الذي دفع المصريين إلى العودة من جديد إلى قوافل الهجرة، التي تتجه عادة نحو الشمال، والغرب، وأحيانا نحو المشرق العربي، حيث دول الخليج، كالسعودية والإمارات؟. هذه الرحلة التي تستنزف عقول المصريين، خطفت من قبل علماء وباحثين بل أدباء وفنانين، لو أتيحت لهم بيئة جيدة، لتحولت مصر إلى عملاق اقتصادي منذ سنوات.  لا توجد احصاءات دقيقة عن هذه الهجرات، وإنما مؤشرات رأيناها في سفرنا بالخارج، واطلعنا عليها في مؤتمرات المصريين المغتربين ولكن من المؤكد أن تلك المؤشرات لا تعكس حقيقة تلك الهجرات ولا قيمة العقول التي هربت، بعضها اندمج في المجتمعات الجديدة، وغير متصل بجذوره وقلة هي التي تتعامل معه في مرحلة خريف العمر، وحب العودة إلى الذكريات.  كل ما نعرفه مبني علي علاقات شخصية وقراءات خاصة، لا تملكها أجهزة بحثية دقيقة، وهناك مؤشرات يرصدها التقرير العربي للتنمية البشرية، تبين وجود 450 ألف عالم وخبير عربي في أنحاء العالم، ممن يحتلون مناصب رفيعة في الجامعات ومراكز البحوث والمناصب الرسمية حول العالم.
رغم أهمية الرقم إلا أنه لا يعكس حقيقة تلك الهجرات ولا دوافعها، لذلك سعدت عندما اطلعت مؤخراً على دراسة أجراها المركز العربي للدراسات والسياسات، في يوليو الماضي، حول دوافع تلك الهجرات. تشير الدراسة إلى أن رغبة المواطنين في الهجرة إلى خارج بلدانهم هي مؤشر ذو دلالة يمكن استخدامه في التقييم العامّ لأوضاعهم بصفة عامة وأوضاع بلدانهم، إذ تُظهر النّتائج أن 22% من المستجيبين «يرغبون في أو ينوون» الهجرة إلى الخارج، مقابل 76% لا يرغبون في ذلك. لا تشير النتائج إلى أن اتجاهات الرأي تبرز تغييرًا في نسب الذين يرغبون في الهجرة من بلدانهم؛ إذ إن نسبة الذين ينوون الهجرة انخفضت على نحو طفيف من 24% في عام 2011، إلى 22% في عام 2012/2013. وهو تغيير محدود وغير جوهري من الناحية الإحصائية.
وتظهر الدراسة تبايناً في اتجاهات الرأي العام نحو الهجرة بين البلدان المستطلعة وهي 13دولة عربية من بينها مصر ودول الخليج والعراق والسودان ولبنان والمغرب، آراء مستجيبيها، فقد أفاد 54% من مستجيبي السودان، و33% من مستجيبي لبنان بأنهم يرغبون في الهجرة إلى خارج بلدانهم، فيما كانت النسبة نحو ربع المستجيبين أو أكثر في الجزائر، وتونس، والأردن، وفلسطين، والمغرب، واليمن. وأقلّ المستجيبين رغبةً في الهجرة من بلدانهم، هم الكويتيون (2%)، والسعوديون (6%)، والموريتانيون (13%).
ويشير تحليل الأسباب التي اختارها المستجيبون الذين يرغبون في الهجرة دوافعَ لهجرتهم، إلى أن رغبة المواطنين نحو الهجرة هي بدافع الرغبة في تحسين أوضاعهم الاقتصاديّة بنسبة 78% من الذين يرغبون في الهجرة. وكان عدم الاستقرار الأمني هو الدافع الثاني بنسبة 10% من مجمل الذين يرغبون في الهجرة. وأفاد 4% من المستجيبين بأنّهم يفكّرون في الهجرة لأسباب سياسيّة. وعند النظر إلى دوافع المستجيبين الذين ينوون الهجرة في كل مجتمع من المجتمعات المستطلعة على حِدة، يظهر تحسين الأوضاع الاقتصادية عاملا غالبًا أيضًا. لكن نحو ثلث العراقيين وربع اللبنانيين وخمس المصريين، أفادوا بأن دوافعهم تكمن في عدم الاستقرار الأمنى.
وتبين الدراسة أنه لغايات تعميق إدراك أهداف المستجيبين الذين يرغبون في الهجرة ودوافعهم، سُئل المستجيبون الذين أفادوا برغبتهم في الهجرة عن

البلد الذي يفضّلون الهجرة إليه. وتُظهر النتائج أنّ 11% من المستجيبين لم يحدّدوا مقصدًا للهجرة، في حين كانت نسبة الذين أفادوا بأنّهم لا يعرفون مقصد هجرتهم أو رفضوا الإجابة 4% من مجمل المستجيبين الذين يرغبون في الهجرة. إنّ أكثرية المستجيبين ترغب في الهجرة إلى بلدانٍ أوروبيّة؛ فنسبة 9% من المستجيبين أفادت برغبتها في الهجرة إلى فرنسا، و4% يرغبون في الهجرة إلى ألمانيا، ومثلت بريطانيا، وإيطاليا، وسويسرا، وإسبانيا مجتمعة ما نسبته 16% من خيارات الراغبين في الهجرة. ومثّلت دول الخليج العربيّ الوجهة الثانية الأكثر تفضيلًا بين من ينوون الهجرة من المستجيبين؛ إذ أفاد 12% من المستجيبين بأنّهم يرغبون في الهجرة إلى السعودية، و7% إلى الإمارات، و4% إلى قطر، و4% إلى دول الخليج العربيّ الأخرى. كما أفاد 10% من الذين يرغبون في الهجرة، بأنّ مقصد هجرتهم هو الولايات المتّحدة، و7% إلى كندا.
بعد تحليل البلدان التي اختارها المستجيبون مقصدًا لهجرتهم بالتقاطع مع دوافعهم للهجرة، تبين أنّ المواطنين الذين يرغبون في الهجرة لا يرغبون في الهجرة الدائمة، وإنّما الاغتراب من أجل العمل أو تحسين الأوضاع الاقتصاديّة. ويظهر ذلك من خلال نسبة 27% يودّون الهجرة إلى دول الخليج التي لا تستقبل مهاجرين وإنّما عاملين وافدين.. وتخلص الدراسة إلى أن تحليل دوافع المستجيبين للهجرة، إضافةً إلى تحليل خياراتهم بخصوص الدول التي تكون مقصدًا للهجرة، يُظهر أنّ مفهومهم للهجرة مفهوم مختلط؛ فأحيانًا يقصدون به الهجرة، وأحيانًا أخرى يقصدون به الاغتراب بغاية البحث عن عمل، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية.
مع أهمية تلك المؤشرات إلا أن دوافع الهجرة تظل كامنة في نفوس صاحب القرار، فلا يفكر المرء في ترك وطنه إلا بعد تفكير طويل ومؤثرات شتى تجعله، يدرك أن الإقامة في بلده أصبحت من الخطورة بمكان على نفسه ومستقبله والأسرة التي يفكر في الاستقرار بها ببلد آمن. لذا تعد تجربة الهجرة مريرة للمصريين، وإن حصلوا على أفضل المناصب وتوافرت لهم الامكانات، خاصة أن متوسط أعمار المهاجرين، تبدأ مع مرحلة العطاء الفكري والعملي للفرد. وتذهب الاستثمارات التي انفقت في المهاجرين على مدار سنوات دراسية طويلة، لتصب في مصلحة الوطن الجديد، بما يحرم البلاد من عائد تلك الاستثمارات، إلى الأبد. أحيانا يرتبط موسم الهجرات بحالة عدم الاستقرار الأمني، وقيام الثورات، ولكن أغلب المهاجرين المصريين تركوها لأنهم لم يجدوا من يفتح لهم الأبواب للمشاركة في صناعة مستقبل هذا البلد، بما يشعرهم بالغربة في بلدهم، ويدفعهم نحو الهجرة إلى وطن يفتح لهم الأبواب في صناعة مجده ويجدد بهم حيويته.